بريطانيا: أيعتبر الخروج من الاتحاد الأوروبي "قفزة في الظلام"؟

الزّمان: يوم الجمعة المقبل، بعد فرز الأصوات. أدلى البريطانيّون بدلوهم في الاستفتاء على عضويّة الاتّحاد الأوروبيّ واختاروا الخروج. هذا تصوّر يخطّط له زعماء أوروبا بكلّ جديّة ويتمنّون في الوقت نفسه ألّا يحدث.

بريطانيا: أيعتبر الخروج من الاتحاد الأوروبي "قفزة في الظلام"؟

الزّمان: يوم الجمعة المقبل، بعد فرز الأصوات. أدلى البريطانيّون بدلوهم في الاستفتاء على عضويّة الاتّحاد الأوروبيّ واختاروا الخروج. هذا تصوّر يخطّط له زعماء أوروبا بكلّ جديّة ويتمنّون في الوقت نفسه ألّا يحدث.

ويقول مسؤولون ودبلوماسيّون مطّلعون إنّ لقاءات سريّة في بروكسل ومختلف أنحاء أوروبا تكشف عن غموض هائل يكتنف ما سيعقّب الاستفتاء الذي يسمّيه رئيس الوزراء البريطانيّ ديفيد كاميرون 'قفزة في الظّلام' كما تكشف عن قلق ليس بالهيّن ممّا سيحدث إذا بقيت بريطانيا في الاتّحاد.

وفيما يلي خريطة طريق لأوروبا بعد 23 حزيران/يونيو بناءً على محادثات مع العديد من الدّبلوماسيّين والمسؤولين، وقلّة من هؤلاء تتحدّث علنًا عن الموضوع رغم المخاوف من إذكاء نار النّقاش المشتعل في بريطانيا.

اليوم الأول - الجمعة 24 حزيران/يونيو

تغلق مراكز التّصويت في العاشرة مساءً. ليس من المقرّر استطلاع آراء الخارجين منها، لكنّ عمليّات فرز الأصوات خلال الليل ستسفر عن نتيجة بحلول موعد شروق الشّمس في سماء بروكسل تقريبًا.

وبغضّ النّظر عن النّتيجة نفسها، فثمّة عدد من العناصر التي يستحيل تخمينها أو تقديرها. إذ يقول كاميرون إنّه سيخطر الاتّحاد الأوروبيّ 'على الفور' إذا كانت بريطانيا ستخرج من عضويّته. لكنّه قد يستغرق على الأقلّ بضعة أيّام. فإذا خسر الاستفتاء سيكون تحت ضغط هائل من حزب المحافظين المقسّم الذي ينتمي إليه لتقديم استقالته. وربّما يكون هذا هو الحال أيضًا إذا فاز في الاستفتاء.

وستشهد أسواق المال تقلّبات. ولدى بنك إنجلترا والبنك المركزيّ الأوروبيّ خطط طارئة للتعامل مع أثر 'صدمة خروج بريطانيا' على كلّ من الجنيه الإسترليني واليورو.

وسيجتمع وزراء شؤون الاتّحاد الأوروبيّ وسفراء الدّول الأعضاء في لوكسمبورج قبل السّاعة العاشرة لإجراء محادثات عاديّة، ستكون أوّل فرصة بالنّسبة لكثيرين لإبداء ردّ فعلهم.

ويقول مسؤولون إنّ من المتوقّع صدور بيانات مشتركة من ألمانيا وفرنسا ومن مؤسّسات أوروبيّة. وسيلتقي وزراء خارجيّة الدّول السّتّ المؤسّسة لهذا التّكتّل وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج في برلين يوم الجمعة.

وأيًّا كان تصويت البريطانيّين، فإن رئيس المفوّضية الأوروبيّة، جان كلود يونكر، سيستضيف رئيس المجلس الأوروبيّ، دونالد توسك، الذي يرأس اجتماعات القمّة في الاتّحاد الأوروبيّ وكذلك رئيس البرلمان الأوروبيّ، مارتن شولز، في مقرّه ببروكسل السّاعة 08:30 بتوقيت غرينتش.

وسيشارك في اللقاء أيضًا رئيس وزراء هولندا، مارك روته، الذي تتولّى حكومته الرّئاسة الدّوريّة للاتّحاد الأوروبيّ.

ومن المتوقّع أن تسود مشاعر مختلفة تتمثّل في الشّعور بالنّدم لفقدان ما يقرّب من خمس الاقتصاد الأوروبيّ وأكثر من ذلك من نفوذه العسكريّ والعالميّ، وكذلك الشّعور باحترام رغبة الشّعب البريطانيّ وبالتّصميم على مواصلة العمل من أجل التّكامل الأوروبيّ.

وقال مسؤول كبير بالاتّحاد الأوروبيّ 'يجب أن تستمرّ الحياة'.

اليوم الثّاني - السّبت 25 حزيران/يونيو

أشار بعض وزراء الماليّة في منطقة اليورو إلى أنّ مجموعة اليورو قد تعقد اجتماعًا طارئًا لكنّ مسؤولين كبارًا يستبعدون ذلك. وستكون إدارة ما يحدث في البنوك والأسواق من اضطرابات من مهامّ البنك المركزيّ الأوروبيّ وغيره من المؤسّسات التّنظيميّة.

اليوم الثّالث - الأحد 26 حزيران/يونيو

يقول المسؤولون إنّه بعد التّصويت بخروج بريطانيا من عضويّة الاتّحاد سيرأس يونكر رئيس المفوّضيّة اجتماعًا طارئًا للمجمّع التّنفيذيّ المكوّن من 28 مفوّضًا بينهم المفوّض البريطانيّ، جوناثان هيل.

ويؤكّد مسؤولو الاتّحاد الأوروبيّ عدم وجود خطّة بديلة لمواجهة خروج بريطانيا. لكنّ أحدهم تحدّث عن 'الغرفة ب' التي يوجد فيها فريق جاهز 'لمكافحة الحرائق' من محاميّي الاتّحاد الأوروبيّ والخبراء. 'والفكرة هي أن يكون كلّ شيء جاهزًا ليوم الاثنين'.

اليوم الرّابع - الإثنين 27 حزيران/يونيو

تشهد بداية الأسبوع الجديد في أسواق المال العالميّة مطالبة المستثمرين والنّاخبين بإجابات عن الاتّجاه الذي تسير فيه بريطانيا والاتّحاد الأوروبيّ. ومن المتوقّع أن يقدّم الطّرفان تطمينات تتعلّق بإجراء محادثات منظّمة في حين أنّه لن يحدث أيّ تغيير على الفور بالنّسبة للشركات والمواطنين.

اليوم الخامس - الثّلاثاء 27 حزيران/يونيو

من المقرّر عقد قمّة للاتّحاد الأوروبيّ تستغرق 24 ساعة. وبعد التّصويت على الخروج من أوروبا، ستنتهي الحياة السّياسيّة لكاميرون، لكنّه سيبقى على الأقلّ إلى أن ينتخب حزبه المنقسم زعيمًا جديدًا. وسيتوقّع منه حضور عشاء يعقد في بروكسل. وهنا يثور التّساؤل المهمّ: هل سيقوم كاميرون بإخطار رئيس القمّة الأوروبيّة، دونالد توسك، أنّه يستدعي المادّة 50 من معاهدة الاتّحاد الأوروبيّ، وهي الأساس القانونيّ أمام بريطانيا للخروج من عضويّة الاتّحاد؟

وفي لندن ربّما يحاول من يسعون لخلافته من مؤيّدي خروج البلاد من الاتّحاد، المماطلة.

ويقول مسؤولو الاتّحاد الأوروبيّ ودبلوماسيّوه إنّهم يريدون أن تبدأ بريطانيا العمليّة على الفور وتستبعد إجراء مفاوضات جديدة وذلك رغم أنّهم لا يرون الآن أيّ وسيلة قانونيّة لإرغامها على ذلك. ولا تسمح معاهدة الاتّحاد الأوروبيّ بطرد أيّ بلد عضو، لكنّ الضّغوط السّياسيّة ستكون شديدة مع حثّ لندن على احترام رغبة النّاخبين وربّما تبدأ الدّول الأخرى وعددها 27 دولة مباحثات دون مشاركة بريطانيا.

وإذا حقّق معسكر كاميرون الفوز في الاستفتاء، ستبحث القمّة بسرعة تطبيق مجموعة الإصلاحات التي اقتنصها رئيس الوزراء البريطانيّ من الدّول الأخرى في آذار/مارس الماضي لمنح بلاده وضعًا خاصًّا في جهود وقف الهجرة إلى الاتّحاد الأوروبيّ.

اليوم السّادس - 29 حزيران/يونيو

اليوم الثّاني في القمّة، إذا كان مآل بريطانيا هو الخروج. سيتباحث قادة الدّول الـ 27 الأخرى، دون وجود كاميرون في القاعة، وهو أمر سيتعيّن على البريطانيّين الاعتياد عليه. المادة 50 تحدّد عامين لمحادثات الانفصال. وسيتعيّن على الاتّحاد الأوروبيّ أن يسدّ ثغرة بحجم بريطانيا في ميزانيّته وطمأنة الملايين من مواطنيه الذين يعيشون في بريطانيا ومن البريطانيّين الذين يعيشون في القارّة الأوروبيّة بشأن حقوقهم مستقبلًا.

ربّما يضغط زعماء الاتّحاد الأوروبيّ من أجل استعراض سريع للوحدة بشأن مزيد من التّكامل. ومن المحتمل أن تؤدّي الانقسامات بين برلين وباريس بشأن إدارة منطقة اليورو، إلى استبعاد اتّخاذ خطوة كبيرة على تلك الجبهة قبل الانتخابات التي تجري في البلدين العام المقبل.

وربّما يتمّ إحياء مساع لتعزيز التّعاون الدّفاعيّ بين دول الاتّحاد الأوروبيّ، دون بريطانيا المتشكّكة. ويتضمّن جدول أعمال القمّة بالفعل مراجعة رئيسيّة للسياسات الأمنيّة في الاتّحاد.

ومن المحتمل أن يكون السّعي لخلق مزيد من الوظائف، لا سيّما للشباب من المبادرات الأخرى، التي تهدف لإفساد مسعى مارين لوبان اليمينيّة المتطرّفة والمشكّكة في الوحدة الأوروبيّة للفوز بالرّئاسة الفرنسيّة.

ومع ذلك فإنّ آخرين، من بينهم رئيس القمّة توسك البولنديّ، يحذّرون من استدعاء النّاخبين من خلال التّحرّك بسرعة كبيرة.

وعلى قادة الاتّحاد الأوروبيّ أن يمنحوا المفوّضيّة الأوروبيّة تفويضًا بالتّفاوض. ويرى البعض في بريطانيا، أنّ مفاوضات الخروج ستستمرّ أكثر من عامين لتشمل المحادثات بشأن الشّروط التّجاريّة الجديدة. لكنّ إطالة أمد الفترة يتطلّب إجماع أعضاء الاتّحاد الأوروبيّ، وهو أمر غير متوقّع في بروكسل.

ويشير البعض إلى أنّ المحادثات مع بريطانيا على شروط تجاريّة مستقبليّة يمكن أن تسير بالتّوازي. وسبق ليونكر القول إنّ الأولويّة بالنّسبة للاتّحاد الأوروبيّ ستكون لاستمرار محادثات الانفصال لعامين ثم تبدأ المحادثات لفترة مفتوحة.

من اليوم السابع - لا شيء (وكلّ شيء) يتغيّر - أهلًا أستونيا

بعد التّصويت على خروج بريطانيا ستظلّ كل قوانين الاتّحاد الأوروبيّ سارية في بريطانيا لعامين، تبدأ لندن بعدهما عمليّة الخروج. وبعدها لن يطبّق أيّ قانون منها. وفي الوقت نفسه سيواصل النّوّاب البريطانيّون حضور جلسات البرلمان الأوروبيّ ويواصل آلاف البريطانيّين العمل كموظّفين عموميّين لدى الاتّحاد الأوروبيّ ويشارك الوزراء البريطانيّون في أعمال مجالس الاتّحاد. لكن لن يكون لهم صوت حقيقيّ وستتخلّى بريطانيا عن رئاستها للاتّحاد الأوروبيّ في النّصف الثّاني من عام 2017، وربّما تتقدّم إستونيا لرئاسة الاتّحاد للمرّة الأولى قبل ستّة أشهر من الموعد المقرّر لها. ومن الحلول الأخرى إشراك كرواتيا العضو الجديد في الاتّحاد.

ويرصد البعض ضغوطًا كبيرة لاستبعاد الأعضاء البريطانيّين في البرلمان الأوروبيّ من التّصويت على قوانين الاتّحاد وحرمان هيل، الذي عيّنه كاميرون، من المهمّة الحسّاسة التي يشرف من خلالها على تنظيم قطاع الخدمات الماليّة.

وأيًّا كانت نتيجة الاستفتاء، فستطفو على السّطح مجموعة من خطط الاتّحاد الأوروبيّ الأخرى التي أرجئت خشية استعداء النّاخبين البريطانيّين ومنها قواعد ترشيد استخدام الطّاقة. وسيعود التّعامل مع آثار استفتاء سويسريّ على الهجرة إلى الاتّحاد الأوروبيّ ورفض هولندا للاتّفاق التّجاريّ الأوروبيّ مع أوكرانيا، بالإضافة إلى مراجعة ميزانيّة الاتّحاد لفترة سبع سنوات تغطّي الفترة حتى عام 2020.

وإذا قرّرت بريطانيا البقاء في الاتّحاد فإنّ البعض ولا سيّما في فرنسا، يخشون أن تقود بريطانيا حملة جديدة لتحرير أسواق الاتّحاد والحدّ من القواعد التّنظيميّة.

ويرى بعض المسؤولين البريطانيّين تفويضًا بذلك بعد الفوز في الاستفتاء، رغم أنّ آخرين يتشكّكون في استعداد كاميرون للمجازفة بتعميق العلاقات مع الاتّحاد الأوروبيّ، وسط خلافات بين المحافظين، هذا إذا ظلّ باقيًا على السّاحة.

والعنصر المجهول هو العلاقة بين بريطانيا والاتّحاد الأوروبيّ بعد خروج الأولى. إذ أنّ كثيرين من زعماء الاتّحاد الذين يخشون من النّاخبين المتشكّكين في بلادهم، عازمون على ألّا تحصل بريطانيا على امتيازات للتجارة ودخول أسواق المال إذا كانت تريد الاستمرار في إبعاد عمّال الاتّحاد الأوروبيّ ورفض المساهمة في ميزانيّة الاتّحاد.

وستضرّ الحواجز التّجاريّة الجديدة بالاقتصاد على الجانبين. لكنّ الاتّحاد الأوروبيّ يخشى أن تؤدّي التّأثيرات السّياسيّة المترتّبة على ذلك، إلى مزيد من التّكاليف في الأجل الطّويل.

نهاية الطّريق؟

سيجد القادة أمامهم مشاكل أخرى كثيرة تصرف انتباههم عن التّفاوض مع بريطانيا، بما في ذلك روسيا واليورو والوظائف والّلاجئين. وربّما تكون لدى لندن أولويّات أخرى ليس أقلّها احتمال أن تسعى اسكتلندا من جديد للانفصال.

وثمّة إجماع في بروكسل على أنّ بريطانيا ستواجه مستقبلًا صعبًا وربّما تضطرّ لإجراء محادثات مرّة أخرى فيما بعد للحصول على بعض الامتيازات التّجاريّة مقابل تنازلات، مثل حريّة الهجرة من داخل الاتّحاد وتقديم مساهمات في ميزانيّته، وهي أمور يريد النّاخبون السّاعون للخروج من الاتّحاد أن تنتهي. لكنّ دبلوماسيّين يتوخّون الحذر لا يستبعدون أيّ تحوّلات مفاجئة.

وقد تبدو قوانين الاتّحاد الأوروبيّ واضحة غير أنّ زعماء الاتّحاد ومنهم المستشارة الألمانيّة، أنغيلا ميركل، يبغضون خروج بريطانيا، وربّما يسعون لإبقائها بطريقة أو بأخرى، أيًّا كانت نتيجة الاستفتاء الذي يجري يوم 23 حزيران/يونيو الجاري.

وقال دبلوماسيّ كبير بالاتّحاد الأوروبيّ 'هل ستغلق ميركل الباب حقًّا؟ ربما يبدو الأمر قاطعًا في بروكسل. لكن لا تستبعد أيّ شيء في السّياسة'.

اقرأ/ي أيضًا| كاميرون: نفوذ بريطانيا بالاتحاد الأوروبي سيزيد في حال التصويت بالبقاء

التعليقات