هل بات قتل السود في الولايات المتحدة أمرًا مألوفًا؟

لم تبدُ الولايات المتحدة الأميركيّة منقسمة في تاريخها الحديث أكثر من هذه المرّة، ففي كل مرّة كانت يضربها "الإرهاب الخارجي" كان المجتمع الأميركي يقف متحدًا، بيد أنه، هذه المرّة، وجد نفسه ضحيّة نفسه.

هل بات قتل السود في الولايات المتحدة أمرًا مألوفًا؟

"إنها الحرب الأهلية" على غلاف نيويورك بوست، الجمعة

لم تبدُ الولايات المتحدة الأميركيّة  منقسمة في تاريخها الحديث أكثر من هذه المرّة، ففي كل مرّة كانت يضربها 'الإرهاب الخارجي' كان المجتمع الأميركي يقف متحدًا، بيد أنه، هذه المرّة، وجد نفسه ضحيّة نفسه؛ فقد فقد 5 عناصر شرطة من ذوي البشرة البيضاء حياتهم، وأُصيب 7 آخرون، في وقت متأخر من ليل الخميس - الجمعة، برصاص قناصة من ذوي البشرة السمراء، في مدينة دالاس بولاية تكساس الأميركيّة.

الحادثة، التي تشتبه الشرطة بضلوع أكثر من شخص فيها، أشعلت المخاوف من تأجج نيران العنصرية في المجتمع الأميركيّ، خاصة أن الأمر لم يكن طارئًا، بل له إرهاصات سابقة.

الأمر الذي دعا صحيفة 'نيويورك بوست' الأميركية لاستخدام مصطلح 'حرب أهلية' على غلاف عددها الصادر، اليوم، الجمعة، لوصف الصدامات التي تقع بين السود وقوات الشرطة في أنحاء البلاد، ولدفع العديد من الشخصيات العامة في البلاد إلى الدعوة لاتخاذ إجراءات لمواجهة هذه الظاهرة.

حين تتجاوز عنصرية الشرطة حدود التحمّل (أ.ف.ب)
حين تتجاوز عنصرية الشرطة حدود التحمّل (أ.ف.ب)

>> بداية الأحداث

البداية تعود إلى الثلاثاء الماضي؛ عندما قام شرطي من ذوي البشرة البيضاء بقتل مواطن من ذوي البشرة السمراء، يدعى آلتون سترلنغ (37 عامًا)، في مدينة باتون روج، عاصمة ولاية لويزيانا، أثناء قيام الأخير ببيع نسخة مقلدة من أقراص مدمجة للأغاني والأفلام خارج أحد متاجر المدينة (وهو ما يجرّمه القانون الأميركيّ).

وعلى خلفية مشادة بين سترلنغ واثنين من عناصر الشرطة من ذوي البشرة البيضاء، استل أحدهما سلاحه وأطلق النار على الرجل؛ ليرديه قتيلا.

وشهد يوم الأربعاء، كذلك، حدثًا مماثلا؛ إذ خرّ الشاب صاحب البشرة السمراء، فيلاندو كاستيل (32 عامًا)، صريعًا، إثر قيام شرطي أبيض بفتح النار عليه.

وفي تسجيل مرئي التقطته صديقة كاستيل، التي كانت بصحبته في السيارة، ظهر الأخير وهو مضرج بالدماء، يتلوى من الألم، فيما ظل الشرطي موجهًا مسدسه إليه، ويتحدث بعصبية محاولًا إبعاد وجهه عن الكاميرا التي كانت تحملها الفتاة.

وقالت صديقة الضحية، عبر تسجيلها المرئي الذي انتشر على موقع تشارك المقاطع المصورة، يوتيوب، إن الشرطي طلب من كاستيل رخصة السياقة وإجازة السيارة، بسبب عطب في أحد المصابيح الخلفية للسيارة، وإن كاستيل أخبر الشرطي بأنه يحمل سلاحًا مرخصًا، إلا أن الشرطي أطلق النار عليه عند محاولة الضحية إبراز إجازة سياقته وأوراق امتلاك السيارة.

ويسمح القانون في ولاية مينيسوتا، حيث قتل كاستيل، للمدنيين بحمل سلاح مرخص.

وقالت صحيفة 'واشنطن بوست'، في إحصاء لها، اليوم، إن كاستيل هو الضحية رقم 123 بين السود الذين قتلوا على يد الشرطة خلال عام 2016‎.

وعلى خلفية الحادثين، شهدت أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة مظاهرات حاشدة، أمس الخميس؛ احتجاجًا على ما اعتبروه 'عنصرية' الشرطة ضد المواطنين من أصحاب البشرة السمراء.

ورغم سلمية الاحتجاجات في أغلب أنحاء أميركا، إلا أن مدينة دالاس كانت على موعد مع نزف دماء جديدة، لكن أصحابها هذه المرة كانوا من رجال الشرطة ذوي البشرة البيضاء.

وبيّنت المعلومات الأولية الصادرة عن الشرطة، أن الدوافع وراء الحادث هو الانتقام لحوادث قتل مواطنين من ذوي البشرة السمراء على يد الشرطة.

وفي مؤتمر صحفي عقده اليوم، الجمعة، قال مدير شرطة دالاس، ديفيد براون، إنه تم إلقاء القبض على 3 مواطنين مشتبه بتورطهم في عملية القنص، لافتًا إلى أن مواطنًا رابعًا مشتبه فيه قُتل بعد مفاوضات استمرت عدة ساعات وتبادل لإطلاق النار مع عناصر الشرطة؛ وذلك بإلقاء قنبلة عليه، بعد أن رأت الشرطة 'أنه ليس هناك من خيارٍ آخر، وأن أي خيار كان سيعرض حياة ضباط الشرطة للخطر'.

وأضاف براون، في المؤتمر الذي بثه الحساب الرسمي لشرطة المدينة على موقع التغريدات القصيرة، تويتر، 'لقد كان المشتبه فيه (الذي قتلته الشرطة) مستاءً من حوادث إطلاق النار التي قامت بها الشرطة (ضد السود)'.

وتابع 'المشتبه به أبلغ الشرطة (أثناء المفاوضات معه من أجل الاستسلام) أنه أراد قتل أناسٍ من البيض، وبالأخص ضباط شرطة من البيض'.

واستطرد مدير شرطة دالاس قائلا 'المشتبه به قال إنه ليس مرتبطًا بأيّة جماعة، وإنه نفذ هذا الأمر لوحده'.

ونقلت شبكة 'إي بي سي' الأميركية، اليوم، نقلًا عن مصادر في الشرطة والبنتاغون لم تسمها، أن المشتبه به الذي تم قتله على يد شرطة المدينة هو مايكا أكزافير جونسون (25 عامًا)، وهو مواطن سبقت له الخدمة في الجيش الأميركي.

>> مطالبات بالتدخل للحفاظ على وحدة البلاد

ودعت دوافع قنص عناصر الشرطة، والتي تبّين أنها على خلفية عنصرية، كما قال مدير شرطة دالاس، شخصيات مسؤولة وعامة في الولايات المتحدة إلى التدخل، ومطالبة الجهات المختصة باتخاذ ما يلزم للحفاظ على وحدة البلاد من التفكك.

فقد حذر الرئيس الأميركيّ، باراك أوباما، في بيان نشره عبر حسابه الرسمي على تويتر من أن عمليات إطلاق النار الأخيرة 'ليست حوادث معزولة'.

وقال 'ما هو واضح هو أن عمليات إطلاق النار هذه ليست حوادث معزولة، إنما هي أعراض تحديات أوسع داخل منظومة العدالة الجنائية لدينا، والفوارق العنصرية التي تظهر في كافة أجزاء هذه المنظومة سنة بعد أخرى، وما ترتب على الأمر من انعدام الثقة القائمة بين سلطات فرض القانون والعديد من الأحياء التي تعمل داخلها'.

وفي وقت لاحق، أمر أوباما بتنكيس الأعلام فوق جميع مؤسسات البلاد الرسمية في الداخل والخارج خمسة أيّام؛ تكريمًا لمن أسماهم 'ضحايا عملية إطلاق النار في دالاس'.

أوباما أعلن حداده من وارسو (أ.ف.ب)

من جانبه، دعا حاكم ولاية تكساس، غريغ آبوت، الأميركيين إلى 'البقاء موحدين'، حيث قال عبر بيان له 'لقد تحدثت إلى مدير قسم السلامة العامة في ولاية تكساس، ستيف مكرو، وأوعزت له بأن يقدم كل ما تحتاجه مدينة دالاس من معونه في هذا الوقت'.

وفي تعبير واضح عن حالة الاستياء من معاملة الشرطة للمواطنين السود، كتب زعيم جماعة 'أمة الإسلام' للأميركيين السود، لويس فرخان، في تغريدة على حسابه عبر تويتر قائلا، إن (أفراد) الشرطة في مختلف أنحاء البلاد 'يستخدمون هوياتهم كتراخيص للقتل'.

وحذر في تغريدة أخرى من أن هذا الأمر 'سيدفع الأوضاع إلى مرحلة الانفجار'، في إشارة إلى ضيق الأميركيّين ذوي الأصول الأفريقية من المعاملة العنصرية تجاههم.

وقال لاعب كرة القدم الأميركية المعروف، مارك إنغرام الابن، وهو من ذوي البشرة السمراء، في تغريدة له على مقتل الشابين إن إطلاق الهاشتاغات (الوسوم) 'لم يعد أمرًا كافيًا'، في إشارة إلى أن عدم جدوى الحملات التي ينظمها أبناء جلدته على مواقع التواصل في كل مرة يتعرض فيها أحدهم إلى ممارسات عنصرية.

وتابع في تغريدة أخرى 'أن تطلق النار على شخص، مباشرة على صدره ومن مسافة قريبة؛ فهي جريمة مع سبق الإصرار والترصد'.

ساندرز: بات الأمر مألوفًا (أ.ب)
ساندرز: بات الأمر مألوفًا (أ.ب)

من جانبه، قال المرشح المحتمل عن الحزب الديمقراطية للانتخابات الرئاسية لعام 2016، وعضو مجلس الشيوخ الأميركي، بيرني ساندرز، إن 'العنف الذي قتل آلتون سترلنغ وفيلاندو كاستيل، بات حدوثه مألوفًا ضد الملونين (غير البيض)، وهذا أمر يجب إيقافه'.

وفي تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر، شدّد ساندرز على أن الأمر يستدعي من وزارة العدل الأميركية تحقيقًا فوريًا في القضيتين، مطالبًا بإصلاحات في سلطات فرض القانون.

أما زميلته المرشحة المحتملة الأعلى حظوظا، هيلاري كلينتون، فقالت في تغريدة لها 'عندما يعتقد العديد من الأميركيّين بأن بلادهم لا تراهم بأهمية آخرين بسبب لون بشرتهم، فإن هناك خطأ فادحًا (في البلاد)'.

ورغم التحذيرات السابقة من تأجج نيران العنصرية بسبب ممارسات عناصر الشرطة في البلاد تجاه المواطنين من أصحاب البشرة السمراء، إلا أن صحيفة 'نيويورك بوست' كانت الأجرأ في وصف ما تتعرض له البلاد؛ إذ استخدمت مصطلح 'حرب أهلية' على غلاف عددها الصادر اليوم، لوصف الصدامات التي تقع بين السود وقوات الشرطة في انحاء البلاد.

الوصف كان صادمًا وغير مسؤول من وجهة نظر كثيرين، لكنه يدق أجراس الخطر لممارسات عنصرية تكررت خلال السنوات القليلة الماضية، ويؤكد أن التعامل معها بات أمرًا ضروريًا.

التعليقات