هل ستقع مواجهة أميركية تركية بسبب الأكراد؟

​استبعدت تركيا أي حل وسط مع الولايات المتحدة بشأن اشتراك مسلحين أكراد في هجوم في سورية، مما يمثل عقبة أمام خطة واشنطن للاستعانة بأقوى حلفائها على الأرض في مواجهة حاسمة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

هل ستقع مواجهة أميركية تركية بسبب الأكراد؟

(رويترز)

استبعدت تركيا أي حل وسط مع الولايات المتحدة بشأن اشتراك مسلحين أكراد في هجوم في سورية، مما يمثل عقبة أمام خطة واشنطن للاستعانة بأقوى حلفائها على الأرض في مواجهة حاسمة مع تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش).

وجعل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من هزيمة 'داعش' أحد الأهداف الرئيسية لرئاسته، وتلقت إدارته الجديدة، يوم الإثنين، مسودة خطة من وزارة الدفاع الأميركية لتصعيد الحملة على التنظيم.

ومن المتوقع أن تكون معركة الرقة، التي يتوقع أن تبدأ في وقت ما العام الحالي، المعركة الأخيرة لسحق الخلافة التي أعلنها تنظيم 'داعش'، مع استمرار حملة عسكرية تشنها الحكومة العراقية بدعم أميركي للسيطرة على الموصل منذ تشرين الأول/ أكتوبر. وتعتبر الرقة معقل التنظيم المتشدد في سورية مثلما تمثل الموصل معقله في العراق.

لكن يبدو أن تشكيل قوة برية موحدة للسيطرة على الرقة تعتبر مهمة معقدة في سورية، حيث تدعم الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران ودول عربية قوات محلية مختلفة في الحرب الأهلية متعددة الأطراف. وتعارض كل القوى الأجنبية تنظيم 'داعش' لكن الجماعات التي تدعمها هذه القوى في سورية تتقاتل فيما بينها.

وتصر تركيا، صاحبة ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، على ضرورة أن تحول واشنطن دعمها في هجوم الرقة المرتقب من وحدات حماية الشعب الكردية السورية إلى مسلحين بالمعارضة السورية دربتهم أنقرة وقادتهم في معارك ضد 'داعش' على مدى العام الماضي.

وبالنسبة للإدارة الأميركية، التي تشعر بالقلق تجاه حجم وكفاءة تدريب القوات التي تدعمها تركيا، فإن القرار يضع رغبة ترامب في تحقيق انتصارات سريعة في ميدان المعركة في مواجهة الحاجة للحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع تركيا.

وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي حمل السلاح في جنوب شرق تركيا منذ عام 1984 وتعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.

وقال مسؤول أمني تركي بارز لرويترز، بعد إبلاغه بمضمون اجتماعات عقدت في الآونة الأخيرة بين مسؤولين أتراك وأميركيين مكلفين بوضع الاستراتيجيات، إن 'جنودنا لن يقاتلوا جنبا لجنب مع أشخاص يطلقون علينا النار وقتلوا جنودنا ويحاولون قتلنا... هذه الرسالة وصلت للأميركيين'.

وأعاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التأكيد على هذه النقطة يوم الثلاثاء قائلا إن تركيا 'لا يمكن أن تقبل' أي تحالف مع وحدات حماية الشعب الكردية. وقال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، لحزب العدالة والتنمية الحاكم إن 'العمل جنبا إلى جنب مع أي جماعة إرهابية' أمر غير وارد.

ورحب إردوغان، الذي شهدت علاقته بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما توترا متزايدا، بانتخاب ترامب باعتباره فرصة لبداية جديدة. لكن يبدو أن الدولتين الحليفتين في حلف شمال الأطلسي على طريق الصدام بشأن الاستراتيجية في سورية.

وقال قائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد 'داعش'في العراق وسورية، اللفتنانت جنرال ستيفن تاونسند، في إفادة صحافية للبنتاجون يوم الثلاثاء إن خطة واشنطن لا تزال تشمل دورا للأكراد.

وأضاف قائلا إنه 'سيكون هناك أكراد في هجوم الرقة بالتأكيد... العدد وحجمهم وكم وحدة من الأكراد ستشارك... لا أستطيع قول ذلك الآن'.

وأضاف أنه لم ير أدلة تربط حلفاء واشنطن الأكراد بهجمات وقعت في تركيا. ولم يذكر وحدات حماية الشعب على وجه التحديد التي تقاتل في إطار تحالف قوات سورية الديمقراطية الذي تدعمه الولايات المتحدة ويشمل أيضا قوات عربية.

ويقول مسؤولون أتراك إن الصلات بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني مؤكدة وليست محل جدل وإن تقدم وحدات حماية الشعب سيؤجج الشعور المناهض للأكراد في الأجزاء التي تقطنها أغلبية عربية في سورية مثل الرقة ويهدد وحدة الأراضي السورية.

عدة بدائل

دخلت تركيا سورية في آب/ أغسطس الماضي دعما لقوة من الجيش السوري الحر تتألف من ثلاثة آلاف مقاتل في عملية أطلقت عليها 'درع الفرات'.

وسيطرت على جرابلس على نهر الفرات وطردت مسلحي 'داعش' من شريط حدودي بطول 100 كيلومتر تقريبا ثم تقدمت جنوبا نحو الباب، وهي مدينة استراتيجية تم تأمينها الآن تقريبا بعد ثلاثة أشهر من القتال ضد 'داعش'.

وكان هدف تركيا أيضا منع وحدات حماية الشعب من عبور الفرات غربا وربط ثلاثة مناطق كردية تسيطر عليها في شمال سورية، ما يمنعها من إنشاء منطقة حكم ذاتي مماثلة لإقليم كردستان العراق. وتخشى تركيا أن يشجع ذلك الأقلية الكردية كبيرة العدد على أراضيها على محاولة اقتطاع جزء مماثل داخل تركيا.

وإحدى الخطط التي قدمتها أنقرة لواشنطن تتضمن الدفع بقوات قوامها نحو عشرة آلاف مقاتل من الجيش السوري الحر بقيادة تركية جنوبا نحو الرقة انطلاقا من مدينة تل أبيض الحدودية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب. وسيقلص ذلك من مكاسب وحدات حماية الشعب ويفصل منطقتين من مناطق السيطرة الكردية.

ولم توافق واشنطن على تلك الخطة حتى الآن.

وقال مسؤول تركي مطلع على المحادثات 'قلنا لهم هناك الكثير من البدائل فيما يخص الرقة ولم يعترضوا... وقالوا نتفهم حساسياتكم ولا نعترف بطموحات (وحدات حماية الشعب) للسيطرة على أراض'.

وأضاف المسؤول أن تركيا ومقاتلي المعارضة الذين تدعمهم 'جاهزون في أي وقت لبدء عملية الرقة بعد تطهير (مدينة) الباب'.

وقال مسؤول تركي كبير آخر يشعر بالغضب حيال استعداد الولايات المتحدة للعمل مع عدو لدولة حليفة لها في حلف شمال الأطلسي، إن البعض في واشنطن يقولون إنهم استثمروا الكثير بالفعل في وحدات حماية الشعب بما لا يسمح بالانسحاب الآن. لكنه قال إن التخطيط العسكري لا يزال جاريا وإن الجنرالات الأميركيين 'أخذوا كل رد الفعل (التركي) معهم إلى واشنطن'.

 سيطرة محلية

تقول تركيا إن لديها سبعة آلاف مقاتل آخرين من المعارضة السورية مستعدون للقتال مع القوة المؤلفة من ثلاثة آلاف مقاتل التي تحارب في عملية 'درع الفرات' وإنها ترحب بمشاركة المقاتلين العرب من تحالف قوات سورية الديمقراطية.

وقال المسؤول التركي الأول عن النقاشات مع نظرائهم الأميركيين 'قلنا لهم لدينا ما يكفي من القوات ... ما يكفي من الجيش السوري الحر. يمكن لجنرالاتكم أن يروهم بأعينهم... كل ما هو مطلوب عسكريا تم شرحه بشكل ملموس. وتم إبلاغهم بالأعداد والاستراتيجية والخريطة'.

وأحد الحلول الوسط المحتملة قد يكون مشاركة قوات تضم وحدات حماية الشعب في الهجوم على الرقة على أن تنسحب هذه القوات من المدينة سريعا لتتركها للسيطرة المحلية بما فيها قوات ذات أغلبية عربية تدعمها تركيا.

وقال تاونسند 'في الحقيقة لست متأكدا إن كان من المهم التركيز على تشكيل القوات التي تذهب لتحريرها... المهم في ذهني هو مكونات القوات التي ستبقى هناك وتحكم وتؤمن الرقة بعد تحريرها من الدولة الإسلامية'.

وانهار بسرعة اتفاق مماثل في منبج التي تقع على بعد 120 كيلومترا شمال غربي الرقة. فقد ساعدت وحدات حماية الشعب على انتزاع المدينة من يد 'داعش' في العام الماضي في حملة دعمتها الولايات المتحدة تحت راية قوات سورية الديمقراطية في إطار تفاهم مع تركيا بأنها سوف تنسحب بعدها.

وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب بقيت في المدينة، وقال متحدث باسم القوات المحلية في المدينة إن الجيش التركي ومقاتلي المعارضة الذين يدعمهم هاجموا قرى قريبة تسيطر عليها وحدات حماية الشعب أمس الأربعاء.

ويخشى مسؤولون أتراك من أن علاقاتهم التي تزداد دفئا مع روسيا، أحد الداعمين الأساسيين لرئيس النظام السوري بشار الأسد، يمكن أيضا أن تعقد من جهودهم لتعميق التحالفات مع الولايات المتحدة على أرض المعركة. وكانت عملية درع الفرات قد حظيت في مرحلة ما بدعم جوي روسي من أجل السيطرة على الباب.

وتوسطت تركيا وروسيا في إعلان وقف إطلاق نار هش ومحادثات عقدت في الآونة الأخيرة بين النظام السوري والمعارضة في كازاخستان، والتي استبعدت منها الولايات المتحدة.

لكن مسؤولا تركيا بارزا قال إن التعاون مع روسيا كان انعكاسا 'للحقائق على الأرض' أكثر منه خيارا استراتيجيا ويعود جزئيا للافتقار للدعم الأميركي للمعارضة السورية.

وقال المسؤول 'لو لم يتخل أوباما عن المعارضة السورية معنويا وسياسيا وعسكريا فربما لم يكن هناك وجود عسكري روسي'.

التعليقات