بين إيران وأميركا: معركة ابتزازٍ كلاميّة لا تؤدّي للحرب

ومع اقتراب موعد الرابع من آب الجاري، تصاعدت الحرب الكلامية، فبحلول هذا الموعد، تدخل العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، في محاولة لوصول عملية شراء النفط الإيراني إلى مستوى "صفر" برميل في 4 تشرين الثاني المقبل.

بين إيران وأميركا: معركة ابتزازٍ كلاميّة لا تؤدّي للحرب

توضيحية من الأرشيف

شهدت الفترة الأخيرة، تصدُّر الحرب الكلامية، واجهةَ مشهد التهديدات المتبادلة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واللواء قاسم سليماني قائد "فيلق القدس"، المسؤول عن عمليات الحرس الثوري خارج إيران، قبل أن تعقبها مرحلة تهدئة نسبية بين الجانبين.

وكان سليماني، قد طالب ترامب، في وقت سابق، وردا على تهديدات أطلقها ترامب عبر موقع "تويتر"، عدم مخاطبة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وإنما توجيه الكلام له شخصيا، معتبرا أن ترامب ليس ندا لروحاني، لأن سليماني يعتقد أن بإمكان ترامب بدء الحرب متى شاء، لكن من يحدد نهايتها ليس ترامب، وإنما إيران.

ومع اقتراب موعد الرابع من آب الجاري، تصاعدت الحرب الكلامية، فبحلول هذا الموعد، تدخل العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، في محاولة لوصول عملية شراء النفط الإيراني إلى مستوى "صفر" برميل في 4 تشرين الثاني المقبل.

وحذر ترامب إيران، في 22 تموز الماضي، من أن استمرار تهديداتها للولايات المتحدة الأميركية سيعرضها لعواقب "لم يواجهها إلا قلة عبر التاريخ". وهو تحذير جاء في سياق رده على تهديد روحاني بحرب ستكون أم المعارك بالنسبة إلى إيران، التي تمتلك "قوة للرد على أي تهديد"، وفق تقديره.

وهددت إيران أيضا، على لسان القيادي في الحرس الثوري اللواء أمين رضائي، أرواح "أكثر من 50 ألف عسكري أميريكي هم في مرمى نيران إيران".

تعتقد إيران أن السير على خطى كوريا الشمالية في إطلاق التهديدات وتحدي المجتمع الدولي والولايات المتحدة، سيرغم الأخيرة على التفاوض لإعادة صياغة الاتفاق النووي الموقع عام 2015. كما تعتقد أن واشنطن ستتراجع عن استراتيجيتها الجديدة المرتكزة على زيادة الضغوط على إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها مع تشديدها، ورفض التنازل عن وقف بيع النفط الإيراني تدريجيا.

وهددت طهران بمنع تصدير النفط من أي دولة إذا مُنعت من تصدير نفطها بموجب العقوبات الأمريكية، وذلك بإغلاق مضيق هرمز الذي يفصلها عن سلطنة عمان، ويمر عبره نحو 18 مليون برميل يوميا من نفط العراق والدول الخليجية.

لكن طهران لا تضع في خياراتها إغلاق المضيق عمليا إلا في حال دخولها حربا مفتوحة مع الولايات المتحدة، وتعتمد طهران بنسبة تتعدى 90 بالمائة على المضيق لتصدير إنتاجها النفطي.

في الوقت نفسه، تتخوف واشنطن من التصعيد مع طهران التي تهدد بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط، ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد ومتسارع في أسعار النفط. ومن شأن هذا الارتفاع أن يؤدي إلى أزمات معقدة في اقتصادات دول كثيرة، منها الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة لها.

دول الخليج

في إعلان أسباب انسحابه من الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران بشأن برنامجها النووي في 8 أيار الماضي، قال ترامب إنها تتمسك بتعزيز قدراتها الصاروخية لإنفاذ طموحاتها الإقليمية.

وترى واشنطن في هذه القدرات الإيرانية تهديدا بعيد المدى لأمنها القومي، وتهديدا مباشرا للدول الحليفة في مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

بدوره، حذر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 23 تموز الماضي، من أن إيران تسعى إلى "تصدير الثورة إلى البلاد المجاورة بالقوة"، وأن "النظام الحالي يمثل تهديدا للدول المجاورة".

وارتفع سقف التهديدات بين البلدين إلى احتمالات استخدام القوة العسكرية في مواجهات مفتوحة بينهما، لكن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، نفى يوم الجمعة الماضي صحة تقارير عن تحضيرات أميركية لشن ضربات على أهداف نووية إيرانية، مع سريان العقوبات المفروضة عليها.

النظام الإيراني

رسميا، لا تتبنى الإدارة الأميركية سياسة تغيير النظام في إيران أو السعي إلى إسقاطه، بحسب ماتيس، لكنها تعمل على تغيير سلوك إيران، ومن ضمنها تهديداتها في المنطقة.

ما قد يعزز هذا الطرح هو ما أبداه ترامب، الإثنين الماضي، من استعداده للقاء روحاني دون شروط مسبقة.

وهو ما رد عليه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، بأن طهران تنظر إلى هذه التصريحات بإيجابية، داعيا إلى إنشاء "خط ساخن" بين طهران وواشنطن.

لكن ثمة من يذهب أبعد من تصريحات وزير الدفاع الأميركي، مستدلا بتصريحات لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومسؤولين كبار، تفيد ضمنا بوجود رغبة حقيقية في إسقاط النظام الإيراني، مع خلافات في وجهات النظر حول الآليات.

إيران وحلفاؤها

الحديث الأمريكي عن ضرورة "ضبط إيران لسلوكها" في المنطقة لا يمكن أن يكون فاعلا في كبح جماح الأنشطة الإيرانية.

وأعلن سليماني أن منطقة البحر الأحمر لم تعد آمنة للقوات الأميركية، في الوقت الذي تستهدف فيه جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ذراع طهران المسلح في اليمن، ناقلتي نفط سعوديتين، وتهدد الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب.

بشكل مؤقت،وأوقفت السعودية في 25 تموز الجاري، جميع شحنات النفط عبر باب المندب، بعد تعرض ناقلتيها لهجوم من الحوثيين انطلاقا من مناطق سيطرتهم في مدينة الحديدة على الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر.

وجاء الهجوم بعد ثلاثة أسابيع من تهديدات روحاني بإغلاق مضيق هرمز، وبعد أيام من تبادل التهديدات مع ترامب.

وتتحسب الولايات المتحدة لمخاطر محتملة قد تنجم عن تصاعد حدة التصريحات بين المسؤولين في البلدين. في ما تمتلك إيران، أو القوى المسلحة الحليفة لها في المنطقة، قدرات مؤكدة تتيح لها مضايقة حركة الملاحة الدولية وتعريض أمنها للخطر.

كما يمكنها استهداف البنية التحتية للطاقة في الدول الخليجية، عبر استهداف منشآت التكرير ومنصات التحميل والحقول النفطية والغازية والمنشآت الإنتاجية، ما يؤثر سلبا على أسعار النفط في السوق العالمية.

لا حرب مفتوحة

تدرك القيادات في الجيش أو في الحرس الثوري الإيراني، أن أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة لن تكون حربا تقليدية ذات أهداف محدودة، إذ ستستخدم واشنطن قدراتها غير التقليدية في تدمير برنامجي إيران النووي والصاروخي بعيد المدى.

كما ستكون لهذه الحرب انعكاسات على الاقتصاد الإيراني المتداعي، وعلى وجود نظام الجمهورية الإسلامية بالكامل.

بالمقابل، تدرك مراكز صنع القرار الأميركي خطورة الدخول في مواجهات مع إيران، إذ يمكنها توظيف ما لديها من قوى محلية حليفة في العراق وسورية لتهديد القوات الأميركية والقوات الحليفة في البلدين.

ويمكنها أيضا تهديد أمن وسلامة القوات البحرية الأميركية المتمركزة قبالة سواحل البحرين، والبوارج الحربية المنتشرة في الخليج والبحر الأحمر. وهذه الأهداف في متناول القدرات الصاروخية الإيرانية أو القوات الحليفة لها، عبر الزوارق السريعة المحملة بمتفجرات، أو الألغام البحرية، أو الاستهداف المباشر بصواريخ قصيرة المدى.

إن بقاء مدينة الحديدة وأجزاء أخرى على الساحل الغربي لليمن تحت سيطرة جماعة الحوثي، سيمكّنها من ممارسة المزيد من الضغوط على حركة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب وفي البحر الأحمر، ضمن حروب الوكالة التي تشهدها المنطقة بين القوات الحليفة لإيران والدول الحليفة للولايات المتحدة. وستظل الخيارات الأميركية في منطقة الصراع اليمني محدودة في نطاق وقف الأنشطة الإيرانية في المنطقة.

وكذلك منع وصول إمدادات الأسلحة إلى حليفها المحلي في اليمن، الذي يخوض حربه ضد حلفاء الولايات المتحدة في المحور السعودي، دون أن يتطور الأمر بين واشنطن وطهران إلى حرب مفتوحة.

 

التعليقات