الناقلة الإيرانية تُظهر عمق أزمة بريطانية تجاه "بريكست"

يتجه جونسون نحو إسراع احتمالية إبرام اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا والولايات المتحدة. مما قد يهدد السياسة البريطانية، الحيادية نسبيا، تجاه إيران، فإذا ما قرر جونسون مهادنة الأوروبيين فإن ذلك سيُغضب الأميركيين...

الناقلة الإيرانية تُظهر عمق أزمة بريطانية تجاه

(أ ب)

لا تزال الناقلة البريطانية "أدريان دريا"، حتى اليوم الثلاثاء، في طريقها إلى اليونان، عبر البحر الأبيض المتوسط، بعد أن أطلقت سلطات جبل طارق، التابعة لبريطانية، سراح السفينة وطاقمها، مساء الأحد، مما يُشير إلى تخبط بريطانيا في التعامل مع الأزمة الأميركية الإيرانية المتصاعدة.

وقالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، إن إطلاق السفينة التي أُعيدت تسميتها بعدما أُطلق عليها في السابق اسم "غريس 1"، بعد شهر من احتجازها، وسط تهديدات أميركية باحتجازها قبل ساعات من إبحارها، يسلط الضوء على جهود بريطانيا المتزايدة لموازنة سياساتها تجاه إيران، في ظل أزمتها الداخلية المتمثلة في اقتراب موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

وأشارت المجلة إلى أن السلطات البريطانية، أفرجت عن السفينة رغم المعارضة الأميركية، بضغط من إيران التي احتجزت الشهر الماضي أيضا، الناقلة البريطانية "ستينا إمبرو"، في مضيق هرمز، وبعد تعهد الأخيرة بعدم إرسال ناقلتها إلى النظام السوري الذي يتعرض لعقوبات من الاتحاد الأوروبي.

وشددت المجلة على أن هذا الأمر كان بمثابة ارتياح لصناع القرار البريطانيين، الذين خشوا من استيلاء إيران على ناقلات جديدة في المضيق.

والآن، تواجه الناقلة مصاعب كبيرة في بيع حمولتها بسبب العقوبات الأميركية القاسية على إيران، وخصوصا بعد اتهامها بـ"تبييض الأموال" للحرس الثوري الإيراني، الذي أعتبرته رسميا، في نيسان/ أبريل الماضي، "منظمة إرهابية".

لكنها استطاعت على الأرجح الإفلات من قبضة الأميركيين، ومن المستبعد أن تُحتجز في عرض البحر، أو حتى في اليونان التي من المزمع أن تصل إلى شواطئها في 25 آب/ أغسطس الجاري، حيث لن يكون لليونان أي مصلحة في الدخول بصراع مع إيران.

ومع ذلك، فقد ركزت المجلة على أن بريطانيا تواجه موقفا صعبا في الصراع الدبلوماسي مع إيران، فمنذ انسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني، الذي أُبرم عام 2015، تعهدت إيران التي تواجه عقوبات في غاية القسوة من الولايات المتحدة، بإعادة تنشيط برنامجها النووي، والعمل على صناعة أسلحة نووية، في حال لم يتدخل الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى في الاتفاق، بالضغط على البيت الأبيض لتخفيف العقوبات الأميركية، لتنتهك بذلك شروط الاتفاقية.

وأوضحت المجلة أن بريطانيا، كحلفائها الأوروبيين، تريد من إيران الالتزام في بنود الاتفاقية، وبذلت جهودا مع دول أخرى في سبيل ذلك، كإنشاء آلية خاصة بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا، في كانون الثاني/ يناير الماضي، لتسهيل أنواع معينة من المعاملات بين أوروبا وإيران، خاصة في ما يتعلق بالإمدادات الإنسانية.

لكن خطوتها في احتجاز الناقلة الإيرانية، أججت التوتر مجددا، بعدما كان يُفترض أنها تسعى لتهدئة إيران، حيث أنه دُفعت لاحتجاز "أدريان دريا" التي تحمل على متنها نحو 2.5 مليون برميل من النفط، بإيعاز من المخابرات الأميركية.

ولفتت المجلة إلى أن تغييرا مهما طرأ على بريطانيا في منتصف هذه الأزمة، وهو استلام المحافظ بوريس جونسون منصب رئيس الوزراء في 24 تموز/ يوليو، والذي صعد المواجهة مع الاتحاد الأوروبي حول ملف "بريكست"، الأمر الذي دفعه أيضا إلى التقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليتفادى كارثة اقتصادية في حال الخروج من الاتحاد بدون اتفاق، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

ويتجه جونسون نحو إسراع احتمالية إبرام اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا والولايات المتحدة. مما قد يهدد السياسة البريطانية، الحيادية نسبيا، تجاه إيران، فإذا ما قرر جونسون مهادنة الأوروبيين فإن ذلك سيُغضب الأميركيين، وسيعرض الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة للخطر.

ومن الناحية الأخرى، فإذا ما قرر دعم ترامب في توجهه العدائي ضد إيران، فقد يخاطر بانهيار كامل للصفقة النووية، وبالتالي، إشعال صراع سياسي آخر مع أوروبا.

وقال السفير البريطاني السابق لدى إيران، ريتشارد دالتون: "لا يمكن لبريطانيا أن تؤكد أنها ستكون حليفا مخلصا للاتحاد الأوروبي بعد بريكست، فيما يتعلق بالملف الأمني، وأن تستغني في الوقت ذاته عن السياسة تجاه إيران المستمرة منذ 20 عامًا من خلال الانتقال إلى الجانب الأمريكي. إذا كان لبريطانيا أن يكون لها أي نفوذ في العالم، فعليها الحفاظ على علاقاتها مع فرنسا وألمانيا حتى تظل جسرًا بين الولايات المتحدة وأوروبا".

وخلصت المجلة إلى القول إن تعامل جونسون مع الناقلة الإيرانية، يشير إلى أنه لا ينوي تبني نهج ترامب تجاه إيران، في المرحلة الحالية على الأقل، لكن ذلك الاستمرار في توازن السياسة البريطانية تجاه إيران، قد لا يدوم.

التعليقات