الولايات المتحدة: تاريخ حافل بدعم انقلابات أدت إلى مقتل مئات الآلاف

يُسلط الدعم الأميركي للجيش البوليفي في انقلابه على الرئيس المدني المنتخب إيفو موراليس، الذي لجئ إلى المكسيك مؤخرا، على دور الولايات المتحدة الطويل، بإسقاط حكومات رافضة لتدخلها في البلاد

الولايات المتحدة: تاريخ حافل بدعم انقلابات أدت إلى مقتل مئات الآلاف

(أ ب)

يُسلط الدعم الأميركي للجيش البوليفي في انقلابه على الرئيس المدني المنتخب إيفو موراليس، الذي لجئ إلى المكسيك مؤخرا، على دور الولايات المتحدة الطويل، بإسقاط حكومات رافضة لتدخلها في البلاد.

وذهب موراليس إلى المكسيك، بعد يوم واحد فقط من تقديمه "الاستقالة" في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بعدما صرح قادة الجيش أنهم يعتزمون اعتقاله إثر تظاهر معارضيه في البلاد، في خطوة انقلابية واضحة.

ويعج تاريخ الولايات المتحدة بالإطاحة بحكومات منتخبة ديمقراطيًا، عبر تدخلها في دول عديدة، أما بشكل مباشر أو غير مباشر.

ومنذ عام 1898، تتدخل واشنطن في شؤون دول أميركا اللاتينية، إذ تعتبرها "حديقتها الخلفية"، كما تمتد يدها إلى آسيا وبلدان الشرق الأوسط.

وحصدت الانقلابات المدعومة أميركيًا أرواح مشرات الآلاف من الأبرياء؛ بسبب الفوضى التي تشهدها الدول التي تستهدفها واشنطن، بجانب ممارسات الحكام المستبدين والتنظيمات الإرهابية.

وتعليقًا على طلب الجيش البوليفي من الرئيس موراليس تقديم استقالته، اعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في بيان يوم 11 من الشهر الجاري، أن ما حدث "أمر مهم بالنسبة لنصف الكرة الغربية".

وتابع: "قضى موراليس في الحكم 14 عامًا سعى خلالها لتجاوز دستور البلد، وإرادة شعبه، ومن ثم فإن استقالته هي خطوة حافظت على الديمقراطية، وفتحت طريقًا جديدًا لإسماع أصوات شعبه للعالم أجمع".

وأشاد بـ"الجيش البوليفي"، ورأى أن ما حدث في بوليفيا يعتبر رسالة "للأنظمة غير الشرعية" في فنزويلا ونيكاراغوا.

ودعا ترامب إلى مزيد من التحرك لجعل نصف الكرة الغربية "أكثر ديمقراطية، وحرية، ورفاهية"، على حد قوله.

الأميركيتان الجنوبية والشمالية:

قبل بوليفيا، دبرت واشنطن ودعمت انقلابات في دول أخرى بقارتي أميركا الجنوبية (اللاتينية)  وأميركا الشمالية، منها: هندوراس ونيكاراغو؛ لتسهيل عمل شركات الفواكه الأميركية بدول المنطقة، وخاصة هندوراس.

ومن هنا شهدت السياسة العالمية مولد مصطلح جديد هو "جمهوريات الموز"، وهي الدول غير المستقرة، التي تشهد عادة انقلابات متكررة.

كوبا وبورتريكو

يعود أول تدخل لواشنطن في أميركا اللاتينية إلى 1898، حينما احتلت بورتوريكو  و كوبا، اللتين كانتا تحت الاستعمار الإسباني.

وانتهى الاحتلال الأميركي في 1902، لكن تأثيره استمر، وبعد أربع سنوات، أطاحت واشنطن بأول رئيس منتخب لكوبا، توماس أسترادا بلاما، وشكلت حكومة احتلال أدارت البلد حتى 1909.

وفي 1917 أعادت احتلال كوبا، ثم بدأت في 1923 الانسحاب منها على مراحل.

وبمرور الوقت، حصلت كوبا على استقلالها، بينما لا تزال بورتوريكو  مستعمرة أميركية.

كولومبيا

رغبت الولايات المتحدة بالسيطرة على مشروع قناة بنما، الذي تركه الفرنسيون خاملًا، وعندما رفضت كولومبيا، بدأت واشنطن بدعم القوات الانفصالية.

وكانت أول دولة تعترف ببنما، حينما انفصلت عن كولومبيا في 1903.

وفي 1914 تمكنت من إنهاء مشروع القناة.

واحتفظت واشنطن بنفوذ في بنما بفضل الحكومات التي شكلتها، لكن زاد العداء ضد الولايات المتحدة؛ بسبب القناة التي قسمت البلد إلى قسمين، ولم تحقق أية مكاسب لها.

بنما

توترت العلاقات بين واشنطن والعميل السابق للمخابرات المركزية الأميركية، الجنرال مانويل نورييغا، الذي ترأس قوات الدفاع الوطني في بنما، عام 1982، وبدأ يدير البلد فعليًا.

بعد إقالة الرئيس إريك أرتورا دلفال، المدعوم أميركيًا، عام 1988، شنت واشنطن حربًا مالية ودبلوماسية على بنما.

وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر 1989، احتلت بنما للإطاحة بنورييغا، في عملية شارك فيها ألفان و500  جندي، وانتهت باستسلام نورييغا، وخلفه في السلطة غييرمو اندارا غاليماني.

نيكاراغوا

احتلت واشنطن نيكاراغوا بين 1912 و1933، وكان هذا الاحتلال الدموي جزءًا من "حروب الموز"، التي خاضها الجيش الأميركي بين 1898 و1934، بهدف اكتساب وترسيخ النفوذ وحماية المصالح الأميركية.

كان غرض هذا الاحتلال هو منع الدول الأخرى من بناء قناة نيكاراغوا، لربط البحر الكاريبي بالمحيط الهادي.

وانخرطت واشنطن في حرب أهلية اندلعت في هذا البلد عام 1926 بين الحكومة المحافظة والقوات الليبرالية.

وإثر هزيمة قوات الحكومة، تدخلت واشنطن عسكريًا في العام التالي، وهزمت القوات الليبرالية، وأسست نظامًا حاكمًا مواليًا لها، ثم غادرت نيكاراجوا عام 1933.

في 1981، دعمت واشنطن قوات "الكونترا" اليمينية المتطرفة التي كانت تسعى للإطاحة بالحكومة اليسارية، في صراع أودى بحياة ما لا يقل عن ثلاثين ألف شخص.

المكسيك

خلال الثورة في المكسيك، أرسلت واشنطن قواتها لمحاربة الثوار، وبينهم فرانشيسكو فيّا وإيمليانو زاباتا، حيث كان الثوار يرغبون بالقضاء على حكم الأقلية الأولغارشية.

ودعم البيت الأبيض نظام الديكتاتور الجنرال بروفيريو دياز، الذي كان يسيطر على البلد لأكثر من ثلاثين عامًا.

وفي 1913، أيدت واشنطن الانقلاب الدموي على ماديرو؛ للحفاظ على نفوذها، وتم تعيين الجنرال فيكتوريانو هويرتا رئيسًا.

عندما تولى وودرو ويلسون الرئاسة الأميركية أوقف دعم واشنطن لهويرتا، وفرض حظرًا على تزويد المكسيك بالأسلحة.

وفي 21 نيسان/ أبريل 1914، احتلت واشنطن ميناء فيراكروز؛ لمنع وصول شحن أسلحة إلى هويرتا، ثم أسقطته  في العام نفسه، وخلفه فينوسيانو كارانزا.

هايتي

احتل الجيش الأميركي هايتي، عام 1915؛ للحفاظ على مصالح واشنطن الاقتصادية بها.

وخلال الاحتلال، لقي آلاف الأشخاص حتفهم، حيث دعمت واشنطن الديكتاتور جان فيلبرون غيوم، ونظام العبودية.

كما ساعدت شركات أميركا الشمالية في مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي.

وفي 1934 انسحبت واشنطن من هايتي، تاركة جيشًا مخلصًا لها.

وبعد ستين عامًا، أعادت احتلالها، بزعم "الحفاظ على الديمقراطية"، بعد الإطاحة بنظام جان برتران أريستيد، عبر انقلاب.

انتهى هذا التدخل بمغادرة الجنرال راؤول سيدراس، الذي كان يقف خلف الانقلاب، لهايتي، وظل فيها جنود أميركيون وآخرون من الأمم  المتحدة.

غواتيمالا

عبر عملية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، أطاحت واشنطن، عام 1954، برئيس غواتيمالا المنتخب ديمقراطيًا، خاكوبو آربنز.

ونصّبت هذه العملية الديكتاتورية العسكرية، بقيادة كارلوس كاستيو أرماس، وهو الأول في سلسلة حكام مستبدين مدعومين أميركيًا.

واستعادت واشنطن مصالحها العسكرية والاقتصادية في غواتيمالا، التي شهدت، بسبب هذا الانقلاب، حربًا أهلية دامت 36 عامًا، وأسقطت أكثر من 200 ألف قتيل.

جمهورية الدومينيكان

يعتبر رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا، ديكتاتور جمهورية الدومينيكان المدعوم أميركيًا، مسؤولًا عن مقتل بين عشرين ألف وثلاثين ألف شخص في بلده.

واستمر في الحكم من 1930 وحتى اغتياله عام 1961، ثم جرى انتخاب حكومة جديدة ديمقراطيًا بقيادة اليساري خوان بوش، عام 1962.

لكن تمت الإطاحة ببوش، في العام التالي، في ظل اتهامات أميركية له بالضعف في مواجهة الشيوعية.

وفي 1965، تدخلت واشنطن خلال تمرد، لإعادة بوش للحكم، عبر جنرالات موالين لها، لكنها فشلت، فاحتلت هذا البلد بما يزيد عن أربعين ألف جندي.

وأُجريت في العام التالي انتخابات فاز بها موالون لواشنطن.

لكن وثائق سرية، تم الكشف عنها عام 1980، أظهرت أن تلك الانتخابات كانت مزورة.

جزر غرينادا

في 1983، احتلت واشنطن جزر غرينادا؛ خشية امتداد نفوذ الاتحاد السوفيتي إليها.

ولم تكن واشنطن راضية عن استيلاء الاشتراكي موريس بيشوب، على السلطة في الجزيرة، عبر انقلاب غير دموي، عام 1979.

ونتيجة لذلك الاحتلال، قُتل بيشوف رميًا بالرصاص، وأصبحت الجزيرة تحت النفوذ الأميركي.

تشيلي

في 1973 انقلب الجيش والشرطة في تشيلي على الرئيس المنتخب، سلفادور أليندي، وخلفه الجنرال أوغستو بينوشيه.

تحت حكم بينوشيه، الذي دام 27 عامًا، اختفى ثلاثة آلاف و200 سياسي في ظروف غامضة، واعتُقل أكثر من ثلاثين ألفًا آخرين تعرضوا للتعذيب في السجون.

وكشفت المخابرات الأميركية، عام 2000، عن وثائق تظهر أنها هي التي هيأت، بالتعاون مع جيش تشيلي، انقلاب بينوشيه.

فنزويلا

رغم أن هذا البلد لم يعان من انقلابات، خلافًا لبقية دول أميركا اللاتينية، إلا أن التدخلات الأميركية أضرت به كثيرًا، وهو ما يتضح من موقف واشنطن من الأزمة السياسية الراهنة بين حكومة الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة.

في ظل هذه الأزمة، لوح ترامب، في شباط/ فبراير الماضي، بأن إرسال قوات أميركية إلى فنزويلا "يبقى خيارًا مطروحًا".        

ويذهب محللون سياسيون إلى أن واشنطن لعبت دورًا في محاولات انقلابية فاشلة شهدتها فنزويلا، خلال حكم رئيسها الراحل، هوغو تشافيز (1999: 2013).

من بين هذه المحاولات ما تم في 11 نيسان/ أبريل 2002، حين ألقى عسكريون القبض على تشافيز، واقتادوه إلى قاعدة عسكرية، لكنه عاد إلى قصر الرئاسة بعد 47 ساعة فقط.

وحاليًا، تدعم واشنطن بشكل مباشر محاولات إبعاد الرئيس مادورو عن الحكم، عبر دعمها للمعارضة.

وإضافة إلى تلك الانقلابات، دعمت واشنطن انقلابات أخرى عديدة خلال فترات زمنية مختلفة في دول بوليفيا، البرازيل، الأرجنتين، كوبا، الدومينيكان، السلفادور، غواتيمالا، غيانا، الهندوراس، المكسيك وبنما، وذلك عبر حركات متطرفة ومعادية للديمقراطية وديكتاتوريين دمويين.

الشرق الأوسط وآسيا:

لم تقتصر سياسة الانقلابات الأميركية على كل تلك الدول، إذ دبرت واشنطن ودعمت انقلابات وتدخلات عديدة في دول بآسيا والشرق الأوسط.

تحت عنوان "تدخلات الولايات المتحدة الأميركية"، قال البروفيسور الأميركي، المختص بشؤون أميركا اللاتينية، جون هـ. كوتسوورث، في مقال له، إن الجنود الأميركيين والجواسيس يلعبون دورًا في التدخلات الأميركية المباشرة.

أما التدخلات غير المباشرة فيكون الدور الرئيس فيها للجهات الفاعلة محليًا في الدول المستهدفة، وهؤلاء لا يمكنهم التصرف أو النجاح من دون دعم من الحكومات الأميركية، بحسب كوتسوورث.

تركيا

لا شك أن ردود الأفعال التي تبديها واشنطن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عقب الانقلابات، تعيد إلى الأذهان المحاولة الانقلابية الفاشلة لجماعة "غولن" في تركيا، 15 تموز/ يوليو  2016.

بعد ساعات من المحاولة الانقلابية، وفور تأكده من فشلها، اتصل وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، هاتفيًا بنظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، وأبلغه دعم واشنطن الكامل للمؤسسات الديمقراطية وللحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطيًا في تركيا.

لم تعلن واشنطن موقفًا من المحاولة الانقلابية إلا عندما تأكدت من فشل محاولة غولن، المقيم في الولايات المتحدة.

وعقب انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980 في تركيا، أبلغ مدير المخابرات المركزية الأميركية حينها، بول هينز، الرئيس الأميركي آنذاك، جيمي كارتر، بالانقلاب، قائلًا: "لقد نجح رجالنا"، في إشارة للانقلاب الذي أُعدم على إثره خمسين شخصًا، وفق تقارير إعلامية.

إيران

بعد الحرب العالمية الثانية (1939: 1945)، وخلال فترة الحرب الباردة (1947: 1991)، اتسعت دائرة الانقلابات الأميركية لتشمل مناطق أخرى من العالم.

أبرز مثال على ذلك هو الانقلاب الذي أطاح، في 1953، بمحمد مصدق، رئيس وزراء إيران المنتخب ديمقراطيًا.

دبرت لهذا الانقلاب المخابرات البريطانية والأميركية، وبعد إنكار دام سنوات، أقرت واشنطن بمسؤوليتها عنه.

وخلال ثورة 1979 في إيران، ندد المحتجون بتدخل الغرب في شؤونهم عبر ذلك الانقلاب، الذي يمثل السبب الرئيس للعداء للغرب في إيران.

مصر

في 2011، شهدت مصر ثورة  شعبية أجبرت الرئيس آنذاك، العسكري السابق، محمد حسني مبارك (1981: 2011)، على الاستقالة.

بعدها اختار المصريون محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقرطيًا في مصر، لكنه لم يمكث في منصبه سوى عام واحد فقط (2012: 2013).

أُطيح بمرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، عبر انقلاب عسكري، حين كان الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، وزيرًا للدفاع.

في البداية، التزمت واشنطن الصمت حيال الانقلاب، ثم زار وزير خارجيتها، جون كيري، القاهرة، وأدلى بتصريح صادم، قال فيه إن "الجيش المصري سيعيد تأسيس الديمقراطية".

وهو تصريح أظهر بوضوح ازدواجية المواقف الأميركية حيال الانقلابات، ومهد، وفق مراقبين، لتصدي قوات الأمن لموجات من الاحتجاجات؛ ما أسقط آلاف القتلى، فضلًا عن الزج بعشرات الآلاف من المعارضين في السجون.

وخلال إحدى جلسات محاكمته، في 17 حزيران/ تموز الماضي، تعرض مرسي (67 عامًا) لأزمة قلبية أودت بحياته، وسط اتهامات للسلطات بحرمانه من الرعاية الصحية، وهو ما تنفيه القاهرة.

فيتنام

كشفت وثائق لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن الولايات المتحدة نظمت انقلابًا داخل قيادة جنوب فيتنام، التي دعمتها واشنطن خلال حرب فيتنام (1955: 1975).

وأفادت الوثائق بأنه عندما أبلغت واشنطن الجيش الفيتنامي عدم رضاها عن رئيس جنوب فيتنام، نغو دينه ديم، نفذ الجيش انقلابًا في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، أطاح بالرئيس، وقتله هو وشقيقه.

وأودت حرب فيتنام، التي كانت واشنطن لاعبًا رئيسيًا فيها، بحياة ما لا يقل عن أربعة ملايين شخص، بحسب تقديرات عديدة.

التعليقات