تحليلات: اغتيال سليماني قد يعزز المحور الإيراني

يرى محللون أن اغتيال أميركا لقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، عزز المحور الإيراني، علمًا أن قصد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من وراء الاغتيال لربما ضرب عمود البيت الإيراني المناهض لبلاده

تحليلات: اغتيال سليماني قد يعزز المحور الإيراني

(أ ب)

يرى محللون أن اغتيال أميركا لقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، عزز المحور الإيراني، علمًا أن قصد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من وراء الاغتيال لربما ضرب عمود البيت الإيراني المناهض لبلاده، غير أن نتيجة عملية الاغتيال كانت معاكسة تماما، ليجد ترامب نفسه أمام محور إيراني يمتد إلى عدة جبهات أكثر تماسكا واتساعا، بحسب ما يرى محللون.

كانت الصدمة كبيرة ولكن وجيزة بالنسبة إلى الفصائل العراقية الموالية لإيران، بعدما أقدمت الولايات المتحدة على اغتيال سليماني ونائب رئيس "الحشد الشعبي" العراقي، أبو مهدي المهندس، على طريق مطار بغداد الدولي يوم الجمعة الماضي. وسرعان ما جمعت تلك الفصائل قواها، وخرجت بخطاب شديد مناهض للولايات المتحدة، أعاد التذكير بفترة الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003.

ويقول الباحث في العلاقات الدولية، كريم بيطار، إنه "سيكون هناك توحيد صفوف، وتعزيز للعصبية الطائفية، وسرعان ما ستكون لقرار دونالد ترامب نتائج عكسية". ويضيف أنه في إيران ولبنان والعراق "ستوضع كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جانبا، في مواجهة حالة أمنية طارئة".

وبالفعل، فقد تجلى ذلك في إعادة انتشار سياسي لقوى عراقية كانت خففت من خطابها المعادي لواشنطن، في أعقاب دحر تنظيم "داعش" والانتخابات التشريعية التي جرت في أيار/ مايو 2018.

واعتبر فصيل "كتائب حزب الله" المنضوي ضمن قوات "الحشد الشعبي" والموالي لإيران، أن عملية الاغتيال هي "بداية نهاية الوجود الأميركي في المنطقة"، فيما رفع الزعيم مقتدى الصدر سقف المواجهة، فدعا في تغريدة على تويتر "الفصائل العراقية المقاومة... إلى اجتماع فوري لإعلان تشكيل أفواج المقاومة الدولية". وأعاد الصدر إحياء "جيش المهدي" الذي كان له دور كبير في مقارعة الأميركيين عقب دخولهم إلى العراق.

حتى أن الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، الذي كان على خلاف مع الصدر، لكن تعتبره الولايات المتحدة "إرهابيا عالميا"، انضم إلى خط المواجهة ضد الأميركيين في خندق واحد مع غريمه قائلاً: "إذا لم تخرجوا أو ماطلتم في ذلك، فستجدون ردا عراقيا قويا سيزلزل الأرض من تحت أقدامكم/ وسيجعل السماء جحيماً فوق رؤوسكم".

وجاء كلام الخزعلي في أعقاب جلسة برلمانية طارئة، أمس الأحد، دعا فيها النواب الحكومة إلى "إنهاء تواجد أي قوات أجنبية" على أراضي العراق، عبر المباشرة بـ"إلغاء طلب المساعدة" المقدم إلى المجتمع الدولي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية.

وبعث المرجع الديني الأعلى في العراق/ آية الله علي السيستاني، برسالة تعزية إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، في خطوة غير مسبوقة بين مرجعيتي النجف وقم.

ويرى الخبير في الحركات الإسلامية، قاسم قصير، أن "نتائج الاغتيال أعادت توحيد قوى المقاومة وأعادت جعل الأولوية مواجهة الولايات المتحدة". ويضيف أن "الاغتيال كان خطأ استراتيجيًا، والرد سيكون في كل المنطقة ولن يكون محصورًا في العراق".

وبالفعل، أعاد اغتيال سليماني توحيد الخطاب "الممانع" من طهران إلى بيروت، مرورا بدمشق واليمن والأراضي الفلسطينية. فرغم العلاقة الوثيقة لإيران مع حركة "الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، كان بيان حركة "حماس" التي كانت على قطيعة طويلة مع طهران، الأبرز في موقف الفصائل الفلسطينية، مع وصفها الاغتيال بـ"العربدة الأميركية". وشارك رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، في عزاء سليماني بطهران. وفي اليمن، دعا الحوثيون إلى "رد سريع ومباشر" ضد القواعد الأميركية.

وهذا يفسر ما قاله الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، في كلمة له، مساء الأحد، بأن "قاسم سليماني ليس شأنا إيرانيا، بل يعني محور المقاومة ويعني الأمة". وأضاف أنه "إذا مرت قضية الاغتيال بشكل عابر، سنكون أمام بداية خطرة لكل حركات وقيادات ودول ومحور المقاومة".

ولم تتمكن واشنطن من كسب تعاطف الطبقة السياسية الأميركية المنقسمة حول نفوذ إيران المتزايد عبر قرع طبول الحرب ضد إيران، لا بل وحدت صفوف خصومها. لذا، يرى بيطار أن "السيف المسلط فوق رأس طهران ومخاطر التدخل الأجنبي تثير غضب الإيرانيين... سواء من مؤيدي أو معارضي النظام، وحتى في العراق".

ويضيف أن "هذا الاغتيال سينتهي بتقوية النظام الإيراني، الذي سيستفيد من ظاهرة التجمع حول رايته، وسيتمكن من اللعب على وتر القومية التي كانت موجودة قبل ثورة العام 1979".

التأثيرات الداخلية

يشكّل مقتل سليماني فرصة للجمهورية الإسلامية والمحافظين في البلاد للاستفادة من المشهد على الصعيد الداخلي، وذلك بعد شهرين من تظاهرات قمعتها السلطات بعنف تخللتها انتقادات للسياسة الخارجية. 

وبالنسبة للدبلوماسي السابق والمحلل الأميركي، آرون ميلر، "فإن قتل سليماني الذي يساوي أميركيًا رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ومدير قيادة العمليات الخاصة مجتمعين، يعني أن الولايات المتحدة قضت على ثاني أقوى شخصية في إيران".

ويتيح مقتل سليماني الذي وصفه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله، علي خامنئي، بـ"الشهيد الحي"، لطهران أن تستثمر اسمه. لكن السفير الفرنسي السابق في طهران، فرنسوا نيكولو، يرى أن "هناك فرصة" حاليا أمام السلطات في إيران "لتحويل الضربات الأميركية عن مسارها، ليس لوقت طويل، لكن مشاعر التأثر الشعبي ستبقى"، مضيفاً أن سليماني "كان يمثل الصورة الجميلة للجندي في الخيال الإيراني".

وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أكد استطلاع للمعهد الأميركي للدراسات الدولية والأمنية في ميريلاند، أن سليماني كان بالفعل من أكثر الشخصيات السياسية المحبوبة في إيران، إذ حصل على تأييد ثمانية أشخاص من كل عشرة إيرانيين شملهم الاستطلاع. وقد يدفع مقتل سليماني طهران أيضاً إلى التقوقع على ذاتها في وضع دفاعي.

ورأى مسؤول الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، علي فايز، في تغريدة على "تويتر" أنه "من شبه المضمون أن يصبح البرلمان الإيراني بيد العناصر الأكثر تشدداً في إيران" بعد الانتخابات التشريعية في شباط/ فبراير، وكل ذلك على خلفية توتر شعبي شديد.

وشملت تظاهرات اندلعت في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر في البلاد، بعد الإعلان عن زيادة كبيرة في أسعار البنزين في ظل أزمة اقتصادية خانقة، مئات المدن الإيرانية. وبعد أيام، أعلنت السلطات نجاحها في إعادة الهدوء إلى البلاد، لكن دون أن تورد حصيلة لأعداد الضحايا، بينما أشارت منظمة العفو الدولية إلى مقتل 300 شخص. وتم توقيف الآلاف.

تحت ضغط العقوبات الإيرانية، تدهورت قيمة العملة المحلية الريال، كما ارتفع التضخم. وبحسب التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في إيران عام 2019 بنسبة 9,5%. وقدّم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في كانون الأول/ ديسمبر "ميزانية التصدي" للعقوبات الأميركية.

وتعتبر المحللة أريان طبطبائي من معهد "راند" الأميركي للأبحاث في حديث لفرانس برس، أن "الشكاوى الشعبية التي قادت إلى التظاهرات لا زالت قائمة. ويمكن للنظام أن يستغل (موت سليماني) ليواصل قمع المعارضة"، بحجة أن المعارضين ينفذون الأجندة الأميركية.

وترى المحللة أنه رغم كل شيء كانت لسليماني صورتان متناقضتان: صورة البطل المدافع عن البلاد "السائدة في أوساط الشباب المؤيد للنظام"، وصورة أحد كوادر "المنظمة المسؤولة عن القمع وارتكاب انتهاكات" في نظر آخرين.

خلال تظاهرات عام 2017 و2018، وكذلك تظاهرات كانون الأول/ ديسمبر، ندد البعض بالثمن الداخلي الذي يدفع في إيران مقابل الطموحات الإقليمية للنظام التي جسدها سليماني أكثر من غيره. ويلفت آرون ميلر إلى أن "ملايين الإيرانيين يريدون المزيد من الروابط مع العالم الخارجي، المزيد من الازدهار الاقتصادي، المزيد من الحرية".

لكن المتشددين في النظام الإيراني اختاروا حتى الآن عدم الإصغاء لتلك التطلعات. إلا أن اغتيال سليماني يضعف هذا الخط سياسيا على الأقل لجهة أن طهران لم تتوقع حدوث ما حدث.

قبل يومين من اغتيال سليماني، هاجم متظاهرون عراقيون مؤيدون لإيران سفارة الولايات المتحدة في بغداد، منددين بضربات جوية أميركية ضد كتائب حزب الله العراقي، وهو فصيل في الحشد الشعبي موال لإيران، أسفرت عن مقتل 25 شخصا.

وكتب حينها المرشد الأعلى، علي خامنئي، على "تويتر" أنه "لا يمكنكم أن تفعلوا شيئاً"، في إشارة إلى عجز الأميركيين إزاء إيران. ويعتبر فرنسوا نيكولو أن هذا الكلام يعكس "سوء تقدير" من جانب الإيرانيين، لأن "الولايات المتحدة وجدت طريقة للرد".

ويحذر الخبراء من أن تكرّر السلطات الإيرانية الهفوة نفسها. ويرى المحلل أليكس فانتا من "معهد الشرق الأوسط في واشنطن"، أنه "إذا كان على إيران الاختيار بين إنقاذ النظام في طهران وتوسيع نفوذها في المنطقة"، فهي ستختار الأول. ويضيف أن موت سليماني "لا يدمر قدرة إيران على التوسع. لكن على النظام الإيراني، خلال دراسته كيفية الرد على واشنطن، أن يقدّر العواقب كافة".

اقرأ/ي أيضًا | التوتر الأميركي الإيراني: قلق دولي والحلف الأطلسي يعقد اجتماعا استثنائيا

التعليقات