المافيا الإيطالية تحاول ملء فراغ الحكومة

عائلات المافيا تستفيد بالفعل من جائحة الفيروس، وخاصة في جنوب إيطاليا، إذ أنها توفر ضروريات الحياة اليومية للناس في الأحياء الفقيرة، وتقدم الائتمان للأعمال التجارية التي باتت على حافة الإفلاس، وتخطط لامتصاص حصة من مليارات اليوروهات من المعونة

المافيا الإيطالية تحاول ملء فراغ الحكومة

من مدينة نابولي (أرشيفية - Pixabay)

تتزايد التقارير الصحافية والبحثية مؤخرا التي تتناول استغلال عصابات الجريمة انتشار جائحة كوفيد-19 في العالم، لبسط نفوذها بشكل أكبر، وأهمها المافيا الإيطالية.

وأعدت شبكة "سي إن إن" الأميركية تقريرا بهذا الصدد على موقعها الإلكتروني، أشارت فيه أولا إلى جنازة شهدتها مدينة ميسينا في صقلية التي تحظى بها المافيا بنفوذ كبير، والتي سار في موكبها العشرات من الأشخاص لتشييع شخص من إحدى أشهر عصابات البلاد، في تحد صارخ للحظر الذي تفرضه الحكومة المركزية للحد من انتشار فيروس كورونا الذي قتل أكثر من 23 ألف إيطالي منذ تفشيه في البلاد.

ووصف رئيس اللجنة الإقليمية المناهضة للمافيا، كلاوديو فافا، ذلك الحدث بأنه "فضيحة حقيقية وإهانة لأولئك الذين فقدوا أقاربهم في هذا الوباء"، إذ أن الجنازات محظورة قانونيا منذ آذار/ مارس الماضي في إيطاليا، كجزء من قيود مُشددة لمكافحة الفيروس الذي يفتك بالبلاد.

ولفتت الشبكة إلى أن سير الموكب وسط الشارع دون مراعاة للقوانين الجديدة في البلاد، ما هو إلا إشارة على مدى نفوذ وقوّة المافيا في بعض أجزاء إيطاليا.

(أ ب)

وقال مسؤولون وباحثون كبار في مكافحة المافيا لـ"سي إن إن" إن عائلات المافيا تستفيد بالفعل من جائحة الفيروس، وخاصة في جنوب إيطاليا، إذ أنها توفر ضروريات الحياة اليومية للناس في الأحياء الفقيرة، وتقدم الائتمان للأعمال التجارية التي باتت على حافة الإفلاس، وتخطط لامتصاص حصة من مليارات اليوروهات التي توضع في صناديق تحفيز السوق.

وتعتقد السلطات أن أقوى فرع للمافيا المُلقب بـ"ندرانجيتا" ويتخذ من كالابريا مقرا له، يسيطر على 80 بالمئة من سوق الكوكايين الأوروبي. ورغم صعوبة توزيع المخدرات بعد الوباء، إلا أن العصابة استفادت من الإغلاق، إذ يقول الصحافي المناوئ للمافيا، روبرتو سافيانو، إن المهربين "استغلوا غياب رقابة القانون في الموانئ والمطارات" لنقل بضاعتهم.

استغلال الحاجة الماسة للسيولة

أشارت الشبكة إلى أن أعمال المافيا تتجذر عميقا في الاقتصاد الإيطالي، إذ لا تقتصر أرباحها على المتاجرة بالمخدرات فقط، إذ أنها تستثمر أيضا في مجالات مثل تصنيع الغذاء، والزراعة، واستيراد الأدوية والمعدات الطبية، والنقل، وباتت تستفيد من جميع هذه القطاعات الحيوية وسط الأزمة.

وأضاف سافيانو أن الجريمة المنظمة استثمرت أيضا على مدار العقد الأخير في "دور الجنازات ومغاسل المستشفيات، وشركات النقل الناجحة، ومحطات الوقود".

توضيحية (أ ب)

وقال رئيس الشرطة الإيطالية فرانكو غابرييلي، إن المافيا تستغل اليوم حاجة الأعمال التجارية للسيولة، لتسيطر على كيانات لم تخضع لها في الماضي.

أما أستاذة علم الجريمة في جامعة إسكس، آنا سيرغي، فقد أشارت إلى أن المافيا أظهرت في أزمات سابقة عصفت بالبلاد، أنها قادرة على سحب أموالها من البنوك بسرعة، وإقراض الشركات المتعثرة ومن ثم السيطرة عليها تدريجيا، خصوصا أنها تقدم في البداية شروطا مخففة.

وبالفعل، حذرت عدّة جهات من تكرار الماضي، إذ أن الأزمة الاقتصادية عام 2008، حولت المنظمات الإجرامية الإيطالية، بالنسبة للبعض، لـ"أكبر بنك في إيطاليا"، إذ قُدّر عام 2012، أن المافيا امتلكت في ذلك الحي 65 مليار يورو في السيولة. بينما كانت العديد من البنوك الإيطالية تكافح من أجل البقاء، مقترضة أموالا طائلة من البنك المركزي الأوروبي.

(أ ب)

ويتوقع سافيانو أن المافيا ستستغل أزمة السيولة لمساعدة الشركات ظاهريا ومن ثم السيطرة عليها مستقبلا.

دولة مشلولة

قال المحقق في قضايا المافيا، والمدعي العام في مدينة كاتانزارو، نيكولا غراتيري، إنه "إذا لم نظهر نجاعتنا (كدولة)، فإنه من المحتمل أن تقدم المافيا نفسها كنموذج ناجح، بل وربما تطلب رد الجميل في الانتخابات".

وقالت الباحثة في الجريمة المنظمة في جامعة أكسفورد، زورا هاوزر، إن "ما نشهده الآن، وما سنراه أكثر فأكثر مع ظهور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، هو عودة مجموعات المافيا إلى أعمالها الأساسية كالحماية والحوكمة".

(أ ب)

وأشار البعض إلى أن المافيا تعزز قوتها في أجزاء كثيرة من إيطاليا عبر تقديم المعونات لعائلات المسجونين، والأسر الفقيرة، مقدمة نفسها بديلا للدولة، إذ أنها تريد أن تستمد شرعيتها من حب الناس وحاجتهم.

وحاولت الحكومة مكافحة "عطاءات" المافيا عبر إنشاء صندوق لقسائم الطعام تبلغ قيمته 400 مليون يورو، وتخصيص 4.3 مليار يورو للبلديات المحلية، بينما تضخ 750 مليار يورو لإنعاش الاقتصاد في ظل الأزمة.

(أ ب)

ووجهت الحكومة جزءا كبيرا من حزمة المساعدات، لضمان إقراض المشاريع التجارية، وخصوصا الشركات الكبرى منها، منعا من انهيارها، لكن البعض يخشون أن بعض هذه الأموال ستصل لشركات المافيا.

التعليقات