مؤرخ مصري: التنازل عن الحقوق للحكومات يصعّب استردادها إثر الوباء

يخشى أستاذ التاريخ في جامعة كمبريدج المتخصص في تاريخ الأوبئة، خالد فهمي، أن "تستغل الحكومات وباء كوفيد-19 لتعزيز رقابتها الأمنية على المواطنين".

مؤرخ مصري: التنازل عن الحقوق للحكومات يصعّب استردادها  إثر الوباء

قوات الأمن خلال حظر التجوال في القاهرة (أ ب)

يخشى أستاذ التاريخ في جامعة كمبريدج المتخصص في تاريخ الأوبئة، خالد فهمي، أن "تستغل الحكومات وباء كوفيد 19 لتعزيز رقابتها الأمنية على المواطنين".

واستخدمت الدول في إطار إجراءات الوقاية من جائحة كورونا، تطبيقات هاتفية والتكنولوجيا المتقدمة لمراقبة انتشار الفيروس، وبينها مثلًا الطائرات المسيّرة والقوى الأمنية لفرض حظر التجوّل وتدابير الإغلاق.

(موقع خالد فهمي الرسمي)

وقال أستاذ التاريخ (الذي نشأ في مصر)، فهمي إن "الطريقة التي ستتمكن بها الحكومات من مراقبة أفعال وتحركات كل شخص تدعو للقلق".

وأضاف أن "الخوف يرجع الى أنه بمجرد التنازل عن هذه الحقوق الشخصية للحكومات، يصعب استردادها بعد انتهاء الأزمة"، مشيرًا بهذا الصدد إلى التجربة المصرية التي يتابعها عن كثب.

وعاش فهمي اللحظات التاريخية لثورة كانون الثاني/ يناير في عام 2011، في مصر التي كان قد عاد إليها قبل أشهر من بدء الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس الراحل حسني مبارك، وكتب كثيرًا من جهة أخرى عن الأوبئة في الشرق الأوسط. وهو يعيش في الخارج مجددًا منذ تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014.

وصادق السيسي الشهر الجاري على مجموعة من التعديلات لقانون الطوارئ، واعتبر المدافعون عن حقوق الانسان أنها تعزز من "السلطات القمعية" للحكم باسم مكافحة فيروس كورونا المستجد.

وتسمح هذه التعديلات للرئيس بإغلاق المدارس ومنع التجمعات العامة أو الخاصة ووضع المسافرين القادمين إلى مصر في العزل.

المرحوم محمد مرسي وقائد الجيش عبد الفتّاح السيسي (أ ب)

وعقّب فهمي "إذا قارننا ما يحدث في مصر الآن بما حدث إبان انتشار وباء الكوليرا في العام 1947، سنجد أن الفارق الكبير هو وسائل الإعلام والانفتاح الذي كانت تعتمده مصر في ذلك الوقت، في حين أنها اليوم مغلقة في ما يتعلق بتغطية الوباء".

ويذكر أن "العزل بدأ يفرض في مصر بشكل صارم جدًا" بعد وباء الكوليرا عام 1931 الذي ظهر آنذاك في الصين قبل أن ينتقل الى الشرق الأوسط.

ومنذ بدء ظهور الفيروس في البلاد في آذار/ مارس الماضي، أوقفت السلطات صحافيين ومدوّنين بتهمة نشر أخبار كاذبة حول الوباء.

ولفت فهمي الذي له آراء ناقدة لسياسات الحكومة المصرية، إلى أن "ما نواجهه اليوم أخطر بكثير. لأننا إزاء نوع جديد من المراقبة واقتحام للخصوصية باسم السيطرة على الوباء".

وأشار خصوصًا الى المصير المقلق للسجناء السياسيين في البلاد، قرابة 60 ألفا وفقًا لمنظمات حقوقية، الذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب ظروف احتجازهم في سجون مكتظة في ظل انتشار الوباء. وقال فهمي بأسف "إنهم مسجونون ظلمًا، والآن هم في خطر داخل أماكن احتجازهم".

وأدرج فهمي وباء كوفيد-19 في سياق تاريخ طويل من الأوبئة التي اجتاحت مصر. وفي هذا الصدد عرض فهمي، في كتابه "كل رجال الباشا" الطريقة التي أصبح بها الوالي العثماني محمد علي حاكمًا لمصر من خلال بناء جيش قوي منخرط في كل أوجه الحياة العامة، بما في ذلك الصحة.

وذكرَ المؤرخ فهمي كيف احتفظ الجيش المصري في زمننا المعاصر بدور من الدرجة الأولى في إدارة شؤون البلاد، وعزز ذلك بأحداث اليوم؛ سياسات قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي، وتثبيت دور الجيش في الحياة العامة في مصر، فقد انتشرت وحدات من الجيش في الشوارع والمنشآت العامة لتعقيمها، كما قام الجيش بتوزيع كمامات وبيعها للمصريين بأسعار مخفضة.

إحدى الحارات المصرية (أ ب)

وتتزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد في مصر حيث يتم تسجيل مئات الحالات الجديدة يوميًا، وسجل البلد العربي الأكبر ديموغرافيا أكثر من 17 ألف حالة حتى اليوم وأكثر من 700 وفاة.

وبحسب المؤرخ، فإن الوباء الذي نواجهه "وباء فيروسي. وفي هذه الحالات، يتم عزل المرضى سواء في أماكن مخصصة لهم أو في مستشفيات تقام لهذا الغرض".

وأشار إلى أن "كل هذا يضع ضغوطًا هائلة على النظام الصحي العام القائم"، ولفت خبراء إلى أن النظام الصحي المصري يقترب من استنفاد قدراته على استيعاب مزيد من المرضى.

على الصعيد الشخصي، يعيش خالد فهمي الإغلاق بسبب كورونا وكأنه منفى مزدوج. وقال "إنني مصري ولكنني لا أستطيع أن أعود الى بلدي لأسباب عدة، وكوني أعيش في ظل الإغلاق فهذا يمثل مستوى آخر" من المنفى.

التعليقات