تحقيق: شركة بيانات أميركيّة ضللت الصحة العالمية بشأن كورونا

قامت منظمة الصحة العالمية وعدد من الحكومات، بتغيير سياساتها وطرقها للحدّ من جائحة كورونا، كوفيد-19، على أساس بيانات خاطئة وغير دقيقة، نشرتها شركة تحليلات للرعاية الصحية الأميركية، مما يثير أيضًا تساؤلًا حول نزاهة الدراسات الرئيسية المنشورة في أرقى المجلّات الطبية.

تحقيق: شركة بيانات أميركيّة ضللت الصحة العالمية بشأن كورونا

فحص كورونا (أ ب)

قامت منظمة الصحة العالمية وعدد من الحكومات، بتغيير سياساتها وإستراتيجية الحدّ من جائحة كورونا، على أساس بيانات خاطئة وغير دقيقة، نشرتها شركة تحليلات للرعاية الصحية الأميركية، مما يثير تساؤلًا حول نزاهة الدراسات الرئيسية المنشورة في أرقى المجلّات الطبية.

وأعدت صحيفة "ذي غارديان" تحقيقًا حول الشركة "سورجيسفير" التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، إثر تقديمها بيانات لدراسات متعددة حول الجائحة. بالمقابل، لديها فشل حتى الآن في شرح بياناته أو منهجيّته بشكل كافٍ.

المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، يتحدث خلال مؤتمر صحافي في آذار/ مارس الماضي (أ ب)

وشكلت البيانات التي تدعي أنها حصلت عليها بشكل سليم من أكثر من ألف مستشفى في جميع أنحاء العالم؛ أساسًا لمقالات العلمية التي أدت إلى تغييرات في سياسات علاج فيروس كورونا، في دول أميركا اللاتينية. وأعلنت أمس الأربعاء، منظمة الصحة العالمية أن التجارب على عقار هيدروكسي كلوروكوين ستستأنف الآن بعد إيقافها بسببِ البيانات غير الدقيقة.

في هذا الصدد، نشرت اثنتان من المجلات الطبية الرائدة في العالم؛ مجلة "لانسيت" ومجلة "نيو إنجلاند"، دراسات تستند إلى بيانات "سورجيسفير"، وشارك في تأليف هذهِ الدراسات الرئيس التنفيذي للشركة، سابان ديساي.

وأثارت مجلة "لانسيت" قلقها حيال الدراسة التي نشرتها، بعدما تحدّثت معها صحيفة "ذي غارديان" يوم الثلاثاء، كما وأصدرت مجلة "نيو إنجلاند" موقفًا مشابهًا. وأُجريت مراجعات مستقلة لمصدر البيانات وصلاحيتها بتكليف من المؤلفين غير المنتمين إلى شركة "سورجيسفير".

وأشارت صحيفة "ذي غارديان" إلى عدّة نقاط توصلت إليها في تحقيقها حول شركة "سورجيسفير":

أولًا، يشير التحقيق إلى أن موظفي "سورجيسفير" ليس لديهم خلفية علمية إلا قليلًا منهم. ويبدو أن أحد الموظفين الذي يعمل كـ"محرر علوم" هو أديب للخيال العلمي. وموظف آخر مدرج كمدير تنفيذي للتسويق وهو بالأصل عارض أزياء ومضيف للمناسبات.

ثانيًا، تضم صفحة "لينكد إن" على الشركة أقل من 100 متابع، وأدرجت الأسبوع الماضي ستة موظفين فقط. تم تغيير هذا إلى ثلاثة موظفين اعتبارًا من يوم الأربعاء.

ثالثًا، في حين تدعي "سورجيسفير" أنها تدير واحدة من أكبر وأسرع قواعد بيانات المستشفيات في العالم، إلا أنه لا يوجد لها وجود تقريبًا على الإنترنت.

رابعًا، أدرج اسم ديساي في ثلاث دعاوي في "سوء تصرف طبي"، ولا علاقة للدعاوي بقاعدة بيانات "سورجيسفير". وفي مقابلة سابقة مع ديساي، ذكر أن هذهِ المزاعم "لا أساس لها من الصحة".

خامسًا، في عام 2008، أطلق ديساي حملة تمويل جماعي على موقع "إنديغوغو" للترويج لأجهزة "تطوير الإنسان وتساعد بتحقيق ما لم يكن باستطاعة الإنسان في السابق تحقيق"، ولم يأت الجهاز قط بثماره.

شكوك حول دراسة مجلة "لانسيت"

نشرت مجلة "لانسيت" في 22 أيار/ مايو دراسة مراجعة من قبل النظراء وجدت أن عقار مضاد للملاريا هيدروكسي كلوروكين، والذي تم الترويج له من قبل دونالد ترامب، ارتبط بارتفاع معدل الوفيات في مرضى كوفيد-19 وزيادة مشاكل القلب.

وأثار وصف ترامب العلنيّ، استياء المجتمع العلمي، لهيدروكسي كلوروكين بأنه "عقار رائع" على الرغم من عدم وجود دليل على فعاليته في علاج الفيروس. وادعت دراسة "لانسيت"، التي أدرجت ديساي كواحد من المؤلفين المشاركين، أنها حللت بيانات "سورجيسفير" التي تم جمعها من حوالي 96 ألف مريض مصاب بالفيروس، تم قبولها في أكثر من 600 مستشفى من قاعدة بياناتهم التي تضم أكثر من ألف مستشفى حول العالم، والذين تلقوا هيدروكسي كلوروكوين، بمفرده أو بالاشتراك مع المضادات الحيوية.

لكن بعد أيام فقط كشفت صحيفة "ذي غارديان أستراليا" عن أخطاء صارخة في البيانات الأسترالية المدرجة في الدراسة. وقالت الدراسة إن الباحثين تمكنوا من الوصول إلى البيانات من خلال "سورجيسفير"من خمسة مستشفيات.

لكن البيانات من جامعة جونز هوبكنز تُظهر أنه تم تسجيل 67 حالة وفاة فقط من الفيروس في أستراليا بحلول 21 نيسان/ أبريل. ولم يرتفع الرقم إلى 73، حتى 23 نيسان/ أبريل الماضي. وعقّب ديساي أن أحد المستشفيات الآسيوية تم إدراجه بطريق الخطأ في البيانات الأسترالية، مما أدى إلى المبالغة في تقدير الحالات هناك.

سابان ديساي (صفحة خاصّة على ريسرتش جايت)

وأظهرت دراسة أخرى باستخدام قاعدة بيانات "سورجيسفير"، التي شارك في تأليفها ديساي مرة أخرى، أن عقار مضاد الطفيلي "الإيفرمكتين" خفض معدلات الوفيات في مرضى كورونا المصابين بأمراض شديدة، وقد تتضح أخطاء في هذهِ الدراسة أيضًا، التي اعتمدتها حكومات في أميركا اللاتينيّة.

كما نشرت مجلة "نيو إنجلاند" دراسة ديساي، التي تمت مراجعتها أكاديميًا استنادًا إلى بيانات "سورجيسفير"، والتي تضمنت بيانات من مرضى الفيروس، من 169 مستشفى في 11 دولة في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. ووجدت أن أدوية القلب الشائعة المعروفة، لم ترتبط بخطر أعلى للإصابة في مرضى الفيروس.

وقال رئيس تحرير مجلة "لانسيت" ريتشارد هورتون إنه "نظرًا للأسئلة التي أثيرت حول موثوقية البيانات التي جمعتها 'سورجيسفير'، فقد أصدرنا اليوم تعبيرًا عن القلق، في انتظار مزيد من التحقيق".

شركة "سورجيسفير"... هل خرجت من العدم؟

أحد الأسئلة الأكثر إرباكًا للمجتمع العلمي هو كيف أصبحت شركة "سورجيسفير"، التي أسسها ديساي في عام 2008 كشركة تعليم طبي نشرت كتبًا مدرسية، وأصبحت تملك قاعدة بيانات دولية قوية؛ قاعدة البيانات هذه، على الرغم من أن "سورجيسفير" تم الإعلان عنها مؤخرًا فقط، تفتخر بالوصول إلى البيانات من 96 ألف مريض في أكثر من ألف مستشفى حول العالم.

وذكر الدكتور الذي يدير موقع "ميديسن أن سينسورد"، جيمس تودارو، وهو موقع ينشر نتائج دراسات هيدروكسي كلوروكوين أنه "لقد خرجت 'سورجيسفير' من العدم لإجراء ربما أكثر الدراسات العالمية تأثيرًا في هذا الوباء في غضون بضعة أسابيع".

وعقّب ديساي أن "شركة 'سورجيسفير' تعمل منذ عام 2008، وبدأت خدمات تحليلات بيانات الرعاية الصحية في الوقت ذاته تقريبًا واستمرت في النمو منذ ذلك الوقت. نحن نستخدم قدرًا كبيرًا من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لأتمتة هذه العملية قدر الإمكان وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تنفيذ مثل هذه المهمة".

ليس من الواضح من المنهجية في الدراسات التي استخدمت بيانات "سورجيسفير"، أو من موقع "سورجيسفير" نفسه، كيف تمكنت الشركة من وضع اتفاقيات لتبادل البيانات من العديد من المستشفيات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المستشفيات ذات التكنولوجيا المحدودة، والتوفيق بين لغات وأنظمة ترميز مختلفة، وكل ذلك مع البقاء ضمن القواعد التنظيمية وحماية البيانات والقواعد الأخلاقية لكل بلد.

هيدروكسي كلوروكوين (أ ب)

وقال إن "الشركة بمثابة مجمّع للبيانات ويقوم بتحليل البيانات". مضيفًا: "نحن لسنا مسؤولين عن بيانات المصدر، وبالتالي فإن المهمة الكثيفة الملقاة على عاتق الموظفين، استخراج البيانات من السجلات الصحية الإلكترونية، وتحويلها إلى التنسيق المطلوب لقاموس البيانات الخاص بنا، وتحديد البيانات بشكل كامل يتم من قبل شريك الرعاية الصحية".

وقال ديساي إن الطريقة التي حصلت بها شركة "سورجيسفير"على البيانات "تتم دائمًا وفقًا للقوانين واللوائح المحلية. لا نتلق أبدًا أي معلومات صحية محمية أو معلومات تعريف فردية".

وأعرب كبير علماء البيانات في "نوس جروب" (وهي شركة استشارية إدارية دولية تقوم بمشروعات تكامل البيانات للإدارات الحكومية) بيتر إليس، عن القلق من أن قاعدة بيانات "سورجيسفير" كانت "على الأغلب خدعة".

وذكر أيضًا أنه "لا يوجد دليل على الإنترنت عن وجود ‘سورجيسفير‘ لوجود أي برنامج تحليلي قبل عام مضى. يستغرق الأمر شهورًا حتى يتمكن الأشخاص من النظر في الانضمام إلى قواعد البيانات هذه، ويشمل ذلك لوحات مراجعة الشبكة وأفراد الأمان والإدارة، ولا يحدث ذلك مع نموذج الاشتراك والمحادثة".

لم يتم نشر أي المعلومات من قاعدة بيانات ديساي حتى الآن، بما في ذلك أسماء أي من المستشفيات، على الرغم من أن "لانسيت" من بين العديد من الموقعين على بيان حول مشاركة البيانات لدراسات فيروس كورونا. وناقشت دراسة "لانسيت" الآن من قبل 120 طبيبا.

عندما وضع "ذي غاردي" قائمة تفصيلية بمخاوف ديساي بشأن قاعدة البيانات ونتائج الدراسة وخلفيته، أجاب: "لا يزال هناك سوء فهم أساسي حول نظامنا وكيف يعمل".

التعليقات