هل بدأ حكم ماكرون بالأفول؟

ضبطت أزمتان كبيرتان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مرحلة زمنية حرجة مع انقضاء أكثر من نصف فترته الرئيسيّة، وستترتّب على طريقة إدارته لهاتين الأزمتين معايير نجاح ولايته الرئاسية أو فشلها، وبالتالي حظوظ إعادة انتخابه.

هل بدأ حكم ماكرون بالأفول؟

ماكرون خلال إحدى خطاباته (أ ب)

ضبطت أزمتان كبيرتان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مرحلة زمنية حرجة مع انقضاء أكثر من نصف فترته الرئيسيّة، وستترتّب على طريقة إدارته لهاتين الأزمتين معايير نجاح ولايته الرئاسية أو فشلها، وبالتالي حظوظ إعادة انتخابه.

والأزمتان هما: التصدّي لموجة كورونا ثانية وعودة الهجمات الإرهابيّة.

وحملت موجة من التفاؤل ماكرون إلى سدّة الرئاسة في انتخابات عام 2017، رأت فيه قائدا قادرا على إحداث تحوّل في البلاد وعلى تحقيق إصلاحات تحتاج إليها فرنسا بشدة واستعادة مكانة البلاد على الساحة العالمية.

وانتخب ماكرون بعد هجومين إرهابيّين داميين في باريس عام 2015 وأسفر عن مقتل 137 شخصًا؛ وفي نيس عام 2016 وأسفر عن مقتل 85 شخصًا.

لكنّ فترة حكم ماكرون، التي شهدت تراجعًا كبيرًا في العمليات الإرهابيّة، واجهت سلسلة من الأزمات الداخليّة بدأت في العام 2018 مع حركة "السترات الصفراء" الاحتجاجية التي استمر زخمها عاما ونيّفا، تلتها إضرابات عامة في فصل الشتاء الماضي على خلفية تعديل نظام التقاعد في البلاد.

ومنذ ذلك الحين لا تشهد شعبية ماكرون ارتفاعًا أبدًا، بل تتراجع إلى ما دون 40%.

وحين خفّ زخم الإضرابات وبدأ ماكرون طرح مشاريع النصف الثاني من ولايته، تفشى فيروس كورونا المستجد عالميا، ما دفع فرنسا لفرض إغلاق تام لاحتوائه، وما أن بدأ الاقتصاد الفرنسي بالتعافي من تداعيات الإغلاق، ضربت موجة ثانية من جائحة كورونا البلاد، ما أجبر ماكرون، الأسبوع الماضي، على فرض إغلاق ثان.

وشهدت فرنسا خلال الأسبوع الماضي هجومين أوديا بحياة 4 أشخاص، ووضعا معركة مكافحة الإرهاب على رأس أولويّات حكومة ماكرون.

موجة الأمل التي حملته إلى الإليزيه انقلبت موجة تظاهرات (أ ب)
موجة الأمل التي حملته إلى الإليزيه انقلبت موجة تظاهرات (أ ب)

وقال مستشار في الرئاسة الفرنسية، طالبا عدم كشف هويته، لـ"فرانس برس" إنّ "هذا الضغط المستمر لا يمنحنا أي متنفّس"، ويضيف "لقد فقدنا السيطرة على جدول الأعمال".

ورغم أنه لا يمكن تحميل ماكرون مسؤولية ظهور الجائحة، إلا أنّ معارضين يتّهمون الحكومة بأنها فشلت في الاستعداد للموجة الثانية، ويستشهدون بالخطاب الذي أعلن فيه فرض إغلاق جديد في البلاد، وقال فيه إن "الفيروس يتفشى في فرنسا بسرعة تخطّت أكثر التوقعات تشاؤما"، ما أثار استياء خبراء صحيين حذّروا بالفعل، سابقًا، من هذا السيناريو.

وفي حين يوحّد الغضب من الاعتداءات الدامية الفرنسيين، تُطرح تساؤلات عن أسباب فشل قوات الأمن في مراقبة المهاجمين، وسط جدل قائم حول ما إذا كانت الإستراتيجية المعتمدة في التصدي للتطرّف الإسلامي بالغة الحزم أم شديدة الليونة.

المرحلة الأصعب في حياة ماكرون منذ وصوله السلطة

وقال الباحث السياسي في مركز دراسات الحياة السياسية الفرنسية، برونو كوتر، إنّ المرحلة الحالية هي "الأصعب بالنسبة لماكرون منذ وصوله إلى السلطة"، وأضاف أنّ ماكرون يحاول منذ نحو سنتين فرض جدول المشاريع التي ينوي تنفيذها، لكنّه يواجه تغيّرات متسارعة.

وتابع الباحث "لدى الفرنسيين انطباع بأنهم يمرون بسلسلة أزمات لا تنتهي".

وبعدما شهدت فرنسا صيفا عاديا نسبيا بعيدا عن ضراوة الموجة الثانية من الجائحة، أمل ماكرون باستعادة المبادرة بخطة إنعاش اقتصادي تبلغ مئة مليار يورو، وإستراتيجية "التعايش مع الفيروس"، لكن مذّاك، تعوق عوامل خارجية مساعي المضي قدما في تنفيذ مشاريع مراعية للبيئة، وتعديل النموذج الاقتصادي القائم وإصلاح نظام التقاعد.

تظاهرات السترات الصفراء أوّل هزّّات حكم ماكرون (أ ب)
تظاهرات السترات الصفراء أوّل هزّّات حكم ماكرون (أ ب)

ويثير هذا الأمر قلقا بالغا لدى الرئيس الذي لم يحظَ يوما بشعبية جارفة والذي أظهرت استطلاعات مركز "إيفوب" (المعهد الفرنسي للرأي العام) أنّ نسبة التأييد له تبلغ 38 بالمئة، علما أن حزبه لم يحقق نتائج جيدة في الانتخابات المحلية التي أجريت هذا العام.

والأنظار تتركز منذ الآن على الانتخابات الرئاسية المقررة في 2022، والتي من المرجّح أن يواجه فيها ماكرون زعيمة اليمين المتطرّف، مارين لوبن. وهو يأمل ألا يلقى مصير سلفيه نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، اللذين اقتصر عهداهما على ولاية رئاسية واحدة.

ويقول المعلّق السياسي فيليب مورو شيفروليه إن فوز ماكرون في الاستحقاق يتوقّف على "التوصل أخيرا إلى نتائج"، ويقول "إن لم تتحسّن الأوضاع الصحية في نهاية العام أو في مطلع العام 2021 سيكون موقفه صعبا للغاية. سيُحمّل المسؤولية بشكل مباشر".

ويضيف "في هذه اللحظة المليئة بالقلق، يشغل إيمانويل ماكرون على الأرجح أسوأ وظيفة في العالم".

لكنّ المحلل السياسي باسكال بيرينو يعتبر أنه حتى وإن كان الفرنسيون بغالبيتهم "غير مقتنعين بالرئيس" فإن هذه الغالبية "أقل اقتناعا بالمعارضة".

التعليقات