الخلافات الفرنسية البريطانية تطال التعاون العسكري

يمرّ التعاون العسكري بين بريطانيا وفرنسا بفترة مضطربة، فلم تتمكن باريس ولندن من التوافق على كيفية مواصلة برنامج الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ كروز، الذي كان البلدان قررا تطويره معا.

الخلافات الفرنسية البريطانية تطال التعاون العسكري

جونسون وماكرون (أرشيف أ ب)

يمرّ التعاون العسكري بين بريطانيا وفرنسا بفترة مضطربة، فلم تتمكن باريس ولندن من التوافق على كيفية مواصلة برنامج الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ كروز، الذي كان البلدان قررا تطويره معا.

وأدّى الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة اتفاقيات عسكرية عديدة بينها وبين دول أوروبا.

ويأتي الخلاف حول مشروع يعتبر جوهريا لتحقيق الاستقلالية الإستراتيجية الأوروبية، في سياق سياسي شديد التوتر بعد إعلان قيام شراكة إستراتيجية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة "أوكوس" للتصدي للصين، وضع باريس خارج اللعبة وحمل كانبيرا على فسخ عقد ضخم مع فرنسا لتزويدها بغواصات، والاستعاضة عنه بغواصات أميركية نووية الدفع.

ويقترن هذا التوتر بملفات خلافية عديدة أخرى بين البلدين ناتجة عن "بريكست"، وفي طليعتها صيد السمك والهجرة.

وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، الثلاثاء، أمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية "من المؤكد أنه برنامج في مأزق على ضوء وضع علاقاتنا مع المملكة المتحدة. إننا بصدد دراسة ما يمكن وما لا يمكن القيام به مع البريطانيين".

وأُلغي لقاء بين بارلي ونظيرها البريطاني، بن والاس، كان مقررا عقده في نهاية أيلول/سبتمبر بطلب من باريس، وفق ما أفاد مصدر في الوزارة الفرنسية.

وفي إطار اتفاقيتي لانكاستر هاوس الموقعتين عام 2010، واللتين أرستا التعاون الفرنسي البريطاني في مجال الدفاع، تعمل باريس ولندن على برنامج هدفه تطوير جيل جديد من الصواريخ المضادة للسفن بحلول 2030، لتحل محل صواريخ "إكزوسيت" التي تجهز البحرية الفرنسية، وصواريخ "هاربون" الأميركية الصنع التي تجهز البحرية الملكية، وتطوير صواريخ كروز لتحل محل صواريخ "سكالب" و"ستورم"، التي طورتها مجموعة "إم بي دي إيه" الأوروبية للبلدين.

غير أنّ مشروع الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ كروز بات متعثرا.

وأوضحت بارلي في أواخر أيلول/سبتمبر، في مقابلة أجرتها معها صحيفة "لوموند"، أنه "كان من المفترض أن يكون هذا البرنامج موضع محادثات مكثفة خلال الأسبوعين المقبلين، لأنه كان ينبغي التثبت من أن لدينا فعلا حاجات متطابقة. وهذه المحادثات ستؤجل عن الجدول المحدد بالأساس".

وتابعت "حين اتخذوا القرار بشأن ’بريكست’ أولا، ثم بشأن بريطانيا العالمية (المفهوم الإستراتيجي الذي أعاد توجيه السياسة الخارجية البريطانية نحو الولايات المتحدة ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ)، وأخيرًا الاعتماد المتزايد على الولايات المتحدة، باتت الكرة في ملعبهم".

وباشر البَلَدان في آذار/مارس 2017 دراسة أولى بقيمة مئة مليون يورو تم تمويلها بالتساوي، عشية إطلاق المملكة المتحدة رسميًا آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكانت تتعلق بمرحلة من عملية الابتكار.

ويتفاوض البلدان منذ عدة أشهر حول دراسة جديدة لمدة ثلاث سنوات حول المفهومين اللذين تم اختيارهما، ويتعلق أحدهما بنظام شبح تحت صوتي لتجهيز صواريخ "كروز" بعيدة المدى تطلق من الجو، والثاني بنظام فوق صوتي للصواريخ المضادة للسفن التي تطلق من الجو أو من سفن على سطح البحر، وفق ما ورد في تقرير وضعه نواب فرنسيون في نهاية 2020.

وأوضح النواب أن الجانب البريطاني شدد في هذه المحادثات على إمكانية إفلات الصواريخ من الرادارات، فيما شدد الفرنسيون على سرعتها.

غير أنّ البريطانيين يميلون إلى صرف اهتمامهم عن مشروع الصواريخ المضادة للسفن الذي يدفع الفرنسيون باتجاهه، وفق ما ذكر مصدر فرنسي مطلع على الملف.

وينطوي هذا التعاون على رهان هائل، إذ يمثّل البلدان معا 60% من الإنفاق الأوروبي الدفاعي و80% من الإنفاق على البحث والتطوير في المجال الدفاعي. وإن كانت باريس ضاعفت التعاون مع برلين منذ 2017، وتدعو إلى استقلالية إستراتيجية أوروبية، فإن لندن تبقى في قلب مشاريعها للتعاون العسكري.

وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الفرنسي، كريستيان كامبون، لـ"فرانس برس"، إنّ العلاقة الفرنسية البريطانية "تمر بحكم الأمر الواقع بمرحلة برودة"، مضيفا أن "’بريكست’ لم يوجد بيئة مؤاتية، شئنا أم أبينا".

لكنّه لفت إلى أن "مصالحنا الصناعية والدفاعية والأمنية مهمة ومشتركة إلى حد أن الأمور ستعاود مجراها".

وإلى التعاون في مجال الصواريخ، نصت اتفاقيتا لانكاستر هاوس على تقاسم القدرات على المحاكاة في مجال الأسلحة النووية وإنشاء قوة تدخل مشتركة يمكنها نشر عشرة آلاف عسكري. وفي مالي، تنشر لندن مروحيات ثقيلة من طراز "تشينوك" لدعم القوات الفرنسية التي هي بأمس الحاجة إليها.

التعليقات