واشنطن تحول خط الغاز الروسي - الألماني إلى ورقة ضغط في مواجهة موسكو

بعدما بقي خط "نورد ستريم 2" للغاز بين روسيا وألمانيا لفترة طويلة، موضع خلاف بين واشنطن وحليفتها الأوروبية القوية، قبل أن يقبل به بايدن مرغما في النهاية، عاد ليطرح بقوة باعتباره "وسيلة ضغط" غربية في مواجهة موسكو

واشنطن تحول خط الغاز الروسي - الألماني إلى ورقة ضغط في مواجهة موسكو

العمل على مد خط أنابيب "نورد ستريم 2" (أ ب)

بعدما بقي خط "نورد ستريم 2" للغاز بين روسيا وألمانيا لفترة طويلة، موضع خلاف بين الحليف الأوروبي القوي والولايات المتحدة، قبل أن يقبل به الرئيس جو بايدن مرغما في نهاية المطاف، عاد ليطرح بقوة باعتباره "وسيلة ضغط" بيد واشنطن لردع موسكو عن غزو أوكرانيا.

ولم يعلن البيت الأبيض بشكل واضح أن بايدن لوح بهذا التهديد، خلال قمته عبر الفيديو مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء، غير أن مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، شدد خلال مؤتمر صحافي على أن هذه المسألة تتسم بـ"أولوية مطلقة".

وأشار سوليفان إلى أن خط الأنابيب لم يوضع في الخدمة بعد بانتظار المصادقة عليه من الجانب الألماني، وهو بالتالي لا يمكن أن يشكل "وسيلة ضغط بيد بوتين". وأضاف "إنه وسيلة ضغط للغرب، لأنه إذا كان فلاديمير بوتين يريد نقل الغاز عبر نورد ستريم 2، فقد لا يجازف بغزو أوكرانيا".

وتوجه الإدارة الأميركية، منذ الأسبوع الماضي، تحذيرات شديدة اللهجة لروسيا، وسط اتهامات بحشد قوات روسية مجددا عند الحدود مع أوكرانيا، ملوحة بعقوبات اقتصادية شديدة في حال شنت هجوما على الدولة المجاورة.

اجتماع بايدن - بوتين، الثلاثاء (أ ب)

وفي هذا السياق، أكد الرئيس الأميركي، بايدن، مساء اليوم، أن إرسال قوات أميركية للدفاع عن أوكرانيا بوجه روسيا "غير مطروح للنقاش"، لأنها ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقال بايدن إن "فكرة استخدام الولايات المتحدة بشكل أحادي القوة لمواجهة روسيا في حال غزت أوكرانيا، غير مطروحة للنقاش". وأضاف "لدينا واجب أخلاقي وقانوني تجاه حلفائنا في الناتو بموجب البند الخامس. إنه واجب مقدس. وذلك الواجب لا يشمل أوكرانيا".

ولإثبات أنه أكثر تصميما مما كان عام 2014 حين ضمت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية، يؤكد بايدن أنه سيفرض هذه المرة عقوبات غير مسبوقة "امتنع عن استخدامها في الماضي" بسبب "العواقب التي كانت ستتأتى عنها في روسيا".

وترد تكهنات حول قيام واشنطن بإقصاء روسيا من نظام "سويفت"، وهو نظام أساسي في المالية العالمية يسمح بتنفيذ الحوالات المالية بين البنوك إلكترونيا.

غير أن أي مسؤول أميركي لم يؤكد هذه الفرضية التي غالبا ما توصف بأنها "خيار نووي"، بسبب ما قد يترتب عنها من عواقب على الاقتصاد الروسي إنما كذلك العالمي، ويعتقد في مطلق الأحوال أنها تبقى الخيار الأخير أمام الولايات المتحدة.

وقال نائب رئيس "معهد الولايات المتحدة من أجل السلام" للدراسات، ويليام تايلور، متحدثا لوكالة "فرانس برس"، إن "سويفت سيكون تصعيدا خطيرا".

ورأى تايلور الذي كان في الماضي سفيرا في كييف أن "نورد ستريم 2 خيار جدي"، وهو "أحد أبرز التدابير" قيد الدراسة حاليا، لأنه يسمح لإدارة بايدن بإثبات حزم كبير بدون الوصول إلى حد إثارة زلزال اقتصادي.

ولطالما كان خط الأنابيب مصدر توتر في العلاقات بين واشنطن وبرلين.

وتعارض الولايات المتحدة بشدة خط "نورد ستريم 2" الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق، بدون المرور عبر أوكرانيا، ما يهدد بحرمان هذا البلد من قسم من المداخيل التي يجنيها من مرور الغاز عبر أراضيه، إنما كذلك من وسيلة ضغط على روسيا.

وبالرغم من معارضة الطبقة السياسية الأميركية للمشروع، إلا أن أي إدارة أميركية لم تجازف بالوصول إلى حد التصادم مع ألمانيا، الحليف الأساسي للولايات المتحدة. والعقوبات المحدودة التي فرضت حتى الآن لم تحل دون إتمام المشروع.

العمل على مد خط أنابيب "نورد ستريم 2" (أ ب)

وإذ بات من المؤكد أنه سيتم إنجاز أعمال البناء، قرر بايدن إغلاق ملف الخلاف مع الألمان، فوقّع معهم في تموز/يوليو، اتفاقا يعود اليوم إلى الواجهة على الساحة الدولية.

ونص الاتفاق على أنه في حال ارتكبت روسيا "أعمالا عدوانية تجاه أوكرانيا"، فإن ألمانيا ستتخذ تدابير "للحد من قدرات التصدير الروسية نحو أوروبا في قطاع الطاقة".

وتستند الدبلوماسية الأميركية في موقفها اليوم، إلى هذه التسوية التي لم تسلط عليها الأضواء عند إبرامها.

وحذرت المسؤولة الثالثة في وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، أمام مجلس الشيوخ، أمس، الثلاثاء، بأنه "إذا لم يبدل الرئيس بوتين موقفه بشأن أوكرانيا، نترقب تعليق خط أنابيب الغاز هذا".

واعتبر وليام تايلور أن هذا سلاح قوي "لأنه مشروع طويل الأمد" للكرملين.

وأوضح أن "السبب الذي يجعل بوتين يتمسك به بشدة... هو أنه سيسمح له بفتح وإغلاق" تدفق الغاز إلى أوروبا، ما يتيح له "التأثير على القرارات الأوروبية". وأكد أن التهديد الأميركي "سيحظى باهتمامه الكامل".

لكن لا بد من معرفة ما إذا كانت ألمانيا الشديدة التمسك حتى الآن بـ"نورد ستريم 2"، مستعدة للتجاوب مع الأميركيين في وقت تنتقل السلطة من المستشارة المحافظة أنجيلا ميركل، إلى خلفها الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس.

وقال وليام تايلور إن "الألمان منقسمون بهذا الصدد" مشيرا إلى أن وزيرة الخارجية في الحكومة الجديدة أنالينا بيربوك (من أنصار البيئة) تعتمد موقفا معارضا أكثر لخط أنابيب الغاز.

التعليقات