واشنطن تدافع عن مصداقيّة تحذيراتها "التهويلية" حيال الأزمة الأوكرانية

دافعت الولايات المتحدة عن مصداقيّة التحذيرات التي وجّهتها بشأن خطر تعرّض أوكرانيا لغزو روسي، مؤكّدة أنّ مواقفها حيال هذه الأزمة "ليست تهويلية" حتى وإن أبقت الكثير من معطياتها الاستخبارية المتعلّقة بهذه المسألة طيّ الكتمان.

واشنطن تدافع عن مصداقيّة تحذيراتها

جندي أوكراني يصوب سلاحه أثناء سيره في موقع على خط المواجهة (أ ب)

دافعت الولايات المتحدة عن مصداقيّة التحذيرات التي وجّهتها بشأن خطر تعرّض أوكرانيا لغزو روسي، مؤكّدة أنّ مواقفها حيال هذه الأزمة "ليست تهويلية" حتى وإن أبقت الكثير من معطياتها الاستخبارية المتعلّقة بهذه المسألة طيّ الكتمان.

وشدّد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على أنّ ما تدلي به بلاده "ليس تهويلاً، إنّها بكل بساطة حقائق"، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمس الإثنين.

ومنذ الخريف، تحذّر واشنطن من تعزيزات عسكرية ضخمة لروسيا عند حدودها مع أوكرانيا، متهمة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالتخطيط لاجتياح أراضي جارته الغربية، الجمهورية السوفياتية السابقة.

وفي الأيام الماضية، سرّبت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تقييمًا استخباريًا للوضع الراهن عند الحدود الروسية - الأوكرانية، مفاده أنّ روسيا دفعت بنحو 110 آلاف عنصر من قواتها إلى حدودها مع أوكرانيا، ما يشكّل نحو 70% من القوة اللازمة (150 ألفًا) لشنّ غزو واسع النطاق لهذا البلد، وفق تقييم الاستخبارات الأميركية.

بلينكن وبوريل (أ ب)

إلا أنّ معنيين بهذه الأزمة سعوا إلى التقليل من شأن هذا التحذير. وكتب وزير خارجية أوكرانيا، ديمترو كوليبا، على "تويتر": "لا تصدقوا التوقّعات المدمّرة. عواصم مختلفة لديها سيناريوهات مختلفة لكنّ أوكرانيا مستعدة لأيّ تطوّر".

وفي ما يعدّ تنازلًا محدودًا، تراجع البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، عن اعتبار الاجتياح أمرًا "وشيكًا"، وذلك بعدما أبدت دول أوروبية امتعاضها من اللهجة الأميركية المتعلّقة بالأزمة الأوكرانية.

وقال وزير الخارجية الأوروبي، جوزيف بوريل، أواخر كانون الثاني/ يناير: "نعرف جيّدًا درجة التهديد والطريقة التي يجب التصرف من خلالها. يجب تجنّب اللعب بأعصابنا وردود الفعل المثيرة للقلق التي تؤدّي حتى إلى تداعيات مالية".

إلا أنه بدا أقرب إلى الموقف الأميركي خلال مؤتمره الصحافي مع بلينكن؛ وردًّا على سؤال بشأن تحذيرات الولايات المتحدة من غزو وشيك، قال بوريل: "أنا أتشارك معها القلق الشديد" من هذا التهديد، مضيفًا "نحن نعيش، برأيي، اللحظة الأكثر خطورة على أمننا منذ انتهاء الحرب الباردة". وأضاف "تمّ حشد 140 ألف جندي على الحدود، ليسوا هناك لاحتساء الشاي!".

ورأت أستاذة الشؤون الدولية في جامعة "نيويورك نيو سكول"، نينا خروتشيفا، أنّ واشنطن تخاطر برفعها منسوب التحذير إلى هذا الحدّ. وأوضحت أنّ "المشكلة مع صدقية الأميركيين هي أنّهم يتحدّثون منذ ثلاثة أشهر عن قرب حصول الاجتياح".

وأضافت "نعلم أنّ المعطيات الاستخبارية الأميركية ليست مثالية دائمًا، و(نعلم) أيضًا أنّه غالبًا ما يتمّ نسجها لتناسب غايات سياسية". وعدّدت الأستاذة الجامعية سلسلة أمثلة على ذلك، منها التقارير الاستخبارية الأميركية عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتبرير غزوه في 2003، وفشل وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" في توقّع الانهيار السريع للحكومة الأفغانية أمام حركة طالبان بعد انسحاب القوات الأميركية.

وعكس المؤتمر الصحافي اليومي لوزارة الخارجية الأميركية، الخميس الماضي، بعضًا من الانزعاج لدى قسم من الإدارة في واشنطن. وهذا المؤتمر الذي جاء بعد تأكيد واشنطن حيازتها أدلّة على أنّ موسكو تخطّط لتصوير اعتداء أوكراني زائف على روسيا لتوفير ذريعة للاجتياح، تخلّله نقاش حادّ بين المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، ومندوبي المؤسّسات الإعلامية.

(أ ب)

وتفادى برايس ضغوط الصحافيين لعرض أدلّة واشنطن على وجود مخطط كهذا، مكتفيًا بالقول إنّ مصدر المعلومات هو الاستخبارات الأميركية، وإنّ قرار كشف هذه المعطيات يدلّ على الثقة بمصداقيّة.

وقال المتحدث الأميركي لأحد الصحافيين خلال نقاش متوتر معه: "إذا أردت أن تشكّك بمصداقيّة الحكومة الأميركية أو الحكومة البريطانية أو حكومات أخرى، وتريد أن تجد العزاء في معلومات يوفّرها الروس...".

وأبدت خروتشيفا تفهّمها لغياب التفاصيل بشأن المعطيات، موضحة أنّ "هذه معلومات استخبارية، وبالتأكيد الأدلّة الاستخبارية لا ينبغي كشفها، وبالعادة لا يتمّ كشفها".

وأضافت "من الممكن بطبيعة الحال أن يكون الروس يحضّرون لعملية (زائفة) أو لنوع من حملة دعاية، حملة معلومات زائفة"، معتبرة أنّ الافراط في التهويل إزاء أمر ما لا يعني بالضرورة أنّ هذا الأمر لن يحصل "بل عليك أن تأخذ احتياطاتك إلى أيّ مدى ولأيّ فترة زمنية" ستواصل التحذير.

وفي مواجهة هذه الانتقادات، حاولت واشنطن أن تشرح موقفها، لكن من دون أن تكشف كلّ ما في حوزتها. وقال بلينكن إنّ "الترياق الأفضل في مواجهة الأخبار الزائفة هو المعلومات، وهذا ما سعينا إلى توفيره بأفضل ما يمكننا".

ماكرون وزيلينسكي (أ ب)

كما سعى برايس إلى تبريد الأجواء، مشدّدًا على "أنّني بالتأكيد لن أتمكّن على الإطلاق من إعطائكم الدليل الذي تريدونه". وتابع "نحن نعمل على تحقيق توازن صعب جدًا بين أن نقول أكثر مما يجب أو أقلّ مما هو مطلوب"، مضيفًا "حتى في سعينا إلى فضح جهود موسكو، لا نريد أن نهدّد أو نضع في خطر محتمل، قدرتنا على جمع هذا النوع من المعلومات مستقبلًا".

ماكرون يؤكد إمكانية تحقيق تقدم في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا

يأتي ذلك فيما أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، بعد محادثات مع الرئيسين الروسي والأوكراني، أن تحقيق تقدّم باتّجاه خفض التوتر بات ممكنا.

وقال في مؤتمر صحافي مشترك أعقب محادثاته مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينكسي، في كييف، إنه يعتقد أن هناك إمكانية لتحقيق تقدّم على جبهتين.

ولفت إلى أن زيلينسكي وبوتين، الذي التقاه الإثنين، أكدا التزامهما باتفاقيات مينسك للسلام المبرمة عام 2015 بشأن النزاع بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين الموالين لموسكو.

بوتين (أ ب)

وقال ماكرون: "لدينا الآن إمكانية دفع هذه المفاوضات قدما" بين روسيا وأوكرانيا.

وفي تعليقه على التوتر بين روسيا والغرب على خلفية حشد موسكو قواتها عند الحدود الأوكرانية، قال ماكرون: "أعتقد من طرفي أن هناك حلولا ملموسة وعملية ستسمح لنا بتحقيق تقدّم".

لكنه شدد على أن أحدا ليس "ساذجا" إلى حد الاعتقاد بأن لا علاقة للتوتر بنشر روسيا قواتها بشكل وصفه بأنه "غير مسبوق".

وقال ماكرون "عبر تبنيها موقف التهديد هذا، قررت روسيا الضغط على المجتمع الدولي". وأضاف "لا يمكننا التقليل من شأن لحظة التوتر التي نعيشها".

وتابع "لا يمكننا حل هذه الأزمة عبر عقد محادثات على مدى بضع ساعات.. ستسمح لنا الأيام والأسابيع والشهور المقبلة بتحقيق تقدّم".

التعليقات