هل يكون للصوت الجزائريّ دور حاسم في الانتخابات الفرنسيّة؟

مع كل موعد انتخابات رئاسية في فرنسا، تعود إلى الواجهة مسألة تأثير الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية في نتائج الاقتراع، على اعتبار أنهم الأكبر عددا مقارنة بباقي الجاليات الأجنبية الأخرى، فطيلة العقود الماضية، عمد المتسابقون لقصر الإليزيه، إلى مغازلة ذوي

هل يكون للصوت الجزائريّ دور حاسم في الانتخابات الفرنسيّة؟

ملصقات الدعايات الانتخابيّة بفرنسا ("أ ب")

مع كل موعد انتخابات رئاسية في فرنسا، تعود إلى الواجهة مسألة تأثير الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية في نتائج الاقتراع، على اعتبار أنهم الأكبر عددا مقارنة بباقي الجاليات الأجنبية الأخرى، فطيلة العقود الماضية، عمد المتسابقون لقصر الإليزيه، إلى مغازلة ذوي الأصول الجزائرية، مع اقتراب موعد الانتخابات، ومنهم من يقوم بزيارات دعائية إلى الجزائر.

وتُجرى الأحد المقبل، الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، التي ينافس فيها الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، من أجل عهدة ثانية، رفقة مرشحين آخرين.

ولاحظ محلّلون، انخراطا أقل من الجانب الجزائري، في العملية الانتخابية الفرنسية، سواء من حيث الزخم السياسي أو من حيث النقاش، مرجعين ذلك إلى الفتور الكبير الذي يخيم على العلاقات بين البلدين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وقبل أيام كشفت وسائل إعلام محلية، أن الجزائر لم ترد على طلب لرئيس الوزراء الفرنسي جون كاستكس، لزيارتها نهاية آذار/ مارس الماضي، في خطوة فسرت على أنها "نأي بالنفس" عن الرئاسيات الوشيكة وعدم القيام بما قد يفهم دعم لطرف على حساب آخر.

تكتيك مسيء

وتشير تقديرات غير رسمية، بأن العدد الإجمالي للجالية الجزائرية بفرنسا، يناهز 6 ملايين نسمة، ما يجعلهم يشكلون وعاء مغريا في حسم معركة صناديق الاقتراع، وفئة لا يمكن الاستغناء عنها.

وفي عامي 2016 و2017، توالت زيارات المرشحين المحتملين للرئاسيات الفرنسية آنذاك، إلى الجزائر، على غرار السياسية آن هيدالغو، ووزير الخارجية الأسبق، آلان جوبي عن الحزب اليميني، قبل أن يفشلا في الانتخابات التمهيدية.

المرشح الرئاسي من اليمين المتطرف، إريك زمور ("أ ب")

وبصفته المرشح الأوفر حظا، زار ماكرون الجزائر في 16 شباط/ فبراير 2017، وصرح بأن "الاستعمار الفرنسي كان جريمة ضد الإنسانية"، وهو تصريح خلّف ترحيبًا في الجزائر وغضبًا لدى اليمين الفرنسي.

لكن ماكرون الرئيس والراغب في الفوز بولاية ثانية، اعتمد هذه المرة أسلوبا مختلف جذريا، حيث هاجم الجزائر بشكل غير مسبوق في 30 أيلول/ سبتمبر الماضي، وتساءل: "عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي"، وهاجم ما "وصفه بالنظام السياسي العسكري الذي يستمد قوته من ريع الذاكرة".

وهذه التصريحات المسيئة، فجرت غضب الجزائر التي استدعت سفيرها للتشاور، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وردت بخطوات غير مسبوقة على غرار غلق الأجواء أمام الطائرات العسكرية الفرنسية العاملة في مالي.

وبعدها قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية إن "ماكرون استخدم تصريحات يمينية متطرفة لأسباب تتعلق بالانتخابات".

وأدانت الدبلوماسية الجزائرية، "التوظيف الخطير للجزائر والجزائريين" في الحملة الدعائية غير الرسمية، في الأشهر الماضية، حيث شكلت مهاجمة كل ما هو جزائري أداة لاستقطاب اليمين المتطرف المعادي للجزائر.

وتصدر المرشحون إيريك زمور ومارين لوبان، واجهة الممجِّدين للاستعمار الفرنسي للجزائر، وشن هجمات عنصرية على الجزائريين خصوصا، والمسلمين عموما.

تعبئة الجالية الجزائرية

وفي خضمّ الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين البلدين، هددت الجزائر بشكل صريح باستخدام ورقة الجالية في التأثير على السياسة الفرنسية.

وقال سفير الجزائر لدى باريس، عنتر داود، في مؤتمر صحافي بمناسبة يوم الهجرة المصادف لـ17 تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام: "من غير المقبول ألا تتمكّن الجزائر التي تتوفر على أكبر جالية أجنبية بفرنسا و18 قنصلية، الأخذ بزمام الأمور من أجل التدخّل ليس في السياسة الجزائرية فحسب، بل أيضا على مستوى السياسة الفرنسية".

وأزعج هذا التصريح كثيرا الخارجية الفرنسية، التي اعتبرته "تدخلا جزائريا في شؤونها ومساسا بسيادتها".

وجاء في بيان لها: "أن وزير أوروبا والشؤون الخارجية (جون إيف لودريان) أكد تمسّك فرنسا باحترام السيادة الجزائرية، ومن البديهي أنّنا نتوقّع من كلّ شركائنا أن يحترموا سيادتنا".

("أ ب")

وفي السياق، قال الخبير الدولي في الأزمات حسان قاسيمي، إن "الجزائر تحوز على جالية قوية جدا في فرنسا، والتي يمكن أن تشكل أداة ضغط قوية بمناسبة الانتخابات الرئاسية".

وأفاد قاسيمي وهو مسؤول الهجرة بوزارة الداخلية الجزائرية سابقا، بأنه ينبغي على الحكومة الجزائرية أن تنظم "جاليتها وتجعل منها لوبي ضاغط ومفيد للجزائر".

يمكن للجزائريين التأثير ولكن

وأكد رئيس فيدرالية الجزائريين المقيمين بالخارج سابقا، نور الدين بلمداح، قدرة الناخبين الفرنسيين من أصل جزائري على حسم نتائج الانتخابات في فرنسا، وقال: "ليس الرئاسية فقط ولكن البرلمانية والبلدية أيضا".

لكنه يرى أن هؤلاء الناخبين "ما زالوا مشتتين ولا يشكلون لوبي أو قوة ضغط منظمة مثل اللوبي اليهودي أو المغربي في فرنسا وأوروبا".

وأضاف بلمداح، وهو نائب برلماني جزائري سابق: "لاحظنا أن سلوك الناخب الجزائري في وطنه أو في فرنسا، يتشابه إلى حد بعيد".

وأوضح أن "هذا الناخب يميل إلى مقاطعة الفعل الانتخابي، وينتخب فقط لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف، عندما يشعر بإمكانية جدية لوصوله إلى الحكم وما يمكن أن ينجم عن ذلك من تبعات".

وأشار بلمداح إلى دور البعثة الدبلوماسية الجزائرية "الحاسم للغاية"، في تشكيل وعاء انتخابي فاعل ومؤثر في الانتخابات الفرنسية.

وبيّن أن "دعم السفارة، يمكن أن يساهم في تشكل فيدراليات أو جمعيات تقود الرأي وتؤثر وسط أفراد الجالية، بما يجعلها تحسم خيارها لصالح مترشح أو ضد مترشح آخر".

ويلاحظ المتحدث، فتورا سياسيا واضحا في صفوف الجالية الجزائرية في الرئاسيات الفرنسية الوشيكة، مسجلا غياب مرشح "قريب من الجزائر" عكس الاستحقاقات السابقة.

وإذا لم يفز أي مرشح بالأغلبية المطلقة في الجولة الأولى من انتخابات الأحد، تُجرى جولة ثانية في 24 أبريل 2022، بين صاحبي المرتبة الأولى والثانية في عدد الأصوات.

وهذه الانتخابات هي الـ12 منذ قيام ما يُعرف بـ"الجمهورية الخامسة"، وهي تشير إلى الدستور الجمهوري الخامس والحالي في فرنسا، والذي دخل حيز التنفيذ في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1958.

التعليقات