الغارات التركيّة في سورية: "نستعيد الخوف ذاته... إلى أين نذهب؟"

بعد ليلة هزت فيها ضرباتها الجوية أجواء مدن وقرى كوباني والحسكة وريفهما ومناطق أخرى، أعلنت أنقرة، صباح الأحد، شنّ عملية عسكرية جوية ضد المقاتلين الأكراد في سورية والعراق، عقب أسبوع على اعتداء دام في إسطنبول

الغارات التركيّة في سورية:

بلدة كوباني الكردية السورية والمعروفة أيضًا باسم عين العرب (Getty Images)

انقلبت حياة سكان قرى ومدن حدودية في شمال سورية، رأسا على عقب، بين ليلة وضحاها، بعدما أيقظتهم الضربات الجوية التركية من حولهم. لكن خيبتهم الأكبر سببها واشنطن، الدولة الحليفة التي يرون أنها لم تمنع أنقرة من استهداف مناطقهم.

وبعد ليلة هزت فيها ضرباتها الجوية أجواء مدن وقرى كوباني والحسكة وريفهما ومناطق أخرى، أعلنت أنقرة، صباح الأحد، شنّ عملية عسكرية جوية ضد المقاتلين الأكراد في سورية والعراق، عقب أسبوع على اعتداء دام في إسطنبول، اتهمت كلا من حزب العمال الكردستاني والقوات الكردية في سورية، بالوقوف خلفه، فيما نفى الطرفان الكرديّان أيّ دور لهما في الاعتداء.

وفي ما يبدو ردا على هذه الضربات، أصاب قصف صاروخي من الأراضي السورية نقطة حدودية تركية، الأحد، مما أدى إلى سقوط ثمانية جرحى على الأقل، هم جنديان وستة شرطيين أتراك، بحسب وكالة أنباء "الأناضول" للأنباء.

وأعلنت وزارة الداخلية التركية، إصابة 8 من عناصر الأمن إثر هجوم براجمات صواريخ استهدف منطقة معبر "أونجوبنار" الحدودي مع سورية، بولاية كيليس جنوبي البلاد.

بالقرب من النقطة الحدودية التركية التي قُصفت مساء الأحد (Getty Images)

وأضافت في بيان، الأحد، أن الهجوم "نفذه تنظيم ’واي بي جي YPG’ الإرهابي من منطقة تل رفعت، شمالي سورية"، وفق "الأناضول".

وفي مدينة المالكية في أقصى شمال شرق سورية، أغلقت كل المحال أبوابها، وخلت الشوارع من السكان، بعد غارات عنيفة استهدفت قرى في محيطها، أوقعت العدد الأكبر من القتلى والجرحى وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أفاد بمقتل 11 عنصرا من قوات "سورية الديمقراطية"، وعشرة من قوات النظام السوري في الضربات. وأكد النظام مقتل عناصر من قواتها من دون تحديد عددهم.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، لاحقا، بارتفاع حصيلة الخسائر البشرية، التي خلّفها القصف الجوي التركي، إذ ارتفعت حصيلة القتلى إلى 31 قتيلا، ولاتزال الحصيلة مرشحة للارتفاع لوجود نحو 40 جريحا ومفقودا، وبعض الجرحى بحالات خطرة.

"مررنا بالتجربة ذاتها"

وقال محمّد رجب (65 عاما) النازح من عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية قبل أربع سنوات: "يتملكنا الخوف لأننا مررنا بالتجربة ذاتها، والآن نستعيد الخوف نفسه مع سماع أصوات تحليق الطائرات وضرباتها".

وتساءل: "إلى أين نذهب؟ لم يعد هناك من مكان نذهب إليه، سلمنا أمورنا إلى الله"، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس" للأنباء، نقلا عنه.

صورة عمّمتها تركيا توثّق قصفها في سورية (Getty Images)

ومنذ 2016، شنت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية، استهدفت أساسا المقاتلين الأكراد في سورية، وسيطرت في العام 2018 على عفرين، أحد أقاليم الإدارة الذاتية الكردية، ما دفع بعدد كبير من السكان إلى النزوح.

ومنذ آخر هجوم لها في 2019، هددت أنقرة مرارا بشن عملية جديدة ضد المقاتلين الأكراد، وقد تصاعدت تهديداتها في وقت سابق العام الجاري.

وقالت عبير محمّد، وهي صاحبة محل حلويات من المالكية: "في كل مرة تتعالى فيها التهديدات، ينتابنا الخوف ولا نتمكن من النوم، وتموت الحركة في المدينة".

وأضافت: "نفكر في المغادرة، لكن لمن نترك منازلنا، ليس بمقدورنا أن نفعل أي شيء سوى أن نخاف على أطفالنا".

"أميركا شريكة في هذا القصف"

ولم تشهد شوارع المالكية أي حركة فعلية، الأحد، سوى تظاهرة شارك فيها العشرات صباحا، للتنديد بالهجوم الجوي التركي، لكن كذلك للتنديد بما وصفه متظاهرون بـ"تخلي" واشنطن عنهم.

وقال علي عبدالله (62 عاما) "أميركا شريكة في هذا القصف، وإلا لكانت منعت تركيا"، وفق "فرانس برس".

وهتفت متظاهرة: "الموت لأميركا" في شعار لا يُسمع عادة في منطقة تنتشر فيها القوات الأميركية ضمن التحالف الدولي، ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.

وقالت المتظاهرة، التي لم تورد الوكالة اسمها: "كان بمقدور أميركا أن تمنع قتل مقاتلينا الذين دفعوا دماءهم لحمايتنا".

ورفع المتظاهرون الأعلام الكردية، وصورا للزعيم الكردي عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا.

(Getty Images)

وهذه ليست المرة الأولى يتهم فيها الأكراد حليفتهم واشنطن بالتخلي عنهم، إذ إنهم اعتبروا أنها منحت أنقرة في العام 2019 الضوء الأخضر لشن العملية العسكرية الثالثة ضدهم، والتي سيطرت خلالها على شريط حدودي بطول 120 كيلومترا، بين مدينتي تل أبيض ورأس العين.

ومن مدينة كوباني، قال بوزان أحمد: "نخاف على أطفالنا وأسرنا. لا نعرف إلى أين نذهب، هناك من اختبأ في ملاجئ أو في أقبية الأبنية، وآخرون فروا إلى قرى في الريف".

وأضاف: "هناك خوف كبير بين المدنيين، ولا نعلم ما إذا كان القصف سيستمر أكثر أو لا، لم نعد نفهم شيئا. ماذا يجدر بنا أن نفعل؟".

وفي كوباني، أغلقت العديد من المحال والمدارس أبوابها، وفق سكان تحدثوا عن مدينة باتت الحركة فيها ضعيفة.

وترتدي مدينة كوباني طابعا رمزيا مهمّا لدى وحدات حماية الشعب الكردية، التي كانت أوّل من تصدّت لتنظيم "داعش"، وخاضت ضدّه عام 2014 معركة للدفاع عن هذه المدينة الحدوديّة مع تركيا، وتلقّت خلالها للمرة الأولى دعما عسكريّا مباشرا من واشنطن.

وكتب الناطق باسم الوحدات الكردية، نوري محمود، في تغريدة إن "مدينة كوباني البطلة أوقفت تنظيم داعش الإرهابي وحمت الإنسانية، وعلى المجتمع الدولي أن يدعمها اليوم".

التعليقات