لفهم ما يحدث من حولنا... هذه أبرز العوامل التي أدت إلى التضخم العالمي وزيادة الأسعار

شهد العالم منذ وباء كورونا أحداث متتالية، أحداث أثّرت بشكل كبير على قطاع الطاقة بطرق مختلفة ومتعدّدة، والتي ما زلنا نعيش تداعياتها حتّى اللحظة. هذه أبرز العوامل التي أدت إلى ضرب أسواق الطاقة العالمية...

لفهم ما يحدث من حولنا... هذه أبرز العوامل التي أدت إلى التضخم العالمي وزيادة الأسعار

getty

شهد العالم منذ وباء كورونا أحداثاً متتالية، أحداث أثّرت بشكل كبير على قطاع الطاقة بطرق مختلفة ومتعدّدة، والتي ما زلنا نعيش تداعياتها حتّى اللحظة، وسط تخبّط كبير حاصل في الأسواق العالميّة، وتحذيرات متتالية من حالة تضخّم اقتصاديّ ستؤثر على جميع الدول.

ومع استمرار التأثيرات الاقتصاديّة، تسبّبت مشكلات سلاسل التوريد العالميّة في ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، ممّا أثّر على عدد واسع من الدول حول العالم، إلّا أنّ ذلك لم يكن السبب الوحيد لهذا الارتفاع الكبير في الأسعار، إذ تداخلت أسباب عديدة لرسم "مثلّث الموت" حسب التعبير الاقتصاديّ. فمثلًا، في الأرجنتين، يتوقّع أن يصل معدّل ارتفاع الأسعار إلى 60٪، وهو ما تحقّق في عدد من الدول الغربيّة على حدّ سواء، خاصّة فيما يتعلّق بالمنتجات الأساسيّة التي يستهلكها المواطنون، وأهمّها الطاقة التي تؤدّي إلى هذه الزيادات على مختلف المنتجات، وفي تركيا، ارتفع معدّل التضخّم إلى 70٪، وسيرلانكا التي تُعاني أزمة اقتصاديّة خانقة، ارتفع معدّل التضخّم فيها إلى حوالي 30٪، حيث اضطرّ رئيس وزرائها إلى الاستقالة، وسط حالة من الفوضى الاقتصاديّة، وفي ألمانيا (الحصن المنيع للاقتصاد الأوروبي) فقد خلّف ارتفاع أسعار الطاقة حالة من عدم اليقين، مع صعوبات تشغيليّة تهدّد أكثر من 300 ألف شركة ما بين كبيرة وصغيرة بالإفلاس.

هناك الكثير من العوامل التي تؤدّي إلى الزيادة المفرطة في معدّلات التضخّم، أهمّها كان وباء كورونا، الذي ساهم في تعطيل سلاسل الإمداد ونقص العمالة، وارتفاع الأسعار الجنونيّ الذي يجتاح العالم، فيما يتعلّق بالطعام والشراب والسيارات وغيرها، ووفقًا لبيانات سوق السلع العالميّ الصادرة عن منظمة العمل الدوليّة، فإنّ أسعار القمح والغاز ارتفعت بمعدّل 50٪ مقارنة بعام 2020.

نستعرض في هذا التقرير، أهمّ أبرز العوامل التي أثّرت على الاقتصاد العالميّ وارتفاع نسب التضخّم:

الغزو الروسيّ لأوكرانيا

تعتبر روسيا واحدة من أكبر ثلاثة منتجين في للنفط في العالم، وممّا لا شكّ فيه، أنّ الغزو الروسيّ لأوكرانيا، وما تبعه من قرار الإدارة الأميركيّة بوقف استيراد النفط الروسيّ، ساعد بشكل كبير على انفلات حالة الاضطراب العالميّة وأسواق الطاقة بشكل عام في 2022، ممّا أدّى إلى عدد من الآثار التي يكافح العالم اليوم للتخلّص منها.

وكان البنك المركزي الروسي قد اتخذ خلال الأيام الأولى من الحرب في أوكرانيا، مجموعة من الإجراءات غير المسبوقة مثل رفع سعر الفائدة الأساسية من 9.5 إلى 20 في المائة دفعة واحدة، وفرض قيود على سحب العملة الأجنبية وتحويلها إلى خارج البلاد، مما ساهم في الحفاظ على استقرار المنظومة المالية الروسية، وأتاح تخفيف الإجراءات المتخذة على نحو تدريجي في وقت لاحق، لتبلغ الفائدة الأساسية حالياً 8 في المائة فقط.

ارتفاع أسعار الطاقة

في الأشهر اللاحقة للغزو الروسيّ لأوكرانيا، ارتفعت أسعار الطاقة العالميّة إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ الأزمة التي انفجرت في أيلول/ سبتمبر عام 2008، والتي اعتُبرت في حينها الأسوأ من نوعها منذ الكساد الكبير الذي أصاب الولايات المتّحدة عام 1929.

وتسبّب القرار الذي اتّخذته الإدارة الأميركيّة بحظر استيراد النفط الروسيّ بعد غزوها لأوكرانيا، بحدوث اضطرابات "هائلة" كما يصفها اقتصاديّون في قطاع التكرير، حيث تسبّبت خسارة الواردات الروسيّة في انقطاع إمدادات البنزين، ثمّ إنتاج الديزل لاحقًا خلال فترة الطلب عليه، ممّا أدّى بدوره إلى تسجيل أعلى متوسّط أسبوعيّ لأسعار الطاقة في الولايات المتّحدة، إذ كان هذا العامل من أهمّ العوامل التي ساعدت على ارتفاع التضخّم والحدّ من القدرة الشرائيّة للأميركيّين، والذي ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ 40 عامًا.

السحب التاريخي

كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد أعلن عن أكبر عمليّة لتحرير النفط من احتياطي البترول الإستراتيجيّ في التاريخ الأميركيّ، وذلك لمكافحة أسعار الطاقة، وعلى الرغم من أنّ عمليّات تحرير احتياطي النفط يجب أن تكون في مواجهة اضطرابات الإمدادات الشديدة، إلّا أنّه وعبر التاريخ، تمّ استخدام احتياطي البترول من قبل السياسيّين في محاولة وقف ارتفاع البنزين، خاصّة في الأوقات التي تشهد انتخابات حيث بلغ مستوى احتياطي البترول الإستراتيجيّ في عام 2010 حوالي 726.6 مليون برميل، وفي عام 1948، لم يكن المستوى أقلّ من 450 مليون برميل. وغادرت الولايات المتّحدة العام المنصرم، مع احتياطي إستراتيجيّ بلغ 378 مليون برميل، وهو ما يشكّل انخفاضًا حادًّا في احتياطيّ البترول الأميركيّ بأكثر من 40٪.

الكونغرس الأميركيّ وقانون خفض التضخّم

في الأصل، كان يُنظر إلى هذا القانون على أنّه "مشروع قانون لتغيير المناخ"، والذي يهدف إلى وضع الولايات المتّحدة الأميركيّة على خطّة لخفض الانبعاثات بنسبة تبلغ 40٪ مع حلول عام 2030، حيث كانت شركات الطاقة المتجدّدة أكبر الرابحين منه، ولكن كانت هناك أيضًا بعض الأحكام القضائيّة التي ساهمت في مساعدة شركات النفط والغاز الكبيرة، والتي يمكنها الاستثمار في تقنيّات جديدة لاحتجاز الكربون والميثان.

وبحسب موقع المشرعين الأميركيين الرسميّ، فإن قانون خفض التضخم لعام 2022 يهدف إلى الاستثمار في إنتاج الطاقة المحلية والتصنيع، والحد من انبعاثات الكربون بنسبة 40 في المائة تقريبا بحلول عام 2030.

وبموجب القانون، سيتم استثمار حوالي 300 دولار مليار في برامج خفض العجز و369 مليار دولار في برامج أمن الطاقة وتغير المناخ على مدى السنوات العشر المقبلة. وتخشى الدول الأوروبيّة أن يضع قانون خفض التضخم البالغ 430 مليار دولار شركاتها في وضع حرج.

تسريب خطّ أنابيب كيستون

أشار اقتصاديّون إلى أنّ مختبر لورانس ليفرمور الوطنيّ، كان قد أعلن في كانون الأوّل ديسمبر/ الماضي، عن اختراق علميّ كير في مجال الاندماج النوويّ، إذ كانت هذه واحدة من الأسباب المتناقلة لانخفاض طاقة التكرير في الولايات المتّحدة الأميركيّة، والتي أدّت إلى نقص في مستويات الديزل للعام المنصرم بشكل كبير، ولم يساعد هذا الأمر إدارة بايدن وتوجّهها تجاه صناعة النفط والغاز في الولايات المتّحدة الأميركيّة، ومع ذلك، فقد انتعش إنتاج النفط الأميركيّ مع نهاية العام الماضي.

كيف يواجه التضخّم؟

يُعرف اقتصاديًّا، أنّه في حال ارتفعت الأجور بنفس معدّلات التضخّم، فحينها لا يكون للتضخّم أثر كبير، إلّا أنّ ذلك لا يحدث دائمًا، إذ ترتفع معدّلات التضخّم، وتبقى الأجور على حالها، ممّا يؤدّي إلى جعل الحياة أكثر صعوبة، مع ارتفاع الأسعار الجنونيّ الذي يعيشه العالم بأسره، حيث ارتفعت أسعار الغذاء والطاقة بشكل مفاجئ، يصعب على المواطنين مجاراته.

هناك وسائل عدّة للسيطرة على معدّلات التضخّم وكبح جماحها، والتي تنتهجها الحكومات حول العالم والبنوك المركزيّة، والتي تشمل تحرير أسعار الفائدة، حيث يرى خبراء اقتصاديّون أنّ رفع أسعار الفائدة، من شأنها أن تقلّل الطلب على السلع والخدمات، ممّا قد يؤدّي إلى إبطاء النموّ الاقتصاديّ ومن ثمّ خفض معدّلات التضخّم، حيث تقوم البنوك المركزيّة في مختلف الدول، برفع أسعار الفائدة للحدّ من الطلب واحتواء التضخّم، وتخفيض العجز من شأنه تهدئة الطلب الكليّ والتضخّم، وفي مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، يمكن للحكومات تحسين المركز الماليّ، بمساعدة أشدّ الفئات ضعفًا، من خلال التحويلات الماليّة الموجّهة للمستحقّين.

في الولايات المتّحدة، كانت مكافحة التضخّم في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وذلك أثناء رئاسة بول فولكر للاحتياطيّ الفيدراليّ، نموذجًا جيّدًا لفهم أساليب السيطرة على معدّلات التضخّم، وذلك بعد أن كانت جذور التضخّم قد ترسّخت عند مستويات مرتفعة، حيث اضطرّ الفيدراليّ الأميركيّ إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حادّ، ممّا أدى إلى انهيار الاستثمار في قطاع الإسكان، وحدوث قفزة تاريخيّة في سعر الدولار. وهذا المثال التاريخيّ، ينطوي على مغزى مهمّ لكثير من البلدان التي تواجه تحدّيات مماثلة في عصرنا الحاليّ، إذ إنّ التوازن في رفع أسعار الفائدة وإنهاء الدفعات التحفيزيّة التي تقدّمها السياسة الماليّة، من الممكن أن يحدّ من مخاطر وقوع آثار أكبر على بعض أجزاء الاقتصاد، خاصّة تلك التي لها الحساسيّة الأكبر تجاه رفع أسعار الفائدة، أو حدوث تقلّبات كبيرة في العملة، ممّا يفاقم التوترات الجاريّة.

التعليقات