مونتغمري… مايسترو نظريّة المؤامرة وقصّة حاسوبه العملاق

كان الادّعاء أنّ مونتغمري قد بنى حاسوبًا عملاقًا منذ سنوات يُدعى "هامر"، وهو حاسوب يستخدم كأداة مراقبة حكوميّة أميركيّة، جنبًا إلى جنب مع برنامج يسمّى Scorecard، والذي يمكن استخدامه للتلاعب بنتائج الانتخابات

مونتغمري… مايسترو نظريّة المؤامرة وقصّة حاسوبه العملاق

"وكأنّ نظريّة المؤامرة قد خرجت من العدم". هكذا وصفت الصحافة الأميركيّة ادّعاءات ترامب بسرقة الأصوات منه في انتخابات عام 2020، ممّا أدّى إلى خسارته أمام الرئيس الأميركي جو بايدن. بدأت هذه الأخبار بالانتشار حتّى قبل فرز الأصوات؛ ومع تتبّعها، وجد صحافيّون أميركيّون أنّها صدرت في البداية عن موقع إنترنت يميني غامض، وبطل الحكاية هو دينيس مونتغمري، وهو مبرمج كمبيوتر، وصف نفسه سابقًا بأنّه مقاول سابق لوكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة "سي آي إيه".

كان الادّعاء أنّ مونتغمري قد بنى حاسوبًا عملاقًا منذ سنوات يُدعى "هامر"، وهو حاسوب يستخدم كأداة مراقبة حكوميّة أميركيّة، جنبًا إلى جنب مع برنامج يسمّى Scorecard، والذي يمكن استخدامه للتلاعب بنتائج الانتخابات. وزعم مونتغمري، أنّ جهة ما استطاعت اختطاف هذه التكنولوجيا، واستخدامها في قلب نتيجة الانتخابات لصالح الأميركي جو بايدن.

انتخابات ما زال صداها واسعًا حتّى اليوم

في أعقاب الانتخابات الملتهبة، انتشرت هذه الادّعاءات وغيرها، وتحوّلت خلال أيّام قليلة إلى نظريّة مؤامرة عالميّة كبرى، حول كيفيّة قيام جهات ومجموعات مدعومة من الصين وروسيا، باختراق أنظمة التصويت، وانتشرت تداعيات هذا الأمر، مثل دعاوى قضائيّة تسعى إلى قلب الانتخابات، والتهديدات بالعنف ضدّ العاملين في الانتخابات، بالإضافة إلى حملات كبيرة انتشرت من أجل "تخليص أميركا من آلات التصويت". وبعد ذلك بعامين، كان رأي ثلثي الجمهوريين - في استطلاع للرأي أجرته رويترز - أنّهم يعتقدون أنّ ترامب تعرّض للخداع.

وكانت وكالة رويترز للأنباء، قد أجرت مقابلات مع أكثر من عشرين شخصًا من شراء مونتغمري، وهم من منكري الانتخابات البارزين. حيث ظهرت هذه الحكاية بعد سلسلة من المقابلات الهاتفيّة التي أجراها مع الكاتبة اليمينيّة ماري فانينغ، والتي نشرت مزاعمه على موقعها عبر الإنترنت، حيث قالت إنّ مونتغمري قد تواصل معها بشأن مزاعم قرصنة الانتخابات قبل وقت قصير من تصويت نوفمبر 2020.

هذا المقال، قام بتصوير مونتغمري على أنّه مبلغ عن المخالفات بفضح الاستخدام السريّ لإبداعه الذي سُرق منه، بهدف حرف الأصوات، إلّا أنّ زملاء سابقين لمونتغمري، كانوا وقد وصفوه بالفنّان المحتال، كما اتهمه قضاة فيدراليّون بالاحتيال. هذا المبرمج، كما وصفته رويترز، له تاريخ قديم في الترويج للحكايات الطويلة ونظريّات المؤامرة، إذ روّج لتقنية زائفة وأدلّة زائفة تصبّ في صلب نظريّات المؤامرة.

المزاعم

كان ترامب قد استغلّ هذه المزاعم لصالحه، وبدأ بالترويج لها على مدى شهور بـ"أنّه سيتعرّض للخداع"، ثمّ استغلّ حلفاء ترامب النظريّة، وكان من بين أوّلهما المحامية المؤيّدة لترامب، سيدني باول، والتي كانت من أوائل الأشخاص الذين أشاروا إلى مشروع "هامر" على قناة "فوكس نيوز"، وبعد ذلك، قدّم أنصار ترامب مجموعة واسعة من الادّعاءات حول آلات التصويت المخترقة، وصناديق الاقتراع المليئة بأوراق الاقتراع غير القانونيّة، وعمّال الانتخابات الذين يحملون حقائب مليئة بأصوات بايدن المزوّرة، ومن بين الأقوال التي راجت آنذاك، أنّ هناك "جناة ديمقراطيّون فاسدون، واشتراكيّون فنزويليّون وعملاء صينيّون وخونة يتربّصون بالقرب من صناديق الاقتراع".

كان جوهر مزاعم مونتغمري، أنّ مؤامرة واسعة الأبعاد تحدث لاختراق أنظمة الانتخابات وتقليب الأصوات، والتي انتشرت كالنار في الهشيم بين مؤيّدي ترامب، والتي أشبعت جوع المؤيّدين لتفسير خسارته بالانتخابات.

في ذلك الوقت، حاول المدير السابق للأمن السيبرانيّ في إدارة ترامب، إسقاط هذه النظريّات، إذ كتب على تويتر بأنّ ما يروّج من سرقة للانتخابات واختراق أنظمة التصويت هو "هراء وخدعة لم تنجح"، وبعد ذلك وصف نظريّة مونتغمري بأنّها "مضحكة… إنّها تحمل كلّ السمات المميّزة لنظريّة المؤامرة الكلاسيكيّة لأنّها تلقي بها في وكالة المخابرات المركزيّة".

خلال العام الماضي، ادّعت بعض المواقع اليمينيّة أنّ مونتغمري قد باع مجموعة من الأدلّة المزعومة إلى ليندل، وهو أبرز حلفاء ترامب في أميركا، وهو الرئيس التنفيذيّ لشركة MyPillow، وكان قد أنفق ملايين الدولارات في حملة تهدف إلى إلغاء آلات التصويت. وأعلن علنًا أنّه اشترى بيانات مونتغمري في آب/ أغسطس، وقال لاحقًا إنّه يملكها، ووصفها بأنّها دليل قاطع على خداع ترامب، ووصف مونتغمري بأنّه أذكى رجل قابله في حياته، ثمّ وعد بإظهار هذه الأدلّة إلى العلن، إلّا أنّه لم يفعل ذلك لأكثر من عام.

بالعودة إلى عام 2017 كان مونتغمري قد رفع دعوى قضائيّة ضد مديري وكالة المخابرات المركزيّة ومكتب التحقيقات الفيدرالي، جنبًا إلى جنب مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، زاعمًا أنّهم مارسوا "مراقبة مستمرّة وغير قانونيّة وغير دستوريّة على ملايين الأميركيّين"، إلّا أنّ القاضي الفيدرالي رفض الادّعاءات، ووصفها بأنّها "مختارات حقيقيّة من شكاوى أصحاب نظريّة المؤامرة"، وفي ذلك الوقت، امتنع ممثّل الرئيس الأميركيّ باراك أوباما عن التعليق.

تطوير "المطرقة"

مونتغمري

وبحسب ادّعاء مونتغمري، فقد قال إنّه طوّر في الأصل تقنيّة المراقبة الخاصّة به للحكومة الأميركيّة، بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001، للمساعدة في مكافحة الإرهاب، وعمل مع رجل الأعمال وارن تريب، في شركة تُدعى eTreppid Technologies، والتي حازت على عقود حكوميّة أميركيّة، وفي عام 2006، رفع الشريكان دعوى قضائيّة ضد بعضهما في محكمة اتّحاديّة في نيفادا، حيث ادّعى كلّ منهما سرقة أسرار تجاريّة متعلّقة بالتكنولوجيا التي باعوها للحكومة، وتمّت تسوية القضيّة في عام 2009، بعد أن أصدرت المحكمة حكمًا ضدّ مونتغمري، الذي قدّم لاحقًا طلبًا للإفلاس، وفقًا لسجلّات المحكمة، وحكم القاضي حينها على مونتغمري بغرامة قدرها 61 ألف دولار، بسبب تقديم مونتغمري ملفّ محكمة كاذب عن قصد.

وأظهرت سجلّات فيدراليّة كانت قد راجعتها وكالة رويترز، بأنّ الجيش الأميركيّ منح ما لا يقلّ عن 7.5 مليون دولار في عقود التكنولوجيا لشركة eTreppid، وأعلنت الشركة في عام 2004، أنّ لديها عقودًا بقيمة 30 مليون دولار لتقنيتها مع الحكومة الأميركيّة، دون تحديدها.

اشتهر المبرمج بإقناع وكالة الاستخبارات المركزيّة قبل عقدين من الزمان، بأنّه طوّر تقنيّة يمكنها اعتراض "الرسائل الإرهابيّة المخفيّة" المضمّنة في مقاطع الفيديو التي تُبثّ، ممّا دفع إدارة جورج دبليو بوش إلى إصدار تنبيهات عامّة ورحلات جويّة أرضيّة خوفًا من وقوع هجمات وشيكة، وفقًا لتقارير إعلاميّة وشهادات من الكونغرس. في كتاب صدر عام 2014، وصف جيمس رايزن، الذي كان حينها مراسل صحيفة نيويورك تايمز بأنّ مونتغمري هو "المايسترو" وراء ما يعتقد المسؤولون الأميركيّون أنّه "أحد أكثر الخدع تفصيلًا وخطورة في التاريخ الأميركيّ. وطعن مونتغمري في ادّعاءات رايزن في دعوى تشهير، إلّا أنّه تمّ رفضها، وأشار القاضي حينها إلى "عدد من الأدلّة التي تظهر أنّ المسؤولين وغيرهم ممن عملوا مع مونتغمري يعتقدون أنّ عمله بمجمله كان مجرّد خدعة".

التعليقات