أشباه الموصلات ومثلّث الموت بين أميركا والصين وروسيا

الإدارة الأميركيّة تعرف تمام المعرفة، أنّ الصين تسعى إلى تطوير قدرتها في بناء معدّات تصنيع الرقائق، ولذلك استهدفت إدارة بايدن هذا الخيار أيضًا

أشباه الموصلات ومثلّث الموت بين أميركا والصين وروسيا

(getty)

كثيرون يتحدّثون منذ سنوات حول أفول العصر الأميركيّ، وقد تبدو للعديد من الاقتصاديّين، مهمّة إعادة إحياء شهيّة أميركا للتجارة الحرّة ميؤوس من أمرها، إذ يواجه الرئيس الأميركيّ جو بايدن، انتقادات عديدة في هذا الملفّ لأسباب اقتصاديّة وأخرى تتعلّق بملفّ السياسة الخارجيّة لإدارته، ولكنّ عام 2022 بالنسبة للإدارة الأميركيّة، كان مفاجأة بالنسبة للكثيرين، لما أبدته الإدارة الأميركيّة في سياساتها تجاه روسيا والصين على وجه التحديد، حيث عادت الولايات المتّحدة بالنسبة للكثير من الحلفاء إلى موقع القيادة الدوليّة، والذي تخلّت عنه منذ هجمات أيلول سبتمبر 2001.

قادت الولايات المتّحدة الأميركيّة جهدًا على أكثر من مستوى في مواجهة أكبر حرب بريّة في أوروبا منذ عام 1945، من أجل مساعدة أوكرانيا في حربها مع روسيا، وكذلك شرعت الولايات المتّحدة في إستراتيجيّتها تجاه صعود بكين العسكريّ، من خلال أدوات تعتبر جديدة في الساحة الدوليّة، من تجميد احتياطات روسيا من العملات الأجنبيّة، ووضع سقف للأسعار على صادرات النفط الروسيّة، والحظر الذي فرضته على صادرات أشباه الموصّلات إلى الصين، ودخول اليابان وكوريا الجنوبيّة وأستراليا والهند في ترتيبات الولايات المتّحدة، واختيارها لفنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسيّ (الناتو). كلّ هذا حدث بعد إعلان روسيا والصين عن "شراكة بلا حدود"، وإصدارهم للإعلان المشترك حول النظام المفترض لما بعد عصر الولايات المتّحدة الأميركيّة

قدّمت الإدارة الأميركيّة حوالي 24 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا، في حربها مع روسيا، وهي 60٪ من مجمل التعهّدات الدوليّة التي أعلن عنها في مواجهة روسيا، كما وافق الكونغرس للتوّ على زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعيّ للعام الثاني على التوالي، لتصل ميزانيّة البنتاغون إلى ثاني أعلى مستوى لها منذ الحرب العالميّة الثانية. كثير من المراقبين يقولون اليوم، إنّ الانسحاب الفوضويّ من أفغانستان، كان يشير في البداية إلى تخلّي أميركا عن التزاماتها الخارجيّة، إلّا أنّه استبدل للوقوف في وجه روسيا والصين.

كابوس أميركيّ اسمه بوتين

ووفقًا لمعهد كيل الاقتصاديّ، فإنّ 21 دولة تعهّدت بنصيب أعلى من الناتج المحليّ الإجماليّ لأوكرانيا، من النصيب الذي تعهّدت به أميركا، حيث التزمت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا بضخّ ما نسبته 0.33٪ و0.28٪ و0.27 من الناتج المحليّ الإجماليّ، بالإضافة إلى الاتّفاقيّات التي أبرمتها الولايات المتّحدة وأوروبا بشأن عقوبات يمكن من خلالها استهداف موسكو، وفي غضون الأيّام الأولى من الغزو، جمّد الحلفاء جزءًا كبيرًا من احتياطات روسيا من العملات الأجنبيّة، واستبعدوا مجموعة من البنوك الروسيّة من نظام المدفوعات الدوليّ "سويفت"، وعلى إثر ذلك، حدث انهيار كبير في الواردات الروسيّة خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحرب، ولا تزال حتّى الآن الواردات الروسيّة، أقلّ بنحو 25٪ من مستواها قبل الحرب في أوكرانيا.

يعتبر محلّلون سياسيّون، أنّ استفزازات الصين لأميركا، "أرقّ" من الاستفزازات الروسيّة، وهو ما يسمح لأوروبا خاصّة للاعتقاد بأنّ المواجهة غير ضروريّة مع الصين الآن، على الرغم من أنّ الصين قد أخضعت هونغ كونغ، بالإضافة إلى "صبيانيّتها" تجاه تايوان كما يصفها محلّلون، إلّا أنّ الصين لم تشنّ غزوًا تجاه جيرانها، كما فعلت روسيا، لكنّ الفريق الإستراتيجيّ بالنسبة لبايدن، رفض هذا الخداع الصينيّ، وبدأت تتردّد الأخبار عن أنّ الأمر سيكون مجرّد مسألة وقت، قبل أن تفعل بكين ما يعادل عند أميركا غزو روسيا لأوكرانيا. وتعتبر الخطّة التي شرع الرئيس الأميركي جو بايدن بتنفيذها، صادمة في جرأتها بالنسبة لسياسيّين أوروبيّين، بدءًا بالحظر المفروض على أشباه الموصّلات الذي تمّ الإعلان عنه في تشرين أوّل/ أكتوبر، وتمّ تمديده حتّى كانون أوّل/ ديسمبر من عام 2022، ومقارنة بما فعله الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب، من منع شركة هواوي الصينيّة من شراء أشباه الموصلات الأميركيّة، فإنّ قرار بايدن كان جامحًا، بوضعه أجزاء كبيرة من الصناعة الصينيّة على القائمة السوداء.

ما معنى حظر أشباه الموصلات؟

بالنسبة للإدارة الأميركيّة، فإنّ حظر تصدير أشباه الموصلات يمكن أن يعمل على أربعة مستويات؛ أوّلها أنّه يحظر بيع كلّ أشباه الموصلات المتقدّمة التي صُنعت داخل الولايات المتّحدة. وتعتبر الرقائق، صميم الاقتصاد الحديث، إذ يتمّ استخدامها في كلّ شيء تقريبًا، من أبسط معدّات التواصل إلى الذكاء الاصطناعيّ المتطوّر، ونظرًا لأنّ معظم من يشتغلون في مجال الرقائق وأشباه الموصلات، يعتمدون في عملهم على برامج وتقنيّات أميركيّة، فإنّهم لا يستطيعون تجاهل هذا الحظر، وبذلك، فقدت الصين إمكانيّة الوصول إلى جميع الموردين الأجانب، ولاحقًا، استهدف بايدن قدرة الصين على إنتاج أشباه الموصلات هذه، ويعود هذا إلى سابقة من عام 2018، بعد نجاح إدارة ترامب بالضغط على شركة هولنديّة من بيع معداتها الأكثر تقدّمًا إلى الصين. كلّ ما فعلته إدارة بايدن أنّها وسعت من الشبكة…

الإدارة الأميركيّة تعرف تمام المعرفة، أنّ الصين تسعى إلى تطوير قدرتها في بناء معدّات تصنيع الرقائق، ولذلك استهدفت إدارة بايدن هذا الخيار أيضًا، إذ امتدّ حظر التصدير إلى المكوّنات الأميركيّة التي قد تستخدمها الصين لصنع هذه الآلات التي يمكنها الاستفادة منها في تصنيع الرقائق.

أمر آخر فرضته الإدارة الأميركيّة، وهو حظر المواطنين الأميركيّين والأجانب الذين يعيشون في الولايات المتّحدة والشركات الأميركيّة من العمل في قطاع أشباه الموصلات في الصين، إذ غالبًا، ما تحتاج صناعة الرقائق إلى صيانة كلّ بضعة أيّام، كما تمّ تخيير مئات المهندسين من أصل صينيّ في الولايات المتّحدة، على الاختيار بين جوازات سفرهم الصينيّة ووظائفهم.

وكان الرئيس الأميركيّ جو بايدن، قد أعلن في الأمم المتّحدة العام الماضي قائلًا "نحن لا نسعى إلى حرب باردة جديدة"، كما أعلن مراقبون، أنّ حظر تصدير الرقائق المتطوّرة، يمكن أن يحقّق هدفه خلال عام أو عامين، وسوف تجد الصين صعوبة بالغة في عمليّة الحصول على هذه الرقائق، أو محاولة بنائها، إلّا أنّ ذلك يمكن أن يعني من جانب آخر، أن تسرّع الصين من تقدّمها واكتفائها الذاتيّ من أشباه الموصلات، والإضرار بالصناعة الأميركيّة.

التعليقات