بايدن ونفط ألاسكا… هل حان وقت الوفاء بالوعود الانتخابيّة؟

القطب الشماليّ يحتوي على ثروات ضخمة، يمكن أن تصل إلى 35 تريليون دولار، وتقدّر هذه الثروات بنحو 90 مليون برميل من النفط

بايدن ونفط ألاسكا… هل حان وقت الوفاء بالوعود الانتخابيّة؟

(getty)

مع ترشّح جو بايدن لشغل منصب الرئيس الأميركي، كان خطابه واضحًا في تلك المرحلة؛ وهو مناهضة الوقود الأحفوريّ، مع تعهّدات مستمرّة للعمل على قوانين من شأنها الحدّ من الكربون المنبعث بحلول عام 2050. بدأ الأمر مع ملايين الأفدنة التي تُستخدم في التنقيب المحتمل عن النفط، وإلغاء خطّ أنابيب "كيستون" وهو خط أنابيب للنفط بين كندا والولايات المتّحدة الأميركيّة يعمل منذ عام 2010، بالإضافة إلى إلغاء عقود إيجار لعدّة شركات تنقيب عن النفط والغاز، عدا عن القرار الذي اتّخذته الإدارة الأميركيّة بحظر واردات النفط الروسيّة، وإطلاق تهديدات مختلفة من شأنها فرض ضرائب عالية وغير متوقّعة على التنقيب.

ومع إعلان واشنطن حظر واردات النفط الروسيّ، وهو ما يعني خفض نحو 8٪ من الإمدادات السنويّة الأميركيّة، ازدادت الانتقادات لإدارة بايدن، بعد سعيها الحصول على بديل النفط الروسيّ من فنزويلا، بدلًا من اللجوء للنفط الأميركيّ، بدلًا من النفط الأميركي المكتشف في ألاسكا، وداخليًّا، تسهم التوازنات السياسيّة الحزبيّة في وضع إدارة بايدن في موقف شديد التعقيد بخصوص أزمة الطاقة العالميّة، حيث وصلت أسعار النفط العالميّة إلى أسعار تاريخيّة.

تقول دراسة نشرتها جامعة ستانفورد الأميركيّة، إنّ منطقة القطب الشماليّ (تطلّ عليها النرويج والسويد وآيسلندا وكندا وروسيا وجزء من ألاسكا الأميركيّة) تحتوي في داخلها على ثروات ضخمة، يمكن أن تصل إلى 35 تريليون دولار، وتقدّر ثروات القطب الشماليّ، نحو 90 مليون برميل من النفط، أي ما يعادل 15٪ من حجم احتياطيات العالم، بالإضافة إلى 17 تريليون قدم مكعّب من الغاز، والذي يمثّل نحو 30٪ من الاحتياط العالمي للغاز، عدا عن الألماس والزنك والنيكل.

خطابات بايدن الأولى

استحوذت المجموعات البيئيّة على خطاب بايدن، منذ ترشّحه للرئاسة عام 2020، واستطاعت من خلال جماعات الضغط الخاصّة بها، تعزيز تحالفاته السياسيّة، ممّا ساعد على انضمام نشطاء تغيّر المناخ، وذلك بعد سنوات من الوعود التي لم تتحقّق، وبحسب محلّلين سياسيّين أميركيّين، فإنّ ما يلوح بالأفق اليوم، هو أنّ حلفاء بايدن السياسيّين، يشيرون إلى قرار ما سيصدر خلال الفترة المقبلة فيما يخصّ ملفّ الطاقة، ويمكن أن يضع حلفاء أميركا في موقع حرج.

تقوم إدارة بايدن هذه الأيّام، بوضع اللمسات الأخيرة على مشاريع النفط والغاز، والتي من الممكن أن تغيّر قواعد اللعبة كاملة، والحديث هُنا عن مشروع "ويلو" المقترح، والذي سيضخّ 180 ألف برميل من البترول يوميًّا، ويولّد 10 مليار دولار سنويًّا من الضرائب، كما سيخلق 2000 وظيفة بناء، و300 وظيفة دائمة، بالإضافة إلى خلق فرص عديدة للعمل.

تأتي المعارضة الأساسيّة لهذا المشروع، من جماعات بيئيّة متواجدة في حوالي 48 ولاية، ويقدّر تحليل وزارة الداخليّة، أنّ هذا المشروع سيُطلق ما لا يقلّ عن 278 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون خلال فترة عمله، عدا عن تهديدات الحياة البريّة، وعلى إثر ذلك، فقد قرّر "حلفاء بايدن البيئيّون" التجمّع أمام البيت الأبيض والاعتراض على هذا المشروع.

من أين بدأ مشروع "ويلو"

يمكن القول، إنّ معظم واردات أميركا من النفط الخام، كانت تأتي من كندا والمكسيك والمملكة العربيّة السعوديّة، ممّا يجعل أميركا أقلّ اعتمادًا على النفط الروسيّ، وذلك إذا وُضِعت بالمقارنة مع شركائها الأوروبيّين. حيث استوردت أميركا نحو 672 ألف برميل يوميًّا من روسيا عام 2021، والتي تقدّر بـ245 مليون برميل خلال العام نفسه.

بدأ المقترح الأوّل لمشروع ويلو مع عام 1999، بعد أن وقّعت إدارة كلينتون عقد الإيجار والبدء بالتنقيب في ألاسكا، لكن ما حدث، هو أنّه لم يتمّ اكتشاف النفط في هذه المنطقة، حتّى عام 2017. وسرعان ما وافقت إدارة ترامب على المشروع، ولم يبدِ فريق بايدن أيّ اعتراض، حتّى بدأت الاعتراضات تتوالى من قبل القضاة، فيما يخصّ التكاليف البيئيّة التي لم يتمّ النظر إليها بشكل كافٍ.

وكانت محكمة فيدراليّة أميركيّة، قد قضت في عام 2021، بإلغاء التصاريح الممنوحة من قبل مكتب إدارة الأراضي لصالح مشروع النفط الخاصّ. هذا الحكم، الذي تسبّب في تأخير البناء لمدّة تصل إلى عامين، إضافة إلى تأخير إنتاج النفط حتّى عام 2028، ألقى بظلاله على المشروع ككلّ. ولكن في تطوّر مفاجئ، أعلنت شركة سانتوس الأستراليّة، عن بدء تطوير المشروع الأكبر للنفط في ولاية ألاسكا، خاصّة بعد تعرّض هذا المشروع إلى الكثير من التحدّيات، أهمّها إعلان عدد كبير من المؤسّسات الماليّة وقف دعم المشاريع النفطيّة بسبب مخاوف تتعلّق بتغيّر المناخ.

وكان رئيس العمليّات في شركة "كونوكو فيليبس"، قد ألمح إلى أنّ الشركة ستتخلّى عن تنفيذ مشروع نفطيّ بقيمة 8 مليارات دولار في القطب الشماليّ، في حال أعلنت الحكومة عن تقليص عمليّات الحفر وحصرها بموقعين فقط، لأنّ ذلك "لن يكون مجديًا اقتصاديًّا" على حدّ تعبيره. وهذا التحذير يأتي وسط ضغط هائل يواجه الرئيس بايدن لمنع المشروع، بتبرير أنّ العالم الذي يواجه ظاهرة الاحتباس الحراريّ، لن يستطيع تحمّل حرق نحو 600 مليون برميل من النفط الخام التي ستنتج عن هذا المشروع".

جو بايدن الآن محصور في وعوده الانتخابيّة التي قطعها حين كان مرشّحًا، فلا أحد يمكنه أن ينسى الحرب الكلاميّة التي شنّها على صنّاع الوقود الأحفوريّ، بالإضافة إلى وعوده بالنظر في طلبات الأميركيّين الأصليّين، وفي هذا الصدد، لا يمكنه تجاهل أنّ سكّان ألاسكا الأصليّين يدعمون المشروع بأغلبيّة ساحقة، وهو ما يمكن أن يهدد قاعدته الانتخابيّة في حال ترشحه لدورة أخرى.

في نهاية الأمر، هذه هي دعوة بايدن التي أطلقها، وقد يتعيّن على كثيرين أن يكبحوا جماحهم، من أجل تقليص اعتماد الدولة على الوقود الأحفوريّ، وقد يضطرّ للتنازل عن كلّ هذا، وقبوله بنظام جديد للتنقيب عن النفط، في دولة مهدّدة بالفعل بتأثيرات التغيّرات المناخيّة قريبًا.

التعليقات