مكتب حماية الدستور الألماني... حارس المصباح

يستغل اليمين المتطرّف في ألمانيا الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة وارتفاع الأسعار الحادّ، بالإضافة إلى الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، ومن قبلها جائحة كورونا، لتنفيذ مخطّطاته

مكتب حماية الدستور الألماني... حارس المصباح

توماس هالدينفانج (Getty)

توماس هالدينفانج، حسب تعريفه؛ محام ألماني وموظّف مدني سياسي ورئيس المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، والذي عين منذ تشرين ثاني/ نوفمبر 2018 في منصبه. درس القانون، وخدم في البحريّة قبل الالتحاق بالخدمة المدنيّة، بعد سقوط جدار برلين، وأُرسل إلى ألمانيا الشرقيّة من أجل المساعدة في بناء "مؤسّسات ديمقراطيّة"، قبل تسلّقه لرتب وزارة الداخليّة وجهاز المخابرات الألماني.

يعيش هالدينفانج أحلك الأيّام في وظيفته، وفي تاريخ "ألمانيا الديمقراطيّة"، في ظلّ مناخ سياسيّ لا يُبشّر بالخير، على رأي مراقبين، ففي السابع من كانون الأوّل ديسمبر عام 2022، ألقت السلطات الألمانيّة القبض على 25 عضوًا من مجموعة "حركة مواطني الرايخ"، وهي مجموعة يمينيّة متطرّفة، تهدف إلى إعادة تأسيس حكومة ملكيّة في ألمانيا، على غرار تقاليد الرايخ الألماني، بالإضافة إلى اعتقال العشرات بعد ذلك، وتفتيش ما مجموعه 130 موقعًا في جميع أنحاء ألمانيا، واعتقال هنري الثالث عشر، والنائب السابق عن حزب البديل من أجل ألمانيا، بيرجيت مالساك - وينكمان، وتعتبر هذه العمليّة هي الأكبر في تاريخ ألمانيا.

وقال هالدينفانج، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا في "نيويورك تايمز" الأميركيّة، "يقلقني أنّ رموزنا الوطنيّة قد اختطفها أعداء الديمقراطيّة الليبراليّة… نحن بحاجة إلى مطالبتهم بالعودة، أنا أرى نفسي مدافعًا عن الديمقراطيّة في ألمانيا، إنّها مهمّتي الدستوريّة، ولكنّها أيضًا مهمّة شخصيّة.

يستغل اليمين المتطرّف في ألمانيا الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة وارتفاع الأسعار الحادّ، بالإضافة إلى الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، ومن قبلها جائحة كورونا لتنفيذ مخطّطاته ومحاولة جعلها واقعًا على الأرض، ففي الرابع عشر من نيسان/ أبريل عام 2022، خطّط أعضاء شبكات يمينيّة متطرّفة شنّ عمليّات إرهابيّة وتدمير "النظام الديمقراطي الألماني"، حيث أُرسلت تهديدات لساسة ألمان، كالتهديد باختطاف وزير الصحّة الألمانيّ، وشن هجمات على البنى التحتيّة الألمانيّة مثل شبكات الكهرباء.

مظاهرة لحزب البديل من أجل ألمانيا في برلين (Getty)

وشبكات اليمين المتطرّف آخذة في الازدياد والانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصّات الدردشة، لا سيما تطبيق "تلغرام"، حيث تستغل هذه المساحات في كثير من الأحيان للتحريض والتخطيط، بالإضافة إلى عقد دورات وتبادل النصائح حول الأسلحة، وأصبحوا يروّجون لأنفسهم في الجامعات الألمانيّة منذ أغسطس 2022، وممّا يجعل المهمّة صعبة على مكتب حماية الدستور الألماني والأجهزة الألمانيّة المختلفة، هو أنّ شبكات اليمين المتطرّف متغلغلة داخل النظام البيروقراطي العام للدولة الألمانيّة.

وجاء في التقرير الذي نشرته "نيويورك تايمز"، أنّ هالدينفانج، البالغ من العمر 62 عامًا، يقول إنّه "يُدرك تمامًا ذنب ألمانيا النازيّة… لقد أدركت أننا أحفادهم، ونتحمّل مسؤوليّة خاصّة لعدم حدوث ذلك مرّة أخرى، وهذا لن يحدث، إنّها الطريق الوحيدة للأمّة التي تسعى إلى إعادة تأهيل نفسها، من دولة قاتلة إلى حليف جدير بغرب ديمقراطيّ".

ونشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، تقريرًا مفصّلًا حول حركات اليمين المتطرّف في ألمانيا. في السادس والعشرين من آب/ أغسطس 2021، حذّرت الاستخبارات الألمانيّة من الشبكات الاجتماعيّة ومجموعات الدردشة الخاصّة التي تجري بين العدد الكبير من الجماعات اليمينيّة المتطرّفة في ألمانيا الشرقيّة، مثل "حزب الطريق الثالث" وهو حزب يعتبر من أحزاب وتجمّعات النازيين الجدد، بالإضافة إلى "السكسونيين الأحرار"، وهي مجموعة صغيرة برزت خلال الاحتجاجات المناهضة للإغلاق أثناء جائحة كورونا، وجماعة "تسوكونفت هيمات"، وهي شبكة تتركّز في ولايتي "براندنبرغ وساكسونيا الشرقيّتين".

وكان رئيس مكتب ولاية تورنغن، ستيفان كرامر، قد وصف الحالة بأنّها "متفجّرة". وأشار المكتب الاتّحاديّ للشرطة الجنائيّة في ألمانيا، في العاشر من أيّار/ مايو 2022، إلى أنّ تنامي اليمين المتطرّف في ألمانيا، سوف يخرج عن السيطرة، إذ تمّ رصد نحو 55 ألف جريمة "ذات دوافع سياسيّة ودينيّة"، بزيادة قدرها 7٪ عن عام 2020.

البديل من أجل ألمانيا (Getty)

هالدينفانج يقول إنّه بدأ يدرك هذا الخطر المتنامي في صفوف اليمين المتطرّف، مع أزمة اللاجئين عام 2015-2016، كان حينها في منصب نائب الرئيس، وأيّد المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، باستقبالها لأكثر من مليون لاجئ، وساندها في الوقت الذي كان عدد من رؤساء الشرطة ووزارة المخابرات، إنّ منصبها يهدّد الأمن القوميّ.

خلال الأعوام السابقة، وصل الحزب اليميني المتطرّف "البديل من أجل ألمانيا" إلى البرلمان، بعد تجاذبات سياسيّة هائلة تعرّض لها الألمان، وكان هذا أوّل حزب من هذا القبيل، يحقّق هذا "الإنجاز" منذ الحقبة النازيّة.

إلى أن تولّى هالدينفانج رئاسة المكتب، كانت تشير تقارير إلى أنّ المؤسّسة السياسيّة في ألمانيا تغضّ الطرف عن اليمين المتطرّف.

وصنّف هالدينفانج العشرات من الجهات الفاعلة في المجموعات اليمينيّة المتطرّفة، من مؤسّسات ومجلّات ومجموعات ومموّلون، على أنّهم يخضعون للمراقبة، وذلك بعد أن عانت ألمانيا من ثلاث هجمات إرهابيّة، حتّى أنّ حزب البديل من أجل ألمانيا، يقع تحت المراقبة، كما تقول وسائل إعلاميّة.

ويقول هالدينفانج، إنّ القوى المناهضة للديمقراطيّة، تحاول تقويضها من خلال استهداف الرموز، العلم والدستور، وحتّى المواقع الرمزيّة، مثل قلعة هامباخ.

وتراقب هيئة حماية الدستور الألماني في ولاية سكسونيا، الحركة اليمينيّة المتطرّفة "بيغيدا"، والتي تُعارض ما تسمّيه "أسلمة الغرب"، ولها ارتباطات بحركات من النازيين الجدد، وسبق أن أعلنت السلطات الألمانيّة أنّ بيغيدا هي حركة متطرّفة، في حين وصفها مسؤولون في جهاز المخابرات، بأنّها أصبحت "غير دستوريّة".

التعليقات