الإسلاموفوبيا وآثارها على السياسة الهندية الخارجية

يُعتبر استخدام مصطلح «رُهاب الإسلام» أو «الإسلاموفوبيا» لوصف الأعمال العدائية ضد المُسلمين في الهند مُضلل، سواء بالعربية أو الإنجليزية، لأنه يوحي أن هذه الأعمال حديثة ووليدة «الحرب على الإرهاب»

الإسلاموفوبيا وآثارها على السياسة الهندية الخارجية

(Getty)

(ترجمة: أنس سمحان)

مقدّمة:

تشهد الهند بين الفينة والأخرى موجات عداءٍ وخطاب كراهية ضد المُسلمين، وتكون في بعض الأحيان مصحوبة بعمليات عُنف ضدهم، ولا ترتبط الحملات المُعادية للإسلام فقط بوصول الحزب الحالي إلى سدة الحُكم، إذ شهدت الهند مع قرار تقسيمها إلى الهند (الهندوسية) وباكستان (المُسلمة) في عام 1949 معارك طائفية بين المُجتمعات المُسلمة والهندوسية وقُدّر عدد القتلى في تلك الفترة بين 200,000 إلى 2 مليون شخص، إلى جانب أنه أجبر أكثر من 14 مليون شخص على ترك منازلهم وأملاكهم من المسلمين والهندوس والسيخ.

تختلف الأسباب والمؤثرات التي تدفع بهذا العنف ضد المسلمين في الهند، إذ ترجع كثير من الأحزاب اليمينية الهندية الأمر إلى فترات ما قبل الاستعمار، وتضع الفتوحات الإسلامية في القرون الوسطى سببًا لها، في حين يشير بعض الباحثين إلى أنه مرتبط بالسياسات التي وضعها المستعمرون البريطانيون في الهند، خصوصًا بعد ثورة الهند عام 1857 (أو ثورة السيبوى) التي تعاون فيها المسلمون والهندوس ضد شركة الهند الشرقية البريطانية. ولا نغفل عن دور قرار التقسيم نفسه في هذه الأحداث.

ازدادت الأوضع سوءًا في القرن العشرين، خصوصًا مع موجات رُهاب الإسلام «الإسلاموفوبيا» القادمة من الغرب، والتي صارت تؤجج الرأي العام العالمي ضد المُسلمين وتشوه صورتهم، وأثَّر ذلك على الأقلية المُسلمة في الهند سلبًا، وزاد من وتيرة أعمال العُنف ضدّهم، خصوصًا مع فوز الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا في الانتخابات التشريعية عام 2014.

يُعتبر استخدام مصطلح «رُهاب الإسلام» أو «الإسلاموفوبيا» لوصف الأعمال العدائية ضد المُسلمين في الهند مُضلل، سواء بالعربية أو الإنجليزية، لأنه يوحي أن هذه الأعمال حديثة ووليدة «الحرب على الإرهاب» التي بدأت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 بقيادة الولايات المُتحدة الأميركية، وتستثني التاريخ الطويل لاضطهاد المسلمين في شبه القارة الهندية.

***

تناولت الأخبار في أبريل/نيسان 2020 نبأ عن تجمع للمسلمين في الهند أدّى إلى تفشي حالات كثيرة لكوفيد-19، إلا أن الموضوع تحول سريعًا إلى وجبة دسمة للتعليقات والأفعال المُعادية للإسلام. وكان في هذا التجمع الآلاف من الدعاة من الداخل والخارج في فعالية لجماعة التبليغ في العاصمة دلهي، وهي حركة دعوية إسلامية[1] عالمية بدأت في الهند قبل حوالي 100 عام. ووصفت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا[2] القومي الهندوسي (BJP) الحاكم بزعامة ناريندرا مودي التجمع وقتها بأنه كان «حدثًا فائق الانتشار»[3] للفايروس.

وانتشرت بعده على وسائل التواصل الاجتماعي الميمات والوسوم المعادية للإسلام، التي تلقي باللوم على جماعة التبليغ في نشر الفايروس، وبثَّت الشبكات الإخبارية عناوين تحريضية مثل «أنقذوا البلاد من جهاد كورونا». واتهمت الهند ما يقرب من ألف شخص ممن حضروا الحدث بتهمة انتهاك بروتوكولات الإغلاق (برأت المحاكم آخر الدعاة المحتجزين بعد ثمانية أشهر، وقالت إنهم «حوكموا كيديًا» بتوجيهات من الحكومة).

مصلّون يؤدون صلاة الجمعة في مسجد في أمريتسار (Getty)

وكان معظم الدُعاة غير الهنديين من إندونيسيا، الشريك التجاري للهند، وليس من المستغرب بعدها أن تعرب إندونيسيا عن انزعاجها من هذه القضية في اجتماعات القمة الإقليمية. وزعم المشرِّعون الهنديون بأن ما حصل كان يستخدم لتلطيخ سمعة المسلمين في الهند ذات الأغلبية الهندوسية. وقال دبلوماسي هندي سابق إن هذا مثال على إستراتيجية «إضفاء الطابع الخارجي» على القضايا الداخلية.

وتمر الهند دبلوماسيًا الآن بأزمة تحاول تنفيس احتقانها بسبب التعليقات الهجومية التي أدلى بها عضوان بارزان في حزب بهاراتيا جاناتا حول النبي محمد، وليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها حزب مودي أو حكومته انتقادات عالمية بسبب مزاعم رُهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا).

وجد النائب تيجاسفي سوريا، عضو حزب بهاراتيا جاناتا، نفسه قبل عامين وسط عاصفة هوجاء عندما انتشرت تغريدة له من عام 2015 عن النساء العربيات مثل النار في الهشيم، حيث أدان رجال أعمال بارزون ومحامون ومعلقون في دبي والكويت تصريحاته (حذف السيد سوريا التغريدة لاحقًا).

وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه في اجتماع عام 2018 إن المواطنين البنغال الذين دخلوا الهند بشكل غير قانوني «متسللون أفنوا بلادنا مثل النمل الأبيض». وأثار ذلك عاصفة أخرى في بنغلاديش ذات الأغلبية المسلمة، حيث وصف وزير كبير تصريح ثاني أقوى زعيم في الهند بأنه «غير مهم وينم عن جهل». ونشر كاتب صحفي بنغالي أن لدى شاه «تاريخ طويل التصريحات البغيضة والمهينة ضد بنغلاديش».

مسجد في سريناغار (Getty)

وقعت في الهند خلال العام الماضي موجة خطاب كراهية عارمة على لسان زعماء هندوس يمينيين متطرفين، يتميزون بارتداء الرداء الزعفراني[4]، ضد المجتمع المسلم البالغ 200 مليون في البلاد. وقد حث بعضهم الهندوس علانية على حمل السلاح وتحدثوا عن الإبادة الجماعية للمسلمين. وأثار الجناح اليميني في الماضي مؤامرة ما يسمى بـ «جهاد الحب»، وهي نظرية مؤامرة لا أساس لها تتهم الرجال المسلمين بتغيير ديانة النساء الهندوسيات إلى الإسلام عن طريق الزواج، وأعدمت عصابات هندوسية متشددة مسلمين مشتبه بهم بتهريب الأبقار وطالبت بمقاطعة منتجات المسلمين وأعمالهم التجارية.

وتعرضت الصحفيات والأخصائيات الاجتماعيات المسلمات على وسائل التواصل الاجتماعي لحملات تصيد شرسة، كما طُرحت النساء المسلمات للبيع في مزادات وهمية على الإنترنت. وزادت شبكات الأخبار الحزبية الطين بلة من خلال استفزاز المشاركين لاتخاذ مواقف متطرفة خلال البرامج الحوارية الحادة. وحافظت حكومة مودي طوال تلك الفترة إما على صمت مدروس أو أنها أبطأت بالرد أو ألقت باللوم على «عناصر هامشية».

وبدى أن ردات الفعل الحكومية المتهاونة قد شجعت الهندوسيين العاديين (غير الفاعلين سياسًا) للدخول إلى الإنترنت والمشاركة في تشويه صورة المسلمين، وكان لهذا الأمر عواقبٌ، حيث طُرد طاهٍ شهير من أصل هندي في عام 2018 كان يعمل في أحد فنادق دبي لنشره تغريدة معادية للإسلام. وعندما بدأ الهنود الذين يعيشون في دبي بنشر تغريدات معادية ضد جماعة التبليغ في عام 2020، غردت سيدة أعمال محلية لها صلات بالعائلة الملكية الحاكمة قائلة: «سيغرَّم أي شخص يتسم بالعنصرية والتمييز في الإمارات العربية المتحدة وسيجبر على المغادرة».

تاج محل (Getty)

ليس من المستغرب هذه المرة أيضًا أن تكون ردود الفعل عنيفة، حيث قدّمت 15 دولة، بما فيها المملكة العربية السعودية وإيران وقطر احتجاجات على التعليقات المسيئة. وصرَّح تلميذ أحمد، السفير الهندي السابق في السعودية وعُمان والإمارات، بأن الإدلاء بتعليقات مهينة ضد النبي كان «تجاوزًا للخط الأحمر».

واضطرت حكومة مودي إلى تعليق عمل المتحدثة الرسمية باسمها بسبب تصريحاتها. وأشار براتاب بهانو ميهتا، المفكر البارز، أن ما حصل كان تذكيرًا للحزب الحاكم بأنه سيكون «لاستهداف الأقليات دون عقاب ولخطاب الكراهية الرسمي تداعيات على سمعة الهند العالمية». ولكن يعتقد العديد من قادة حزب بهاراتيا جاناتا أن الغضب العالمي سيتلاشى قريبًا، وأن الأمور ستعود كما كانت.

لدى الهند علاقة قديمة وعميقة مع دول الخليج، ويعمل حوالي 8.5 مليون هندي في دول الخليج الست التابعة لمجلس التعاون الخليجي، أي أكثر من ضعف عدد الباكستانيين، وهو ثاني أعلى عدد لقوة عاملة مغتربة. كما يشكل الهنود أيضًا أكبر مجتمع للمغتربين في هذه البلدان. ويحوِّلون حوالي 35 مليار دولار سنويًا الى بلادهم على شكل حوالات مالية تدعم 40 مليون فرد من العائلات في ولايات الهند المختلفة والتي تعتبر بعضها الأفقر في الدولة مثل ولاية أتر برديش التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا.

تبلغ قيمة التجارة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي حوالي 87 مليار دولار، ويعتبر العراق أكبر مصدر للنفط إلى الهند، وتليه المملكة العربية السعودية، كمان أكثر من 40٪ من الغاز الطبيعي الهندي يأتي من قطر. ولأجل ذلك جعل رئيس الوزراء مودي العلاقات مع دول الخليج على قائمة أولوياته. ويقول سريناث راغافان، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة أشوكا: «تتمتع الهند بعلاقة مهمة مع دول غرب آسيا فيما يتعلق بأمن الطاقة، ونظرًا لتوظيفها العُمال الهنود وللأموال التي يحولونها إلى البلاد».

يجب على الهند ألَّا ترضى بما يحصل وألا تتجاهله وألّا تصدَّق بأن الأمر الواقع لن يتغير، لأنها طريقة «قصيرة النظر في تقييم الموقف» كما قال الدبلوماسي السابق السيد تلميذ أحمد، مؤلف كتاب «غرب آسيا في حالة حرب»، وأضاف «لقد بنى الهنود لأنفسهم سمعة طيبة في الخليج بوصفهم جماعة غير سياسية تلتزم بالقانون وتتسم بالكفاءة الفنية، أما إذا تواصلت هذه التعليقات المُسيئة، فقد يدفع هذا بأصحاب العمل في الخليج للنأي عن توظيف الهنود.. لماذا يخاطرون بتوظيف متعصب محتمل؟».

يعتقد الخبراء أن حكومة مودي استجابت هذه المرة في وقت متأخر، ولكن بحزم. ويقول الأستاذ راغافان «يبدو أن ثمة إقرارًا بأنه سيكون لمواصلة إثارة مثل هذه القضايا عواقب. لا تنفصل السياسة الداخلية الهندية عن سياستها الخارجية وعلى الحكومة أن تتخذ قرارها: هل ترغب حقًا في تأجيج الشارع الهندي ضد بعضه البعض؟».


إحالات:

[1] جماعة التبليغ أو جماعة التبليغ والدعوة أو جماعة الأحباب، جماعة إسلامية عالمية خصصت نفسها للدعوة والزهد في الدنيا، وتركن إلى أساليب الترغيب العاطفي والروحاني لدعوة الناس إلى الإسلام، وللجماعة أفرع في كثير من الدول العربية والدول ذات الأغلبية المُسلمة.

[2] الحزب الحاكم وواحد من أكبر الأحزاب في الهند، وهو يميني التوجه، وتعكس سياساته موقفًا قوميًا هندوسيًا.

[3] مصطلح من علم الوبائيات ويُشير إلى حدثٍ ينتشر فيه مرض معدٍ بوتيرة أعلى من المُعتاد.

[4] تأتي الإشارة إلى لون الزي الزعفراني لأنه اللون الرسمي للأحزاب القومية الهندسية، ويشير في الاستخدامات السياسية إلى اليمين الهندي المتطرف الدّاعي إلى هند «هندوسية».

التعليقات