طاعون أميركا الداخلي: التعديل الثاني في الدستور

ردّة الفعل على كلّ مذبحة تكون الإنكار والتعتيم من لوبيات السلاح وعملائها السياسيّين. ومن المعروف، أنّ ولايات مثل كاليفورنيا وإلينوي، لديها قوانين صارمة لمراقبة الأسلحة، لكنّ العنف لم يتوقّف

طاعون أميركا الداخلي: التعديل الثاني في الدستور

(Getty)

حوادث إطلاق التي هزّت الولايات المتّحدة الأميركيّة في الأسبوعين الأخيرين، وراح ضحيّتها العشرات، اصطحبت معها الكثير من التجاذبات السياسيّة في مراكز صنع القرار، ما بين مؤيّدين لوضع شروط قاسية على حمل السلاح، ومعارضين يقفون إلى جانب "الرابطة الوطنيّة للأسلحة"، وهي واحدة من أكبر جماعات الضغط في الولايات المتّحدة الأميركيّة التي تدعم الحريّة في الحقّ في امتلاك السلاح وحمله، في ظلّ مقتل 11 شخصًا شرقيّ لوس أنجلس، ومقتل طالبين في هجوم على مدرسة في مدينة دي موين، ومقتل 7 قتلى في شمال كاليفورنيا.

في تقرير نشرته صحيفة "نيويوركر"، وحسب أرقام نشرتها المجموعة البحثيّة "أرشيف عنف السلاح"، فإنّه في عام 2022، كان هناك بالفعل 38 حادث إطلاق نار جماعي، وذلك في 17 ولاية مختلفة على طول الولايات المتّحدة. وقالت المجموعة البحثيّة، إنّ المذبحة التي وقعت في أستوديو ستار بولروم في مونتيري بارك، هي الأكثر دمويّة حتّى الآن.

وتأخذ المجموعة البحثيّة بعين الاعتبار في أرشيف عنف الأسلحة، أنّ إطلاق النار الجماعي قد يأتي في أشكال مختلفة، مثل الهجمات على زملاء العمل مثلًا، أو عنف العصابات، أو العنف المنزلي… وهو ما يحدّده مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، إن كانت هذه الجرائم أعمالًا فرديّة، أو لتحقيق أهداف أيدلوجيّة…

وقال أندرو مكابي، نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي "الشيء الذي يربط بين العديد من عمليّات إطلاق النار هو توافر الأسلحة الفتّاكة".

وقالت الصحيفة، إنّ ردّة الفعل على كلّ مذبحة تكون الإنكار والتعتيم من لوبيات السلاح وعملائها السياسيّين. ومن المعروف، أنّ ولايات مثل كاليفورنيا وإلينوي، لديها قوانين صارمة لمراقبة الأسلحة، لكنّ العنف لم يتوقّف، ومعظم السلاح الذي استخدم في هاتين الولايتين، جاء من ولايات لا تتشدّد بقوانين حمل السلاح.

وقفة احتجاجية ضدّ جرائم القتل. مونتيري بارك، كاليفورنيا (Getty)

في حزيران/ يونيو الماضي، وبعد أن قتل طالب 19 طفلًا صغيرًا في مدرسة في تكساس، أقرّ الكونغرس لأوّل مرّة، تشريعًا للأسلحة الناريّة، من الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي، والذي يفرض فحص الخلفيّة لمشتري الأسلحة، لكن هذه "الإصلاحات" لم تكن كافية لمعالجة المشكلة الحقيقيّة، وفي استطلاع أجرته مؤسّسة "بيو" للأبحاث، قال 78٪ من المستطلعة آراؤهم، إنّ القانون الجديد لن يحقّق أيّ تغيير.

والعام الماضي، حطّمت إدارة أمن المواصلات الأميركيّة الرقم القياسي، لأكبر عدد من الأسلحة الناريّة التي صادرتها، في 262 مطارًا مختلفًا، حيث عثرت على 6542 بندقيّة في حقائب المسافرين، وهو ما يشكّل ارتفاعًا عن العام الذي سبقه عن 5972 قطعة، وكانت صحيفة "ذا هيل" نشرت تقريرًا صحافيًّا قالت فيه إنّه تمّ العثور على أكبر عدد من الأسلحة في مطارات المدن الكبرى، وفي المقدّمة كان مطار هارتسفليد أتلانتا في جورجيا، حيث تمّت مصادرة 448 سلاحًا من المسافرين، ويليه مطار دالاس في تكساس برصيد 385 سلاحًا، ومطار جورج بوش في هيوستن، جاء في المركز الثالث برصيد 298 سلاحًا.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، قد وقّع تشريعًا فيدراليًا ضدّ عنف السلاح، وزيادة صلاحيّات سحب الأسلحة من الأشخاص الذين قد يشكّلون خطرًا ما، والزيادة كذلك في عمليّات البحث والتدقيق في خلفيّات حاملي الأسلحة.

وقال الكاتب في "نيويوركر"، إنّ من وضعوا الدستور الأميركي، لم يتوقّعوا أنّ التعديل الثاني في الدستور، الذي يتيح حيازة السلاح لأجل الدفاع عن النفس، سيتحوّل إلى هذه الفوضى، لأنّ الغرض من التعديل، هو السماح بأسلحة بسيطة، وليس هذه الأسلحة الحديثة الفتّاكة، ويشدّد جمهوريّون وديمقراطيّون، على أنّ الخطوة المطلوبة بشكل عاجل، حظر الأسلحة الهجوميّة.

وقالت صحيفة واشنطن بوست الأميركيّة، أنّ الأدلّة تشير إلى أنّ قوانين حيازة الأسلحة في كاليفورنيا، ساعدت في الحدّ من عنف السلاح، إذ تحتلّ الولاية المركز السابع في معدلات الوفيّات الناتجة عن الأسلحة.

وقالت صحيفة "نيويوركر"، إنّ أهمّ الدروس في عمليّات إطلاق النار الجماعيّة، أنّ كلّ حادث هو حادث فرديّ، يتضمّن ظروفًا ودوافع مختلفة، يجب أن نكون حريصين على إدراك ذلك، يجب ألا تغيب عن بالنا حقيقة أنّ كلّ هذه المآسي تحدث في ثقافة سهّلت بيع الأسلحة الفتّاكة من أجل الربح، ممّا يجعل من السهل الحصول عليها… وما لم تتغيّر هذه البيئة، فالمذبحة مستمرّة".

التعليقات