المعركة السياسية في فرنسا تستمر بعد تمرير قانون التقاعد بالقوة

اعتبرت صحيفة "لوموند" أن تمرير المشروع بالقوة "كاشفٌ لعزلة إيمانويل ماكرون". وقالت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية إنّ "بقية فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات ستواجه عقبات بصورة دائمة". من جهته، تحدث الأمين العام لـ"الكونفدرالية الفرنسية الديموقراطية للعمل" لوران برجيه عن "غرق".

المعركة السياسية في فرنسا تستمر بعد تمرير قانون التقاعد بالقوة

(Getty Images)

أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، اليوم الجمعة، اعتقال 310 أشخاص، "بهدف استجوابهم على هامش مظاهرة مفاجئة ضد مشروع قانون إصلاح التقاعد".

يأتي ذلك فيما تشتدّ المعارضة في وجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وحكومته غداة تمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد بالقوة، مع استعداد أحزاب المعارضة لتقديم مذكرات بحجب الثقة، وبينما يتصاعد الغضب في الشارع.

وخرج الآلاف إلى شوارع عدة مدن فرنسية احتجاجًا على استخدام الحكومة المادة الدستورية 49.3 لتمرير قانون إصلاح نظام التقاعد مساء الخميس، في مظاهرات عفوية.

وأكد دارمانين، في تصريحات لإذاعة RTL الفرنسية، أنه "تم توقيف 258 شخصًا خلال مظاهرة مفاجئة في الكونكورد، أكبر ساحات باريس".

وأشار الوزير الفرنسي إلى أن "إجمالي عدد الأشخاص الذين تم توقيفهم على هامش الاحتجاجات في عموم البلاد وصل 310 أشخاص".

وتسبّبت الإضرابات المستمرّة منذ عدّة أيام في قطاعات الطاقة والموانئ وجمع النفايات في إحداث اضطرابات، فيما قد تحدث المزيد من الاضطرابات اليوم الجمعة.

والخميس، أقرت الحكومة الفرنسية بموافقة الرئيس، إيمانويل ماكرون، مشروع قانون إصلاح سن التقاعد، دون إحالة المسودة النهائية للتصويت في الجمعية الوطنية (البرلمان).

وأعلنت رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، في خطاب بالبرلمان، اعتماد المادة الدستورية 49.3 التي تتيح للحكومة التصديق على القوانين دون تصويت برلماني، حسبما نقلت شبكة "بي إف إم" التلفزيونية الفرنسية.

وفقًا لبورن، فإن قرار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور اتخذ "بالتوافق" بين الحكومة ورئيس الدولة. غير أنّه يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه انتكاسة لماكرون بعد عدّة أسابيع من المحادثات مع الأحزاب السياسية والنقابات.

وجاء القرار الحكومي في أعقاب تصديق مجلس الشيوخ الفرنسي ذي الأغلبية اليمينية، صباح الخميس، على نص التسوية لإصلاح نظام التقاعد الذي يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، في جلسة استمرت ساعة و45 دقيقة.

وتبنى النص 193 صوتا مقابل رفض 114 صوتا.

وكان من المفترض إحالة النسخة النهائية لمشروع القانون إلى البرلمان، بعد ظهر اليوم، إلا أن تقارير إعلامية تحدثت عن خوف ماكرون من عدم حصول المشروع على الأغلبية الكافية.

ولا يملك الفريق الرئاسي الأغلبية المطلقة في البرلمان.

وفي السياق، عزا ماكرون خلال جلسة عقدها مع عدد من الوزراء والسياسيين، الخميس، تمرير قانون التقاعد دون تصويت برلماني إلى "المخاطر المالية والاقتصادية الكبيرة" التي تواجهها فرنسا.

المعارضة تدفع إلى أزمة سياسية

ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور لتبنّي مشروع القانون من دون تصويت في الجمعية الوطنية، نكسة بالنسبة إلى ماكرون، الذي رَهَن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح جاعلا، منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.

وبعد إجراء الحكومة لتبني الإصلاح بالقوة، سيسعى المعارضون إلى دفع السلطة التنفيذية إلى أزمة سياسية.

ومن المرجّح أن تقدم ثلاث تشكيلات مذكرات بحجب الثقة قبل انتهاء المهلة في منتصف بعد الظهر، هي "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف وائتلاف الأحزاب اليسارية "نوبيس" ومجموعة وسطية صغيرة منشقّة.

وسيتمّ التصويت عليها بعد 48 ساعة على الأقل، وعلى الأرجح الإثنين.

ومن أجل إسقاط الحكومة، ينبغي أن تجمع غالبية مطلقة من النواب. ويبدو ذلك صعب التحقيق، في ظل الغالبية النسبية التي يملكها الائتلاف الحكومي، بينما أكد حزب "الجمهوريين" اليميني الذي يلعب دورًا محوريًا، أنه لن يصوّت لصالح أي منها.

ولكن بعض نواب "الجمهوريين" المتمرّدين قد يخرجون عن خط الإجماع الرسمي على مستوى حزبهم.

وقال النائب عن "الجمهوريين"، أوريليان برادييه، لقناة "بي إف إم تي في"، إنه "نواجه مشكلة ديمقراطية لأنّ هذا النص الذي سيغيّر حياة الفرنسيين، سيتمّ تبنّيه من دون أن يجري أدنى تصويت في الجمعية الوطنية".

وأضاف "على الكل أن يقدّر خطورة الوضع وخطر القطيعة الديموقراطيةيالذي تواجهه بلادنا".

بدورها، ستسعى النقابات إلى بثّ روح جديدة في التظاهرات والإضرابات التي تؤثر على حياة الفرنسيين منذ منتصف كانون الثاني/يناير، والتي بدأ زخمها يتراجع.

ودعت النقابات إلى تجمّعات الجمعة وخلال نهاية الأسبوع، إضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس في 23 آذار/مارس.

وندّدت بتمرير مشروع القانون بـ"القوة"، مشيرة إلى "المسؤولية التي تتحمّلها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار، وهو إنكار حقيقي للديموقراطية".

واعتبرت صحيفة "لوموند" أن تمرير المشروع بالقوة "كاشفٌ لعزلة إيمانويل ماكرون". وقالت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية إنّ "بقية فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات ستواجه عقبات بصورة دائمة". من جهته، تحدث الأمين العام لـ"الكونفدرالية الفرنسية الديموقراطية للعمل" لوران برجيه عن "غرق".

حتّى أنّ مسؤولاً في المجموعة الرئاسية في الجمعية الوطنية اعتبر أنّ "هذا تحطّم". وأضاف مشترطاً عدم الكشف عن هويته "يجب حلّ" الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.

التعليقات