خاص || انتخابات تركيا: مشاهد من إسطنبول

تملأ واحدة من لافتات الدعاية الانتخابية لمرشح المعارضة كمال كليجدار شوارع وواجهات مدينة إسطنبول تقول بالتركية ما معناه حرفيا "السوريون سيرحلون"، في عنصرية واضحة كمال الوضوح التي اعتبرتها المعارضة واحدة من أجندة دعايتها الانتخابية لهذه الدورة.

خاص || انتخابات تركيا: مشاهد من إسطنبول

شارع الاستقلال في إسطنبول (Getty images)

منذ يومين وإسطنبول المدينة الأم في تركيا ساكنة تبدو وكأن الانتخابات قد حُسمت فيها من الجولة الأولى، بشقيّها البرلماني والرئاسي، منذ 14 أيار/ مايو الماضي. إذ يخيّم الهدوء في اليومين الأخيرين على ميدان تقسيم وشارع الاستقلال على الرغم من ازدحام الأتراك والعرب وبعض السيّاح فيهما، منذ ساعات الصباح وحتى ساعات متأخرة من بعد منتصف الليل. ومع ذلك، لا لافتات ولا شعارات ولا هتافات ولا حتى صورا لمرشحيّ الرئاسة اللذين يتنافسان، اليوم الأحد، على توسم كرسي قيادة البلاد في انتخابات يعتبرها الأتراك الأكثر مصيرية في تاريخ جمهوريتهم.

عشرون عاما ونيف يحكم إردوغان البلاد. في سن التاسعة والستين يخوض هذه الانتخابات وسط استقطاب سياسي حاد، وكأنه استفتاء على نهجه، لكن خبرته في إدارة البلاد يبدو أنها سترجح الكفة لصالحه على الرغم من إخفاقات سياسته الاقتصادية والهبوط المستمر في سعر الليرة. تقرأ في وكالات الأنباء الغربية أن المستثمرين قلقون من فوزه، فيما يبدو أن المواطن التركي بات قلقا أكثر من خسارته لما حققه من نهضة في البلاد ليعتبر المؤسس الثاني للجمهورية التركية.

إذن هو صمت، لا علاقة له بصمت الدعاية الانتخابية الذي يشترطه القانون الانتخابي التركي لآخر 24 ساعة من قبل فتح صناديق الاقتراع.

في حديثنا، مساء أمس السبت، مع أحد النادلين السوريين العاملين في واحد من مقاهي ميدان تقسيم، يقول: "في اللحظة التي يبدو فيها ميدان تقسيم وشارع الاستقلال في الليلة السابقة على يوم الانتخابات شبه خاليين من الشرطة وقوات الأمن، فهذا يعني أن نتيجة الانتخابات قد باتت محسومة سلفا" في إحالة إلى حتمية فوز الرئيس الحالي، إردوغان، فيها. ومع ذلك يظل الصندوق هو الصندوق، الذي قال عنه أهلنا بعاميّتهم الفلسطينية "الصندوق قهر إلّي صنعه" أي حتى صانعه لا يعرف ما في داخله، في إشارة إلى مفاجآته التي قد تأت على خلاف التوقعات والتقديرات.

إذ هناك، من يحذّر من هذا التسليم المسبق بنتيجة الانتخابات وحتمية فوز إردوغان فيها، حيث يقود التسليم إلى الركون والقنوط في كثير من الأحيان، والذي لا يخدم بالضرورة المرشح المتوقع فوزه. خصوصا وأن نسبة التصويت والإقبال على صناديق الاقتراع ما تزال حتى الساعة الثانية عشر من ظهر اليوم منخفضة بحسب إحصائيات سجلات دفاتر الناخبين التركية.

أما عن المرشحيّن المتنافسين على كرسي رئاسة البلاد، حيث يواجه مرشح تحالف "الجمهور" والرئيس الحالي، رجب طيب إردوغان، منافسه مرشح تحالف "الأمة"، كمال كليجدار أوغلو، في جولة ثانية بعد أن انتهت الجولة الأولى، يوم الأحد 14 أيار/ مايو، دون أن يتمكن أي مرشح من المرشحين الثلاثة على رئاسة الجمهورية من عبور نسبة الحسم فيها، والتي تشترط بحسب القانون الانتخابي التركي بالحصول على نسبة 50% + 1، علما بأن الرئيس الحالي إردوغان قد حصل على نسبة 49.51% من الأصوات، بينما حصل مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو على نسبة 44.89% من الأصوات. أما المرشح الثالث سنان أوغان، فقد حصل فيها على نسبة 5.17%. وأعلن هذا الأخير دعمه لإردوغان في جولة الإعادة، بعد خروجه من سباق التنافس على رئاسة الجمهورية.

وبينما تشهد مدينة إسطنبول هدوءًا يستبطنه التوتر، منذ صباح اليوم وحتى هذه الساعات، إلا أن الرئيس الحالي والمرشح المتوقع بحسب التقديرات فوزه الليلة، إردوغان، قام منذ ساعات صباح اليوم بعدة زيارات في مدينة إسطنبول، منها زيارة إلى ضريح مهندس الإسلام السياسي في تركيا "نجم الدين أربكان" في مقبرة مركز أفندي في حي زيتون بورنو في إسطنبول. ومن ثم زيارة أخرى إلى ضريح "عدنان مندريس" الرئيس التركي السابق الذي أُعدم على إثر الانقلاب العسكري الذي جرى يوم 27 أيار 1960، في حمولة مثقلة بالرمزية والرسائل السياسية أراد منها إردوغان تذكير الأتراك عموما، ومناصريه خصوصا، بمن يكونوا معارضيه ومنافسيه اليوم وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري ومرشحه للرئاسة كمال كليجدار أوغلو سليل الإرث الأتاتوركي والتيار الانقلابي في ذاكرة البلاد السياسية. كما لم ينس إردوغان زيارة وتقبيل يديّ إحدى النساء المسنات في حي طفولته قاسم باشا الفقير في إسطنبول، في رسائل يحاول فيها الرئيس الحالي استنفار قواعده والأتراك عموما استنفارا لا يخلو من الصور العاطفية من سيرة الرجل ودوره في المخيال السياسي التركي.

بينما تملأ واحدة من لافتات الدعاية الانتخابية لمرشح المعارضة كمال كليجدار شوارع وواجهات مدينة إسطنبول تقول بالتركية ما معناه حرفيا "السوريون سيرحلون"، في عنصرية واضحة كمال الوضوح التي اعتبرتها المعارضة واحدة من أجندة دعايتها الانتخابية لهذه الدورة، إذ تبشر الأتراك بتخليصهم من السوريين والعرب المقيمين في تركيا عموما.

والغريب في الأمر أن هذه اللافتة معلقة على أبواب بعض مدارس الطلاب في المدينة، وتحديدا في الأحياء التي يُقيم فيها السوريون، مما يدفعنا ذلك اليوم ونحن ننظر في وجوه وعيون أبناء جلدتنا من العرب والسوريين القلقة في المدينة، إلى سؤال بسيط مفاده: ما هو شعور السوري عند إيصاله أولاده إلى مدرسة صباحا مكتوب على بابها "السوريون سيرحلون"؟

يقول مواطن تركي في إسطنبول قبل يوم من الانتخابات وبحماسة وفرح إن إردوغان أمير، ويؤشر بحركة بيديه بأن الانتخابات حسمت لصالحه. اللافت أنه قال عن إردوغان بأنه أمير وليس خليفة، فتركيا في زمن إردوغان تصالحت مع هويتها الحديثة، تفتخر بإرثها العثماني، لكنها تفتخر أكثر بديمقراطيتها.

ساعات قليلة وسيحسم الصندوق في انتخابات ديمقراطية في دولة شرقية مسلمة تجعلك تتساءل لماذا تحرم الدول العربية منها، وبات جزء كبير من أهلها مشتتا ولاجئا هنا.

التعليقات