وقائع اللجوء السوري في تركيا

فرضت أنقرة منذ الثّامن من كانون الثّاني/يناير الجاري تأشيرة دخول على السّوريّين الرّاغبين في الدّخول إلى البلاد، بعد أن كانت تركيا البلد الأخير الذي من الممكن أن يتوجّه إليه السّوريّ هربًا من أتون الحرب في البلاد.

وقائع اللجوء السوري في تركيا

وقائع اللجوء السوري في تركيا

فرضت أنقرة منذ الثّامن من كانون الثّاني/يناير الجاري تأشيرة دخول على السّوريّين الرّاغبين في الدّخول إلى البلاد، بعد أن كانت تركيا البلد الأخير الذي من الممكن أن يتوجّه إليه السّوريّ هربًا من أتون الحرب في البلاد. القرار ترك أعباءً جديدة على السّوريين داخل سوريا، وعلى المتواجدين بالفعل على الأراضي التركية.

النّاطق باسم وزارة الخارجيّة التركيّة، طانجو بيلغيج،  قال في مؤتمر صحافيّ في أنقرة، إنّ فرض التّأشيرة على السّوريّين القادمين من دول أخرى 'ينبع من ضرورة تنظيم الهجرة غير النّظاميّة' التي تنطلق من السّواحل التّركيّة باتجاه اليونان. وليسبق بذلك الإجراء التركي موعد تطبيق الاتّفاق التّركي الأوروبيّ حول وقف الهجرة نهائيًا في الأوّل من حزيران القادم.

في نصّ القرار، سمح للسوريّ القادم من سوريا مباشرة ألّا يحصل على تأشيرة دخول، وحدّدت نقطة الدّخول عبر المعابر البريّة والجويّة، علمًا أنّ السّلطات التركية تغلق معابرها البرية مع سوريا منذ أكثر من عام ونصف العام بوجه الرّاغبين في الدخول، ليبقى الحلّ الوحيد هو السّفر جوًّا من دمشق إلى تركيا مباشرة، وهو الأمر المستحيل منذ بدء الثّورة في سوريا، إذ توقّفت الرّحلات الجويّة المباشرة بين البلدين منذ حزيران 2011.

هنا دمشق

من مطار دمشق إلى اسطنبول، يمرّ السّوريّ عبر بيروت، ليحطّ المسافرون بمطار رفيق الحريري في العاصمة اللبنانيّة، فيستبدلون الطائرة السورية بأخرى تركية، دون تأشيرة دخول إلى لبنان. مع هذا، رفضت أنقرة السّماح لأكثر من 400 سوري بدخول تركيا في السّاعات الأولى من يوم التاسع من هذا كانون الثّاني/يناير الجاري، وطلبت منهم تأشيرة دخول، مع أنهم ووفق القانون، قادمون مباشرة من سوريا، ليعودوا أدراجهم باتجاه الداخل السوري، بعد أكثر من 12 ساعة من الانتظار في المطار.

يشعر عدد كبير من سكّان العاصمة السّورية، ممّن كانوا يخطّطون للمغادرة، سواءً إلى أوروبا أو إلى تركيا فقط، أنّهم باتوا في سجن كبير، إذ يُعقّد لبنان دخول السّوريين إليه، إلا إن كان يمتلك بطاقة طائرة. واليوم يحتاج السّوريّ الرّاغب بالتّوجّه إلى تركيا، لموعد في السّفارة التركيّة في بيروت، ليقدم طلبًا يمنح بموجبه تأشيرة الدخول، وهي عملية يرى كثير من السوريّين أنّها معقّدة وستتعطّل في كثير من مراحلها. فحين كان الدّخول إلى تركيا بلا تأشيرة، كان السّوريّ يقضى ساعات طويلة على المعبر اللبنانيّ 'المصنع' حتى يتمكّن من الوصول إلى مطار رفيق الحريري في بيروت.

في إسطنبول

في سوريا، وقبل يوم الثامن من كانون الثاني، وصل سعر تذكرة الطّائرة من دمشق عبر بيروت إلى اسطنبول، لحدود نصف مليون ليرة سورية (ما يعادل 800 دولار)، شركات الطّيران اللبنانيّة والتّركيّة زادت من رحلاتها نتيجة الضّغط الكبير الذي أحدثه قرار فرض التّأشيرة، تقول مصادر إعلاميّة تركيّة، إنّ أكثر من 200 ألف سوريّ وصلوا اسطنبول في الفترة الواقعة بين الرابع والعشرين من كانون الأول، يوم إعلان خبر التّأشيرة، ويوم الثّامن من كانون الثاني، يوم تطبيق القرار.

نسبة كبيرة من الواصلين الجدد، هم من الشّبّان الذي تتراوح أعمارهم بين الثّامنة عشرة والخامسة والعشرين، ممّن قرّروا المغادرة باتجاه تركيا بلا أيّ خطّة واضحة، هربًا من الالتحاق بالقوّات النّظاميّة السّوريّة. بعضهم ترك الجامعة والعمل، محمد الذي التقاه موقع عرب48 في اسطنبول  يقول: 'غادرت مسرعًا، ولم أودّع أحدًا، كان عليّ الخروج من البلاد بأقصى سرعة، هنا في تركيا لا أعرف أحدًا، أقيم الآن في سكن للشباب، وأبحث عن عمل، لا أعرف ما الذي سأفعله إذا انتهى ما معي من مال'.

محمد ليس الوحيد الذي وصل تركيا ليجد نفسه في حي أكسراي، يبحث عن أيّ عمل يؤمّن له سكنًا وطعامًا، مثله العشرات في المدينة التركية. بسّام يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، انشقّ عن جيش النّظام بأكثر الطّرق خطرًا، يقول لعرب48 إنّه استخدم جواز سفر ساري الصّلاحيّة تابع لشابّ آخر من أبناء جيله، لا يزال في سوريا، وذلك مقابل مبلغ مالي: 'حملت جواز سفره، هو شابّ أسمر، وأنا أميل للبياض، استخدمت كريمًا لأجعل بشرتي داكنة، في مطار دمشق لم يدقّق أحد على الصّورة، دخلت مطار رفيق الحريري، وفيه نظر موظف الهجرة طويلاً وقارن بيني وبين الصّورة على جواز السفر، أكثر من ربع ساعة وهو ينظر دون أن ينطق بكلمة، كادت أعصابي أن تنهار، لكنه تركني أستقلّ الطّائرة في النّهاية'.

عامر، اضطرّ على الفور لإحضار زوجته الحامل من دمشق لاسطنبول، مع أنّه لم يجد عملاً بعد، إذ يقول إنّه خشي ألّا يراها أبدًا، ولا يرى ابنه، في حال مرّ الثّامن من كانون الثاني وبقيت هي في سوريا، وهو لا يعرف الآن كيف ستعيش العائلة التي تنتظر مولودًا، لكنّه يشعر بأن قراره كان سليمًا.

مع تطبيق القرار، باتت العائلات السّوريّة التي تقيم في اسطنبول مقطّعة الأوصال، ففيما كانت أمّهات وآباء يقصدون اسطنبول بغرض زيارة أبنائهم الهاربين من النّظام السّوريّ بكل سهولة، أصبح الأمر معقّدًا أمامهم الآن، كحال فاتن التي لا يزال والدها في سوريا، واعتاد أن يلتقي بها كلّ صيف في اسطنبول، بينما لم ير محمود والدته منذ ثلاث سنوات، وكان يخطّط للقائها هذا الصّيف في غازي عنتاب، اليوم فقد محمود أيّ أمل في لقاء والدته في المستقبل القريب.

 

 

 

 

 

التعليقات