الباحث السوري حمزة المصطفى: مصير الهدنة يتعلّق بأميركا وروسيا

نزول السوريين إلى الشوارع يؤكد أن الثورة السلمية لن تنتهي، وأنها قد تخبو حينا لتندفع بعده بقوة، وأنهم لم يملوا ثورتهم، ولا زالوا يتمسكون بها، ويؤمنون بعدالتها حتى تحقيق أهدافها بإقامة دولة العدالة والحرية والديمقراطية

الباحث السوري حمزة المصطفى: مصير الهدنة يتعلّق بأميركا وروسيا

في مقابلة خاصة بموقع عــ48ـرب، قال الباحث السوري في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حمزة المصطفى، إن الثورة السورية أسقطت النظام في الربع الأول من العام 2012، وأنه لم يعد قادرا على القيام بعمليات عسكرية بدون حلفائه.

واعتبر الباحث أن الهدنة في سورية ستبقى قائمة ما دامت ترغب الولايات المتحدة وروسيا باستمراريتها، رغم ما تنطوي عليه من مخاطر أو فرص.

وأشار حمزة المصطفى إلى أن نزول السوريين إلى الشوارع فور إعلان الهدنة يؤكد أن الثورة السلمية لن تنتهي، وأنها قد تخبو حينا لتندفع بعده بقوة، وأن السوريين لم يملوا ثورتهم، ولا زالوا يتمسكون بها، ويؤمنون بعدالتها حتى تحقيق أهدافها بإقامة دولة العدالة والحرية والديمقراطية.

ما هو تقييمك للهدنة، وما هو أفق الهدنة؟

بادئ ذي بدء رسخت الهدنة نفسها باعتبارها واقعا موضوعيا يصعب تجاوزه على الرغم من الخروقات المتكررة لسبب وحيد أنها تمثل التوافق الوحيد الصلب بين الدولتين الراعيتين للمسار السياسي في سورية، وقد استطاعت هاتان الدولتان، على الأقل في الأشهر الست الأخيرة، احتكار العمل الدبلوماسي في الملف السوري، وإبعاد الأطراف الإقليمية الأخرى المؤيدة لأطراف الصراع.

أيّا يكن فإن الهدنة تعد ناجحة بالمقاييس التي صيغت فيها. ويجب الإشارة إلى مسألة هامة وهي أن بنود الهدنة فسحت المجال لاختراقها وبالتالي لا تعبر الخروقات والتي تأتي بأغلبيتها من النظام وحلفائه عن رفض الهدنة أو الانقلاب عليها بمقدار ما تعبر عن التزام الأطراف التي قبلتها بتخفيض مستوى العنف والقتال في سورية بشكل يسمح بإعطاء فرصة للمفاوضات السياسية المزمع استئنافها قريبا.

من جهة أخرى وبخلاف ما أشيع عنها فإن الهدنة غير مقيدة بسقف زمني بل مفتوحة إلى إشعار آخر حتى استنفاد كافة الوسائل الرامية إلى حل الصراع سلميا. وما يساعد في إدامة الهدنة هي حالة الإنهاك التي تصيب غالبية أطراف الصراع والتي وصلت إلى درجتها القصوى خلال الأشهر الأخيرة إذ يفتقد النظام العنصر البشري اللازم لاستمرار عملياته، ويعتمد بشكل أكبر على الميليشيات وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وهذا ما يقلص من مساحات سيطرته لحساب تلك الميليشيات كما يجري في الزبداني وجنوب دمشق، في حين أن المعارضة المسلحة على اختلاف فصائل تعرضت لخسائر بشرية كبيرة بسبب التدخل الروسي.

وبناء عليه يرى الجميع أن الهدنة تمثل فرصة لاستعادة الأنفاس وتحصين الدفاعات وإعادة العلاقة مع الحاضنة الشعبية التي تضررت كثيرا في مصالحها الاقتصادية نتيجة استمرار العملية القتاليّة. وهذا ما يدفعنا للقول إن الهدنة ستبقى قائمة ما دامت الولايات المتحدة وروسيا راغبتين في استمراريتها، وهو ما يعني أن الحرب السورية ولأول مرة أصبحت مضبوطة دوليا وهذا ينطوي على مخاطر جمة وفي ذات الوقت يحمل في طياته فرصا لتهيئة الأوضاع نحو الحل السياسي.

كيف ترى عودة المظاهرات فور إعلان الهدنة؟

فاجأ الشعب السوري بشرائحه المؤيدة للثورة الجميع بما فيهم أكثر المتفائلين، فالمنطق يقول إن السوريين ملوا الثورة لأن ثورتهم هي الوحيدة دون منجز سياسي صريح حتى الآن، أو على الأقل سلموا أمرهم لسيرورة العمل المسلح حيث يطغى صوت البنادق على ما سواها، كما سادت خلال السنة الأخيرة موجة إحباط كبيرة بسبب شيوع السواد في المناطق التي يسميها المعارضون 'محررة' بسبب حضور فصائل سلفية جهادية منها مرتبط بالقاعدة ومنها وطني لا تلتقي مع الثورة إلا بهدفها الأخير المتمثل بإسقاط النظام، وقد تولى هؤلاء بإستراتيجية ناعمة وخشنة محاولة وأد الصورة الملونة للثورة وتحويلها إلى 'جهاد' ديني.

لكن حراك الجمعة الأخيرة أسقط كل الانطباعات والتوقعات فقد سجلنا كمتابعين ونشطاء خروج نحو 104 نقطة تظاهر على أقل تقدير، وجميع هذه المظاهرات خرجت بتنظيم من النشطاء المدنيين الذين اختفوا من صورة التغطية، وانغمسوا في المجتمع يتدبرون احتياجاته ومطالبه المدنية، كما وللمرة الأولى ربما منذ سنوات خرجت تحت راية هي 'علم الثورة'، ولم يسجل رفع أي راية فصائلية خارجها، واستعاد المتظاهرون الشعار الرئيس ألا هو 'الشعب يريد إسقاط النظام' والأغاني والهتافات الأولى في مشهد أكد أن الثورة السلمية لا يمكن أن تنتهي؛ قد تخبو حينا لكنها تعود باندفاعة قويّة بمجرد توافر نسبة معينة من الأمان الشخصي، وهذا إن دل على شيء فإنه يؤشر إلى تمسك السوريين بخيار الثورة، وإيمانهم بعدالتها وضرورة استمرارها حتى تحقق أهدافها بإقامة دولة الحرية والعدالة والديمقراطيّة.

وبمقدار ما وجهت المظاهرات رسائل قاسية للنظام وحلفائه، وأوضحت فشلهم في كسر إرادة السوريين في استمرار حراكهم ونضالهم، فإنها بالمقدار نفسه وجهت رسائل إلى فصائل جهادية وإسلامية مؤداها؛ أن هذه الثورة لم تنطلق لاستبدال استبداد عسكرتاري باستبداد ديني، وأن الشعب السوري المعروف بوسطيته وانفتاحه لا يفضل ثورة الموت أو جهاد النخب، بل إن فسلفته حول الموت هو من أجل توفير حياة سعيدة حرة ضمن المفهوم الوطني لا الطروحات الأممية الدينية.

وجدير بالذكر أن قوات النظام أعادت قصف المناطق التي خرجت فيها المظاهرات للتذكير بأن خيار العنف ما يزال قائما، كما قامت جبهة النصرة وبعض الفصائل الأخرى باعتقال نشطاء بتهمة الترويج لدولة علمانية قبل أن تطلق سراحهم بضغط من الشارع السوري.

استعادت المظاهرات مشهد الثورة الأولى، وسوف تتوسع وتستمر في يوم الجمعة المقبل، بل ثمة نشاط محموم من قبل الجميع لاستعادة زخمها في مختلف المناطق التي يستطيع المرء التعبير عن ذاته بحرية.

هل النظام في أفضل حال؟

إن النشوة السائدة لدى أنصار النظام هي شعور وهمي يفتقد مقوماته الصلبة، ويكتنف قلق داخليّ لا تبرز الصورة معالمه لكننا نراه في متابعتنا لتفاصيل الحياة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. باختصار الثورة أسقطت النظام في الربع الأول من عام 2012، وهذا ليس كلام دعائي لرفع المعنويات بل حديث خصوم الثورة، إذ لم يبق أحد إلا وذكر النظام بأن تدخله هو الذي أنقده من السقوط. حديث ذلك مع أمين عام حزب الله، والمسؤولين الإيرانيين، بل أيضا مع قادة الميليشيات العراقية، وأخيرا في التصريحات الروسية ولعل أبرزها تصريح المندوب الروسي في مجلس الأمن تشوركين الذي طلب من الأسد التمحيص بالواقع جيدا، ومعرفة الحجم والإمكانيات والاستماع إلى نصالح وتوجيهات موسكو.

حتى الآن لا يستطيع النظام القيام بأي عملية عسكريّة منفردا، أو يلعب فيها الدور الرئيس، بل تحولت قواته إلى ذراع مساند للميليشيات الأخرى، وسأضرب أمثلة سريعة على ذلك، فخلال هجوم حلب الأخير خرجت في وسائل الإعلام صورة لعدد قتلى المواجهات وكانت المفاجأة أن قتيلا واحد لف بالعلم السوري 'القديم' في حين أن القتلى الآخرون لفوا براية فصائلهم؛ حزب الله، فاطميون، حركة النجباء، جعفر الصادق، بدر، ...إلخ.

كما لم يستطع التلفزيون السوريّ عند دخوله قرية نبل والزهراء برفقة القوات المهاجمة إجراء مقابلة تلفزيونية مع الجنود لأن الجنود الأفغان لا يتكلمون العربية وأشكالهم واضحة جدا لا تخطئها العين. أكثر من ذلك، حاول النظام متسلحا بنشوة الإنجازات الأخيرة بدء عملية في الغوطة الشرقية منفردا، فكان الجواب بخسارة نحو مئة مقاتل خلال ساعات وانسحاب جميع قواته.

يدرك أنصار النظام جيدا أن النظام في حالة من الوهن التي تجعله عاجزا حتى عن حفظ الأمن في المناطق البعيدة عن القتال، فمقاتلو حزب الله باتوا ينتشرون على الحواجز في مدنية دمشق، وهو أمر لم يعد خافيا ويعرفه الجميع، كما أن محافظة حمص تتعرض بشكل مستمر لتفجيرات بسبب الاختراقات الكبيرة اليومية.

وعدا عن هروب الشباب من التجنيد، فإن جنود الجيش السوري لا يمتلكون إرادة القتال الصلبة، وقد عبرت الميليشيات أكثر من مرة عن تململها منهم. وبناء عليه، يمكن القول إن التدخل الروسي الأخير منع سقوط النظام عسكريّا، لكن موسكو باتت أكثر من أي وقت مضى تدرك حقيقة مرة أنها هذا النظام عاجز عن استعادة المناطق التي خسرها، لذلك ركنت إلى المفاوضات في محاولة لانتزاع أكبر مكاسب محتملة مستغلة انكفاء أميركا والغرب عن لعب دور فاعل في الأزمة السورية.

في سياق آخر، يتهم النظام المعارضة بأنها صنيعة الدول، وبأن قرارها السياسي مستلب، وهذا صحيح في بعض صوره، لكن المعارضة ما تزال حتى الآن تمتلك هامش مناورة كبيرة في مواجهة ضغوط حلفائها وذلك بخلاف النظام الذي باتت موسكو تقرر عنه إلى حد الزجر لقبول ما تريد.

ما هي فرص السلام في المفاوضات الراهنة؟

المفاوضات الراهنة تنطوي على فرص لكنها محدودة لأن أساسها غير متوازن، فروسيا دولة راعية وهي طرف عسكري مقاتل، في حين أن الولايات المتحدة تميل إلى التسليم بما تقترحه روسيا لاجتراح أي نوع من أنواع الحلول، وهذا مرفوض بالنسبة للمعارضة.

وكما هو معروف لا تفرض الحلول إلا إذا توافرت قناعة لدى الأطراف جميعها أو طرف ما أن التكلفة البديلة لمعارضة التوجه العام ستكون كارثية، وحتى الآن لا تشعر روسيا بأي تهديد إذا ما رفضت منطق الحلول العادلة، ولا تكترث حتى الآن بالأحاديث الأميركية والإقليمية عن الخطط البديلة، وبناء عليه فإن نجاح المفاوضات متعلق بالدرجة الأولى بما يمكن أن يقوم به ما يسمى 'أصدقاء سورية' إذا وصلت المفاوضات لطريق مسدود.

هل الفيدرالية احتمال قائم؟  

صحيح أن إنقاذ النظام من السقوط عسكريا كان أولوية في حسابات روسيا عند تدخلها العسكريّ، لكن مواجهة الدور التركي في سورية والمنطقة العربية كان في قائمة الأولويات الروسيّة لأسباب عدة جيوسياسية وتاريخية لا يمكن تفنيدها هنا، ومع ذلك حرصت موسكو وأنقرة بعد التدخل على فصل الخلاف في الملف السوري عن علاقاتهما الاقتصادية المتطورة، لكن إسقاط أنقرة مقاتلة روسية قلب الحسابات جميعها، إذ بدأت موسكو المجروحة بكبريائها بمعاقبة أنقرة على هذا التصرف، ولم تجد أفضل من إغلاق الحدود السورية التركية وعزل تركيا بشكل نهائي عن الصراع في سورية وعن المشرق العربي ككل.

وبناء عليه، انحازت موسكو إلى وحدات الحماية الشعبية وقدمت لها دعما عسكريا مباشرا وغطاء جويا لكي تنتزع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة على الشريط الحدودي، ووصل شطرا الإدارة الذاتية شرقي وغربي نهر الفرات تمهيدا لإقامة فيدرالية تكون مصدر إزعاج دائم لتركيا، وفي ذات الوقت تسمح لموسكو إمكانية التأثير في مناطق جنوب تركيا حيث التمرد الكردي.

اقرأ أيضا: المعارضة السورية ستشارك بمحادثات جنيف وتقلل من فرص الاتفاق

يبقى إنفاذ الفيدرالية بالقوة احتمالا قائما لكنه صعب في المدى المنظور لأسباب عدة لعل أبرزها؛ لا يوجد منطقة كردية خالصة في سورية، وبخلاف ما يروج القوميون الأكراد فإن غالبية المناطق التي يقطنونها توجد فيها أغلبية عربيّة، ومهما بلغت سياسات التهجير القسري العنصري فإنها عاجزة عن إحداث خلل ديمغرافي كامل، كما أن تركيا حتى الآن تمانع هذه التوجه، وقد سارعت إلى قصف وحدات الحماية الشعبية عندما حاولت اقتحام أعزاز. أضف إلى ذلك أن الشعب السوري وعلى الرغم من انقساماته وأزماته الهوياتية تصدى مرات عدة لمخططات التقسيم، ولن يسمح به هذه المرة.

التعليقات