داريا: صمود بدأ بالورود وانتهى بالتجويع والنفي

تختصر بلدة داريّا الواقعة في خاصرة العاصمة السوريّة، دمشق، الثورة السوريّة بكل حكاياتها ومظاهراتها وقمعها وانتصاراتها وانحسارها وفي ما بعد، انكساراتِها، فالبلدة التي خرج أهلها، اليوم الجمعة، إلى مناطق سوريّة أخرى.

داريا: صمود بدأ بالورود وانتهى بالتجويع والنفي

المتظاهرون يحملون الورود أول أيام الثورة (ناشطون)

تختصر بلدة داريّا الواقعة في خاصرة العاصمة السوريّة، دمشق، الثورة السوريّة بكل حكاياتها ومظاهراتها وقمعها وانتصاراتها وانحسارها وفي ما بعد، انكساراتِها، فالبلدة التي خرج أهلها، اليوم الجمعة، إلى مناطق سوريّة أخرى، لا تخضع لسيطرة النظام السوريّ، مرّت بما لم تمرّ به بلدة أو مدينة سوريّة.

البداية كانت حين اندلعت الثورة السوريّة، في العام 2011، مع موجة الحريّة التي ضربت غير دولةٍ من دول العرب، فرغم ما شهدته درعا وحماة وحمص من مجازر، لم يثنِ ذلك أهالي داريا من الخروج في مظاهرات سلميّة، وحين اقترب جيش النظام السوريّ من المتظاهرين، رفعوا بوجهه الورود شعارًا لسلميّتهم، ولمّا اجترأ شاب من بينهم، يدعى غيّاث مطر، على الاقتراب من القوّات رافعًا الورود بيديه، اعتقل وأودع السجن وعذّب ثم مات أثناء التعذيب.

الأهالي أثناء خروجهم من داريا، اليوم (رويترز)

بعد ذلك، ومع تحوّل الثورة من السلمية نحو التسلّح، احتضنت داريا المنشقّين من الجنود والضباط عن الجيش النظامي، فأضحت نقطة من نقاط الجيش السوريّ الحر، شهدت، كما باقي المدن السورية، اشتباكات حادّة بين الجيشين (النظامي والحر) استمرت أيّامًا طويلة، وحين تمكّن جيش النظام من الدخول إلى مركز البلدة، لاذ الأطفال والنساء وكبار السن في مسجد أبو سليمان الدارانيّ، رغم علمهم أن الاحتماء بالمساجد لا يهم النظام بشيء، وليس ما جرى في مجزرة درعا من اقتحام المسجد العمرّي أولَّ الثورة والتعرض لمن فيه عنهم ببعيد، فما كان من الجيش النظامي إلا أن اقتحم المسجد موقعًا عددًا كبيرًا من الضحايا، أغلبهم من الأطفال.

ولم يكتف النظام السوري بالمجزرة لترويع أهل البلدة، بل نشر إعلامييه ومراسليه في البلدة لتغطية 'انتصاراته' على المدنيين العزّل هناك، إذ يذكر أي متابع للشأن السوري تلك الصورة المنفرة لمراسلة التلفزيون السوري وهي تتقافز فوق جثث المدنيّين، نساءً وأطفالًا، لتحقيق 'سبق صحافي'، في مشهد سيتكرّر لاحقًا في غير مدينةٍ ومجزرة سوريّة.

بعد تلك المجازر، توالى اقتحام الجيش النظامي للبلدة وتنفيذه لأعمال القتل فيها، إلى أن فرض في العام 2012 حصارًا تامًا على البلدة بمن فيها من المدنيين، قضى عدد كبير منهم إما جوعًا وإما قتلًا بالبراميل المتفجّرة، التي كانت داريا أول مدينة تستخدم البراميل فيها.

وشكلت مأساة المدنيين في داريا والمناطق المحاصرة الأخرى 'مصدر قلق' منذ فترة طويلة للأمم المتحدة، التي اكتفت بالتنديد باستخدام التجويع سلاحًا لتركيع المدنيين.

وأمس، الخميس، توصل مقاتلو المعارضة والنظام لاتفاق على الإجلاء من البلدة وإخلائها بالكامل من سكانها، مدنيين ومسلحين، في إطار 'تصالح' الدولة مع شعبها، لكن لا مصالحة دون تهجير وزيادة أعداد النازحين، وحين همّ الأهالي بالخروج، اليوم، الجمعة، نصب جيش النظام حواجزه مانعًا إياهم من حمل أمتعتهم وأموالهم وممتلكاتهم، على أن يخرج المدنيين لقرية قريبة في ريف دمشق، والمسلّحين لمحافظة إدلب، شمالًا.

570 من سكان داريا خرجوا منكسرين من المدينة اليوم، في الأزقة ذاتها التي خرجوا فيها فرحين، يحملون الورود، هاتفين للحريّة، لكن للحريّة وقع آخر في آذان النظام، خصوصًا إن كان في خاصرة دمشق. 

التعليقات