أسوأ أيام دمشق: الملايين بلا مواد أساسية منذ أسابيع

تغيب الكهرباء عن أحياء العاصمة لأكثر من 22 ساعة في اليوم الواحد، هذا الرقم الفعلي لغياب التيار، فيما تقول السلطات في بياناتها الرسمية إن ساعات الانقطاع تصل إلى 18 ساعة، ومع غياب التيار تغيب المياه الصالحة للشرب عن المنازل

أسوأ أيام دمشق: الملايين بلا مواد أساسية منذ أسابيع

'عليك أن ترتدي الكثير من الملابس، وترمي على نفسك كل ما تملك من أغطية، وتجلس في الظلام، درجة الحرارة وصلت في دمشق إلى ثمان درجات تحت الصفر، لا وقود ولا كهرباء ولا ماء'، هذا مشهد مما يعيشه سكان العاصمة السورية دمشق، وفق الصحافي سامر المصري الذي يقول لـ'عرب 48' إن 'هذه أسوء أيام مرت على دمشق خلال ست سنوات من الصراع المسلح في البلاد'.

تغيب الكهرباء عن أحياء العاصمة لأكثر من 22 ساعة في اليوم الواحد، هذا الرقم الفعلي لغياب التيار، فيما تقول السلطات في بياناتها الرسمية إن ساعات الانقطاع تصل إلى 18 ساعة، ومع غياب التيار تغيب المياه الصالحة للشرب عن المنازل أيضًا، بعد أن بات استجرار المياه يعتمد على التيار الكهربائي.

يقول المصري 'يختفي كل شيء من العاصمة السورية وتنعدم الخدمات بشكل شبه تام، العاصمة التي يسكنها ملايين من المُهجرين من مناطق الريف بالإضافة لسكانها، باتت على حافة الهاوية، مع غياب المحروقات، يعتمد كثير من السكان على أقدامهم للوصول إلى أماكن عملهم أو جامعاتهم، التنقل بوسائط النقل بات مكلفًا للغاية، كي تصل من العاصمة إلى منطقة مثل قدسيا في وسيلة نقل جماعية عليك أن تدفع حوالي 100 ليرة سورية.

منذ بداية شهر شباط/ فبراير، بدأت تلوح في الأفق أزمة خبز قادمة على سكان العاصمة، ظهرت طوابير طويلة من المدنيين على الأفران التي أعلنت أنها لا تستطيع أن تعمل أكثر من ست ساعات في اليوم، حتى تلك التي كانت تعمل على مدار الساعة، يقول المصري إن 'الأفران لا تستطيع تأمين الوقود والكهرباء والماء معًا، لذلك أغلق بعضها فيما اقتصر عمل بعضها الآخر على ساعات محددة'.

طوابير طويلة

المشهد المعتاد في شوارع العاصمة السورية، بات الطوابير، طوابير للغاز وأخرى للوقود وأخرى للماء، يقضي السوريون ساعات على كل طابور للحصول على كميات قليلة من الماء أو الوقود اللازم للتدفئة، إذاعات تابعة للنظام باتت تغطي أنباء مشاجرات وقتل وإشهار للسلاح في هذه الطوابير، فيما يخصص التلفزيون الرسمي فقرات يقول فيها إن الشرطة تحاول أن تنظم طوابير الانتظار على محطات الوقود والأفران.

اعتاد سكان العاصمة على انقطاع مواد أساسية عن حياتهم اليومية، لكن اجتماع انقطاع كل المواد الأساسية لم يسجل سابقًا، أزمة الكهرباء تتفاقم مع أزمة المياه والمحروقات والغاز المنزلي، ما جعل الحياة شبه مستحيلة.

يقول المصري في حديثه لـ'عرب 48'، إنه كان في مكتب وزير سوري في حكومة النظام منذ أيام، وسمعه يتحدث مع وزير النفط عبر الهاتف 'كان الوزير يطلب من وزير النفط 100 ليتر من المازوت يريدها لمنزله، رد وزير النفط عليه بأنه لا يستطيع تأمين ذلك، قائلاً إنه في منزله أيضًا لا يملك المادة التي يعتمد عليها السوريون في التدفئة'.

كل شيء يحترق

يتحدث سكان العاصمة عن استخدامهم لكل ما يمكن أن يحترق في منازلهم بغرض التدفئة، الأخشاب والملابس القديمة وحتى المواد البلاستيكية، تستخدم أيضًا للطهو والتدفئة، لكن هذا ليس كافيًا لهم.

كان خطة النظام في ما يخص الكهرباء، تقضي بأن تزود الأحياء الراقية بساعات أكثر من التيار، أحياء أبو رمانة والمزة فيلات والمالكي والشعلان، باتت تشهد ساعات طويلة من انقطاع التيار، فيما تغيب الكهرباء تمامًا عن ضواحي العاصمة.

إيران غاضبة

أعلن النظام في منتصف شباط عن وصول ناقلة نفط جزائرية إلى مرفأ طرطوس محملة بمليون برميل لكنها بحاجة للتكرير، الخبر الذي اعتاد أن يكون يتضمن اسم إيران وليس الجزائر دفع الاقتصادي السوري، محمد البرا، للقول إن 'إيران قطعت النفط عن النظام منذ حوالي الشهرين، بعد أستانة غضبت إيران من النظام وقررت قطع النفط عنه'.

في منتصف عام 2013 افتتح النظام مع طهران ما سمي بخط الائتمان، وينص على تدفق المواد الغذائية والمحروقات من إيران إلى دمشق، بشكل دائم، وبالليرة السورية، وردت طهران إلى دمشق الوقود واللحوم ومحطات توليد الكهرباء وقطع الغيار الثقيلة، وبات الاقتصاد السوري معتمدًا بكشل كامل على الدعم الإيراني غير المحدود.

لا يتفق الجميع مع البرا في أن سبب غضب الجانب الإيراني هو اجتماعات أستانة، يذهب دمشقيون يعملون في التجارة إلى أن طهران تشعر بالضيق من عمليات نقل الوقود القادم منها إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، ويقول وليد قارصلي لـ'عرب 48' إن 'شخصيات وضباط وحتى عناصر لدى النظام أو ما يسميه القوات المتحالفة معه، هي من تقول بعلمية نقل الوقود إلى مناطق سيطرة المعارضة، هي تجارة رابحة اليوم، يبيع هؤلاء كل شيء لخصمهم العسكري بالعملة الصعبة'.

الحواجز

لا يُعير الشبان السوريون الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عامًا الكثير من الأهمية لغياب الخدمات والمواد الأساسية، إذ أن هناك ما يشغل بالهم أكثر، يقول وليد غ.  لـ'عرب 48' من دمشق 'أخاف الحواجز العسكرية في العاصمة، هناك حملة واسعة لسحب الشباب إلى صفوف الجيش، ألغت السلطات كافة طلبات التأجيل، حتى الدراسية منها، هناك حملة شبه منظمة برأيي لذلك، لم أعد أتحرك كثيرًا'.

يعتقل النظام يوميًا من حواجز المنتشرة في العاصمة ومحيطها العشرات من الشبان ويقتادهم للقتال في صفوف قواته في شتى أنحاء البلاد، فيما لم يعلن أي مصدر رسمي عن طلب القوات الاحتياطية، إلا أن شهادات من العاصمة تقول إن عمليات البحث عن المتخلفين عن الخدمة تسير سريعًا، مع عدم منح شعب التجنيد موافقات على تأجيل الخدمة الإلزامية.

التعليقات