"معركة دمشق" هل هي على دمشق؟

"من غير المسموح التقدم نحو دمشق، لقد حددت حتى الدول الداعمة للمعارضة في سورية ذلك منذ وقت طويل، أقوى الفصائل توقفت عن أي عمليات تجاه دمشق منذ سنوات"

"معركة دمشق" هل هي على دمشق؟

قصف جوي على جوبر في دمشق، أول من أمس (أ ف ب)

تتضارب آراء المتابعين لاشتباكات شرق العاصمة السورية دمشق من صحفيين وعسكريين حول الهدف الحقيقي للهجوم الذي سميَّ من قبل فصائل المعارضة بـ 'يا عباد الله اثبتوا'، حين انطلقت الموجة الأولى منه صباح الأحد 19 آذار الحالي، فيما أُعلن عن المرحلة الثانية صباح الثلاثاء 12 منه، قبل أن يعلن 'فيلق الرحمن'، أحد الفصائل المشاركة في الهجوم، عن أن المعركة تمتد على أربع مراحل.

'كأنه يوم هارب من عام 2012' يقول صحفيون من دمشق لـ'عرب 48'، واصفين اليوم الأول للهجوم، أصوات قصف قريبة جداً ومسموعة في كل أجزاء العاصمة، لم تعرفها منذ سنوات، يقول الصحفي، مروان حديدي، 'لم نكن في الساعات الأولى من الصباح نفهم ما يجري، كان النظام يدك القابون في شرق العاصمة منذ أيام، لكن فجأة بدأت الأصوات تبدو أقرب، مع ساعات الظهيرة، عُطلت الحركة من شرق العاصمة - ساحة العباسيين - حتى منتصفها - محيط السفارة الروسية، وبدأت، ترد الأنباء المتضاربة عن ما يجري في شارع فارس خوري'.

لم يفاجئ النظام بالهجوم، يقول الصحافي ورد اليافي لـ'عرب 48'، لكنه تكبد خسائر فادحة في الساعات الأولى من الهجوم، عربتان مفخختان ضربتا مركزين له على تخوم حي جوبر، قبل أن يبدأ هجوم بالقذائف المتوسطة على كل نقاط انتشاره في شرق العاصمة'.

الرعب في دمشق

وجدت وسائل إعلام النظام نفسها في الساعات الأولى من الهجوم، أمام كم هائل من الشائعات التي انتشرت بين السكان، فيما حاولت ذات الوسائل الوصول إلى ساحة العباسيين، التي كانت تحت مرمى نيران فصائل المعارضة، كي تنقل صوراً مباشرة من هناك، لتبدو الساحة خالية من أي حركة.

في الجهة المقابلة، أي في جوبر، كانت المنطقة الخالية من سكانها تستعد لتلقي الضربات الجوية من طيران النظام ومدفعيته بعد أقل من نصف ساعة من الهجوم الأول، لتسيطر الفصائل على كراجات العباسيين الحيوية في شرق العاصمة، قبل أن تخسرها من جديد لصالح النظام، ثم تعود وتسيطر عليها نارياً، وتتحول النقطة، منذ يوم الثلاثاء، إلى خط جبهة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

هل الهدف دمشق؟

تدرك فصائل المعارضة أن التقدم نحو قلب العاصمة السورية شبه مستحيل، الاستحالة ليس سببُها التفوق العسكري للنظام وحلفائه، مقابل عدم امتلاكها هي لأي معدات ثقيلة أو طيران أو حتى ذخيرة; بل لأن دمشق كما يعرفها العسكريون والسياسيون المعارضون جيداً، 'هي خط أحمر دولي لا يُسمح بسقوطها في ليلة وضحاها'، يقول العسكري المنشق عن النظام، اسماعيل طه، لـ'عرب 48'، 'من غير المسموح للمعارضة التقدم نحو دمشق، لقد حددت حتى الدول الداعمة للمعارضة في سوريا ذلك منذ وقت طويل، أقوى الفصائل توقفت عن أي عمليات تجاه دمشق منذ سنوات، حتى معارك داريا والمعضمية كانت تهدف لحماية مكاسب المعارضة وليس لتحقيق مكاسب جديدة'.

رائد توفيق، صحافي سوري، يقول  لـ'عرب 48'، 'يخطأ من يظن أن هدف المعركة الحالية هو دمشق، لا أحد من الفصائل المهاجمة تريد التقدم نحو العاصمة، تخفي المعارضة هدفها الحقيقي، والذي هو تخفيف شدة العمليات العسكرية التي كانت تتعرض لها برزة مع القابون، ووصل المناطق الثلاث ببعضها البعض، دعك من كل ما يقال في الإعلام وحتى البيانات الرسمية، الهدف ليس العاصمة'.

من خسر؟

عسكرياً لم يتمكن النظام من إيقاف الهجوم على دمشق حتى اللحظة، خسائره البشرية تكبر ساعة بعد ساعة، فيما تتحدث المعارضة عن اعطاب دبابات ومدرعات تابعة له، بالقرب من تخوم جوبر، وتحديداً في نقطتي المعامل والكراجات، لكن هذا لا يعني أن المعارضة تقدمت فعلاً،  فهي دفعت حصتها من الخسائر البشرية خلال المعركة الحالية، المدنييون على الطرفين دفعوا من جديد فاتورة الهجوم والتصدي، أكثر من مئة جريح في أحياء العاصمة التي طالها قصف المعارضة بالهاون، وضعفهم في مناطق زملكا وعربين وعين ترما التي كثف النظام من قصفه لها منذ يوم الأحد.

فيما يقع مدنيون من طرفي المناطق المتصارع عليها وفيها، أصدر 'فيلق الرحمن'، فجر الأثنين، بياناً قال فيه إنه يحيد المدنيين عن الصراع ، ويحترم، وفق البيان، كافة الطوائف والمذاهب والأقليات وحتى الآراء السياسية المتناقضة في دمشق، فيما لا يزال النظام يتحدث عن استحالة استهدافه للمدنيين في غوطة دمشق، وعن عمليات يصفها بالدقيقة تستهدف 'إرهابيين فقط'.

من كذب أكثر؟

طوال ساعات اليوم الأول من الهجوم على مشارف العاصمة، بث إعلام النظام أخباراً تنفي وجود أي اختراق في دمشق، قبل أن يعود ليأكد وجود عملية عسكرية وصفها بالكبرى في تلك المنطقة، فيما استقبل عشرات من المحليين السياسين الذي أكدوا أن الحل في البلاد يجب أن يكون عسكرياً وليس سياسياً.

إعلام المعارضة لم يكن أكثر مصداقية، بالذات وأن قسماً كبيراً من الصحفيين الذي يتابعون العملية من خارج سوريا، ليسوا من أبناء دمشق، فأختلطت عليهم اسماء المناطق والشوراع، فيما أصرت حتى قنوات فضائية عربية على بث أخبار روّجها ناشطون بسرعة ومن دون تحقق، كخبر قصف النظام لحي العدوي عن طريق الخطاً، وأعلان حظر التجول في دمشق، وانتشار الفرقة الرابعة من جيش النظام في ساحة العباسيين.

التعليقات