هل يكسر الهجوم الأميركي "قواعد اللعبة" في سورية؟

"المرحلة القادمة تتوقف على رغبة الولايات المتحدة وروسيا على وقف التوتر بينهما والتوصل إلى حل في سورية، أو مواصلة تسجيل نقاط حتى التوصل إلى حل"

هل يكسر الهجوم الأميركي "قواعد اللعبة" في سورية؟

أطفال سوريون في حمص، الجمعة (أ ف ب)

تنقسم التحليلات بشأن التحول الذي قد يحدثه الهجوم الأميركي الذي استهدف قاعدة الشعيرات السورية، ليل الخميس - الجمعة، وإذا ما كان سيؤدي إلى تغيير في 'قواعد اللعبة' في سورية، لكن رغم ذلك في الهجوم أكثر من مؤشر إلى عودة الولايات المتحدة إلى الساحة السورية بأسرع ما كان متوقعا بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا.

وقال تقرير لوكالة رويترز إن 'الضربات الأميركية على سورية التي جاءت للرد على هجوم بأسلحة كيماوية، مثلت تصعيدا حادا في الحرب الأهلية السورية، لكن العالم العربي لا يعتبرها مغيرة لقواعد اللعبة في صراع مستمر منذ ست سنوات أثار الانقسام في المنطقة'.

أقوى تحرك أميركي مباشر في سورية

وأضافت أن الضربة تمثل أقوى تحرك أميركي مباشر في سورية حتى الآن، لكن محللين سياسيين عربا أبدوا تشككا في أنها ستحدث تغيرا كبيرا في اتجاه الصراع في سورية، أو في الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي له. بيد أنها توضح في الوقت نفسه المدى الذي يمكن لترامب الذهاب إليه واضعا على الأرجح جمهوره المحلي في الاعتبار، حتى إذا هدد ذلك بمخالفته لمواقف سابقة له وبمواجهة مع روسيا، الحليف العسكري الرئيسي الآخر للأسد.

وكان ترامب عبر مرارا عن رغبته في تحسين العلاقات مع موسكو بما في ذلك التعاون مع روسيا في قتال تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش)، ويركز سياسته بشأن سورية حتى الآن بشكل كامل على هذا الجهد. لكنه انتقد أيضا سلفه باراك أوباما لوضعه 'خطا أحمر'، مهددا باستخدام القوة ضد الأسد إذا استخدم الأسلحة الكيماوية، ثم تراجعه عن إصدار أمر بشن ضربات جوية في 2013 عندما وافق الأسد على التخلي عن ترسانته من الأسلحة الكيماوية.

بشارة: الرسالة استعراضية وتأديبية في الوقت ذاته

في هذا السياق، كتب مدير المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات، د. عزمي بشارة، في حسابه في 'فيسبوك أن النظام السوري أُبلغ بالقصف قبل ساعات من وقوعه بواسطة روسيا. وهذا يعني أن الرسالة استعراضية وتأديبية في الوقت ذاته، ومفادها: 'لا تحرجونا أكثر باستخدام السلاح الكيماوي'! فلا يمكن انتقاد أوباما على تقصيره والسير على خطاه حذو النعل بالنعل'.

أما عن أثر الضربة الأميركية الرئيسي، كتب بشارة: 'أ.  إن الفاعلين الرئيسيين أصبحوا أميركا وروسيا، وبينهما سوف تدور المفاوضات المقبلة؛ ب. روسيا ظهرت عاجزة. إنها فاعلة فقط نتيجة لامتناع أميركا عن الفعل'.

وأضاف بشارة: 'لو أرادت الإدارة الأميركية إسقاط الأسد لكان لها ذلك بسهولة، باختلاف عنوان القصف ومدته، لكنها لا تريد إسقاط الأسد بدون اتفاق على البدائل'.

وأوضح بشارة في حسابه في 'فيسبوك' أن 'المرحلة القادمة تتوقف على رغبة الولايات المتحدة وروسيا على وقف التوتر بينهما والتوصل إلى حل في سورية، أو مواصلة تسجيل نقاط حتى التوصل إلى حل'.

 توجه جديد من الإدارة الأميركية في المنطقة

بدوره قال رئيس مركز الخليج للأبحاث، عبد العزيز الصقر، لرويترز إن 'هذا النوع من الضربات لن يسقط النظام السوري، لكنها تظهر توجها جديدا من الإدارة الأميركية في المنطقة، وهو أنها ستأخذ بزمام المبادرة بمفردها إذا لزم الأمر'.

وعلى مدار الشهور القليلة الماضية تراجع كثير من الدول الغربية عن مطالبات قديمة بوجوب ترك الأسد للسلطة، إذ قبلت بأن المعارضة لم يعد لديها القوة الكافية للإطاحة به. لكن بعد الهجوم الكيماوي نادى العديد من الدول بضرورة رحيله. وتركيا من بين الدول التي تؤيد الضربات بشدة وتطالب بالإطاحة بالأسد. وحدث تقارب في الشهور الأخيرة بين تركيا وروسيا وترعى أنقرة محادثات سلام سورية في قازاخستان بالاشتراك مع موسكو.

تعزيز موقف ترامب داخل الولايات المتحدة؟

وشكك أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، لرويترز في أن تقوض الهجمات هذا النوع من الجهود. وقال: 'لا أعتبر هذا تغيرا في سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية، ولكنها ضربة محدودة ربما استهدف بها ترامب تعزيز موقفه داخل الولايات المتحدة'.

قواعد اللعبة القديمة انتهت

بدوره كتب نائب رئيس تحرير صحيفة 'العربي الجديد'، الكاتب السوري بشير البكر، مقالا تحليليا قال فيه إنه 'لن تكون المسألة السورية بعد السابع من نيسان/ إبريل كما كانت عليه خلال السنوات الست الماضية. ويمكن القول بلا حرج أو مبالغة إن سورية دخلت، مع الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات العسكري، مرحلة جديدة، عنوانها الانخراط الأميركي المباشر'.

وأضاف البكر: 'كانت اللهجة الأميركية مساء أمس توحي بقرب توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، ولكن الأمر الأكثر بلاغة هو عدم انتظار واشنطن مداولات مجلس الأمن والتعديلات التي أدخلتها روسيا على مشروع القرار الفرنسي الأميركي البريطاني، من أجل تشكيل لجنة تحقيق دولية، وظهر وزير الخارجية الأميركي ليعلن أنه لا يوجد أدنى شك في أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية في خان شيخون، وبالتالي لا حاجة للتحقيق وإضاعة الوقت'.

ولفت لإلى أن 'عدم انتظار مداولات مجلس الأمن هو رسالة إلى روسيا والصين بأن قواعد اللعبة القديمة التي قامت على استخدام الفيتو في مجلس الأمن لحماية النظام السوري انتهت، وصار واضحا أن الإدارة الأميركية فتحت أفقا جديدا للقضية السورية ظل مغلقا طيلة السنوات الماضية، وبات من الممكن أن تتصرف لوحدها ومن خارج مجلس الأمن كما حصل سابقا في عام 2003، حين ذهب الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، من خلال تحالف دولي برعاية أميركية إلى احتلال العراق بدون قرار من مجلس الأمن، وذلك بالاستناد إلى خطورة النظام العراقي'.

وأوضح أنه 'قد يكون مبالغا فيه القياس الميكانيكي بين مصير نظام الأسد ونظام الرئيس السابق صدام حسين، ولكن لا يمكن لأي قراءة أن تستبعد هذا الربط، أو أن ترى في الضربة الأميركية مسارا مختلفا عن كل الدوامة السابقة في أروقة مجلس الأمن، ومن هنا يمكن أن نعتبر أن أهم رد فعل على الضربة الأميركية هو الذي جاء على لسان رئيس مجلس الدوما، الذي قال إنه ’من الآن وصاعدا بوسع المعارضة السورية أن لا تحضر مفاوضات جنيف’'..

وخلص البكر إلى أن 'رئيس مجلس النواب الأميركي، بول راين، وصف الضربة بأنها تكتيكية، وهذا يعني أنها مدروسة، ليس من حيث تأثيرها العسكري فقط، وإنما السياسي. أرادتها واشنطن أن تكون محدودة من الناحية العسكرية، وأن لا تتجاوز تدمير القاعدة التي انطلقت منها الجريمة، وهذا يبدو أنه السيناريو المناسب أكثر من غيره لتوجيه جملة من الرسائل السياسية، تتلخص في أن زمن التسامح مع بشار الأسد انتهى على حد قول رئيس سي آي إيه، مايك بومبيو، ولكن مع ذلك فإن توجيه 60 صاروخ توماهوك ليس بالرسالة السياسية المحدودة، بل المدوية التي بدأت تعطي مفعولها بعد ساعات من خلال ردود الفعل التي يلوح منها سعي واشنطن إلى تشكيل حلف دولي لمواجهة روسيا وإيران في سورية، يبدأ بتأسيس منطقة حظر للطيران، والعمل على إحالة الأسد وأركان نظامه إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلا فلا معنى للضربة الأميركية'.

التعليقات