رمضان في سورية.. كثير من الذكريات المؤلمة

الأسواق العامرة وحركة الناس والتبضع، وزينة رمضان وامتلاء المساجد بالمصلين، كلها مشاهد وطقوس رمضانية يفتقدها السوريون، في حين أفقد انعدام وجود تيار كهربائي ليالي رمضان بهجة زينتها الضوئية.

رمضان في سورية.. كثير من الذكريات المؤلمة

للعام السابع على التوالي يحيي السوريون شهر رمضان الكريم بطقوس ناقصة؛ بسبب الحرب التي أثقلت تداعياتها كاهل المواطن، الذي بات ينوء تحت ثقل حزمة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والأمنية، التي غيرت إلى حد كبير من نمط حياته الاعتيادية.

ظروف مختلفة نتجت عن الحرب تسببت بوضع اقتصادي صعب لطبقة كبيرة من السوريين؛ الأمر الذي جعل عادة التسوق الرمضاني، والطقوس التي تسبق الشهر الفضيل والأخرى المرافقة لأيامه ولياليه مجرد ذكرى لغالبية العوائل السورية.

ويؤكد سوريون أن الاحتفال والابتهاج بشهر رمضان اختلفا كثيراً عن السابق؛ فالحرب تسببت بتدهور الحالة المعيشية لعدد كبير من العوائل؛ الأمر الذي جعلها تستغني عن الطقوس الرمضانية المتوارثة؛ ما أفقد رمضان حلته في البلاد.

أحمد عبد القادر، وهو مدرس تاريخ سابق يقول إن السوريين أُرغموا على الاستغناء عن طقوس شهر رمضان، مؤكداً أنه 'لا وجود لخيارات أخرى'.

وأضاف لـ'الخليج أونلاين' إن 'المواطن السوري قبل الأحداث التي تلت اندلاع الثورة السورية، كان كثير البذخ والإنفاق على المناسبات الدينية والروحية، لا سيما في شهر رمضان الفضيل، الذي يعتبر من أجمل المناسبات الدينية لما له من أهمية روحية في نفوس المواطنين'.

لكن ذلك تغير خلال سنوات الحرب، يشير عبد القادر، مستطرداً في حديثه بأن المواطن السوري 'اختصر الكثير من إنفاقه بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية؛ نتيجة توقف عجلة الإنتاج، وانتشار البطالة والفقر'.

في درعا كما هو الحال في مناطق سورية المختلفة كانت التحضيرات لشهر رمضان الفضيل تنطلق قبل عدة أيام من حلوله، حيث كان المواطن السوري يدخر بعض المال ويخصصه للإنفاق خلال شهر رمضان على المأكل والمشرب، بحسب الشيخ محمد العودة الله، من أئمة مساجد درعا.

وقال الشيخ العودة الله في حديث لـ'الخليج أونلاين': إنه 'لم تعد الأيام كالماضي ولا الطقوس والموائد كما كانت قبل الثورة'، مبيناً أن 'اللحوم والمحاشي والمقبلات المتنوعة والحلويات، كالكنافة والبقلاوة والقطايف العصافيري، التي كانت أطباقاً رئيسية خلال شهر رمضان، أصبحت مختصرة بل نادرة على موائد السوريين'.

وأكد أن 'غلاء الأسعار وضيق ذات اليد جعلا هذه الأكلات موجودة فقط على موائد الميسورين'.

السوريون يقولون إن الموظف الحكومي، وهو كان من الفئات الأكثر استقراراً من الناحية المالية بين عامة الشعب، لم يعد راتبه الشهري يسد متطلبات أسرته سوى لأيام، وصارت المعونات الخيرية التي تقدمها منظمات مدنية مطمعاً لكثيرين في أن توفر لهم بعض احتياجاتهم الأساسية.

تقول أم فراس الغالب، وهي سيدة خمسينية نازحة من ريف دمشق إلى درعا: 'أصبحنا نعيش بأقل القليل. اللحوم والحلويات لا تدخل بيوتنا إلا ما ندر، حتى في رمضان؛ لأنه لا يوجد لدينا أموال لشرائها'.

وتابعت: 'ما في شغل (ما في عمل) نحن نعيش على بعض المساعدات التي تقدمها لنا بعض الجمعيات الخيرية، وهي لا تكفي عدة أيام'.

في حديثها لـ'الخليج أونلاين' أشارت أم فراس التي تحاول توفير احتياجات صغارها الأساسية، إلى أنها فقدت من يعيل أسرتها بمقتل ولديها ووالدهم في الحرب.

صبحية العيسى (65 عاماً) تؤكد أنها تشتاق إلى 'الجلسات الحميمية واللمات الرمضانية'، عندما كان يجتمع جميع أفراد أسرتها المتزوجين وعائلاتهم في بيت الأسرة الكبير على مائدة الإفطار، مضيفة أن الحرب فرقت أبناءها بين نازح ولاجئ ومعتقل.

وأشارت إلى أن ابنيها عثمان وعادل غادرا درعا إلى الأردن منذ عدة سنوات بعد اعتقال أخيهم الأكبر عدنان، الذي لا تعرف أين هو الآن، لافتة الانتباه إلى أنه لم يتبق حولها من أفراد أسرتها سوى ابنة واحدة متزوجة تسكن معها في منزل العائلة.

أم عارف، جارة العيسى وصديقتها الحميمة، هي الأخرى فقدت عائلتها التي تستذكر اجتماع أفرادها الرمضاني على مائدة الإفطار.

تقول بحسرة والدموع تنهمر من عينيها، وهي تتحدث لـ'الخليج أونلاين': 'فقدنا كل شيء بسبب الحرب، لقد قتل بشار الأسد كل شيء جميل فينا. دمر بيوتنا وأحرق أشجارنا وشرد أولادنا'.

وتابعت: 'لقد فقدت لذة الطعام والشراب ومتعة الحياة بعد أن فقدت ولدي عامر (في إحدى المعارك ضد قوات النظام)، واعتقال ولديّ جمال وأنس، وأنا لا أعرف عنهما شيئاً'.

الأسواق العامرة وحركة الناس والتبضع، وزينة رمضان وامتلاء المساجد بالمصلين، كلها مشاهد وطقوس رمضانية يفتقدها السوريون، في حين أفقد انعدام وجود تيار كهربائي ليالي رمضان بهجة زينتها الضوئية.

ووفقاً لمواطنين في المناطق المحررة فإن من بين أهم ما يعكر صفو الناس خلال شهر رمضان هو عدم وجود كهرباء في مناطقهم؛ ما يحرمهم من المياه والعصائر الباردة وتخزين المواد التموينية.

وبحسب عصام الفارس، وهو مهندس من درعا، فإن المواطنين في هذه المناطق يعتمدون في عمليات الإنارة على الطاقة الشمسية ومولدات إنتاج الطاقة الكهربائية الصغيرة.

وأوضح أن هذه الوسائل لا تشغل الثلاجات؛ الأمر الذي يدفعهم إلى شراء ألواح من الثلج، يجلبها بعض التجار من مناطق سيطرة النظام وتباع بأسعار مرتفعة.

التعليقات