الغوطة: موسكو تقود العمليات وتحمي النمر وخميس يطمئن المدنيين

معلومات خاصة لـ عرب 48 تكشف بعض تفاصيل العملية العسكرية، التي خسر بموجبها مقاتلو المعارضة السورية أكثر من نصف مساحة الغوطة، ويستمر التفاوض على تسليم بقية مساحتها، وسقط فيها ما يزيد عن 1200 ضحية من المدنيين

الغوطة: موسكو تقود العمليات وتحمي النمر وخميس يطمئن المدنيين

فيما يستمر تقدم قوات النظام في الغوطة الشرقية لدمشق، إثر العملية العسكرية التي أعلن عنها النظام السوري في الثامن عشر من شباط/فبراير الماضي، كشفت معلومات خاصة لـ عرب 48، بعض تفاصيل العملية العسكرية، التي خسر بموجبها مقاتلو المعارضة السورية أكثر من نصف مساحة الغوطة، ويستمر التفاوض على تسليم بقية مساحتها، وسقط فيها ما يزيد عن 1200 ضحية من المدنيين.

استبعاد إيران

قبيل بدء العملية بشكلها الجوي، استبعدت القيادة الروسية أي مشاركة للميليشيات الإيرانية والعراقية التي وصلت بالفعل الى محيط الغوطة وأطراف دمشق من مناطق مختلفة من سورية، حيث أمر الضباط الروسي قادة الميليشيات بالبقاء على مسافة تفصلهم عن أي نقطة اشتباك، في محاولة من موسكو لتجنب أية فضائح تطال حقوق الإنسان أثناء العملية، بحسب المصادر.

يخشى الضباط الروس، تكرار المشهد إبان العملية العسكرية التي أدت لدخول قوات النظام إلى حلب، حيث ارتكبت الميليشيات الإيرانية والعراقية، انتهاكات بحق المدنيين الفارين من الأحياء المحاصرة في حلب نهاية عام 2016.

المصادر كشفت عن أن قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، تشرف على العملية العسكرية بشكل مباشر، ويقود ضباط روس عمليات القصف والتقدم البري من أطراف الغوطة، فيما تنفذ قوات النظام الخطة الروسية.

وخلال العملية الخاصة بالغوطة، استمرت وزارة الدفاع ببث البيانات والأخبار على مدار الساعة تقريبا، وهو ما لم يحدث من قبل، حيث كانت قاعدة حميميم هي من تقوم بهذه العملية وليس الوزارة.

قنابل غبية

ترمي الطائرات الروسية والسورية، قنابل يصفها الناشطون والصحفيون بمسميات مختلفة، فمنها العنقودية وقنابل الفوسفور، والبراميل المتفجرة، إلا أن الجيش الروسي، يستخدم قنابل ليس لها توصيف واضح في القانون الدولي، فالبراميل المتفجرة التي ترميها طائرات النظام السوري، لا تعتبر قانونيا، أسلحة محرمة دولية، رغم قدرتها التدميرية الكبيرة.

فيما يستخدم النظام، الغازات السامة، التي هي خارج التصنيف الدولي، للسلاح الكيماوي، وهو ما يفسر بأن جميع عمليات القصف بالغازات على الغوطة لم تسفر عن قتلى، بل عن مصابين، شلت حركتهم لساعات، قبل أن يستعيدوا عافيتهم.

تقول مصادر لـ عرب 48، إن القنابل قد خُففت تركيبتها، وغُيرت نسب المواد السامة فيها، كي لا تُعرف دولياً، في حال فتح أي تحقيق دولي مستقبلا، على أنها أسلحة كيماوية.

ابن سقبا رئيس الحكومة

واجهت وزارة الدفاع الروسية معضلة حقيقة، منذ إعلانها عن فتح معبر، قالت إنه خاص بالمدنيين الراغبين بمغادرة الغوطة باتجاه دمشق، في السادس والعشرين من شباط/فبراير الماضي، حيث لم يخرج أحد من المدنيين الذين وجه لهم النداء، ورميت عليهم منشورات من الطائرات الحربية طوال يومين.

لم يكن لدى المدنيين العالقين في صراع الغوطة، أي شك في أنهم سيتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات في حال توجهوا بالفعل إلى معبر "مخيم الوافدين"، فاضطرت الدفاع الروسية إلى اللجوء لرئيس الوزراء السوري، عماد خميس، ابن بلدة سقبا التي تقع ضمن مدن وبلدات الغوطة الشرقية.

لجأ خميس إلى علاقاته العائلية والمحلية في سقبا، وقدم ضمانات للمدنيين بأن أي سوء لن يمسهم في حال توجهوا إلى المعبر ومنه إلى دمشق. ساعات من الاتصالات والضمانات التي دأب خميس من خلالها على إقناع السكان بالقيام بالخطوة، فيما كانت الطائرات الحربية تستمر بقصف الغوطة.

حتى الثامن من آذار/مارس، لم يكن أي مدني قد غادر الغوطة، وكانت تلفزة النظام تبث بشكل متواصل من معبر الوافدين، وتتهم المعارضة المسلحة إما بمنع المدنيين من المغادرة، أو بقصفها للطريق، فيما كانت المعارضة تتهم النظام نفسه بقصف الطريق والتجهيز لاعتقال الخارجين.

تحت وطأة القصف الذي طال كل شيء، ومع جهود خميس، تغير المشهد كليا خلال ساعات.

سكان الركام

صباح التاسع من آذار/مارس، خرجت الدفعة الأولى من المدنيين من المعبر، قادمين من بلدة عربين التي كان القصف قد دمرها منذ بدء الحملة. في ذات اليوم، تخلى "جيش الإسلام" عن 13 مقاتلا من جبهة "فتح الشام" (جبهة النصرة سابقا) كانوا معتقلين لديه، إثر مفاوضات مع الجانب الروسي، الذي استمر في قصف الغوطة، رغم ما اعتبره جيش الإسلام، بادرة حسن نية من قبله.

أعطت الدفاع الروسية أوامر واضحة على محاور وجبهات الغوطة، وبالذات على معبر الوافدين، بعدم التعرض لأي من المدنيين الخارجين من الغوطة، وتحت أي مسمى كان، اضطرت قوات النظام للسماح للمدنيين بالمغادرة دون أي مضايقات، نساء وأطفال وشبان، خارجين من الجحيم، يغطيهم التراب والغبار، منهكين وجائعين ظهروا على الشاشات الرسمية، يحملون بعض متاعهم، ويبحثون عن أي أرض آمنة.

استمر وبشكل يومي منذ التاسع من آذار/مارس، خروج المدنيين بالآلاف من الغوطة، بالتزامن مع تقدم النظام نحو مدينة دوما، ومدينة حرستا.

النمر روسيا

منذ بداية شباط/فبراير بدأ النظام يروج لعملية الغوطة. صفحات موالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي نشرت صورا ومقاطع مصورة، للعميد سهيل الحسن الملقب بـ "النمر" الذي سبق وخاض معارك في حلب ودير الزور، وهو ذات الضابط الذي ظهر أثناء زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لقاعدة حميميم في الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، حيث أثنى الأسد عليه، فيما ترجم له ضابط روسي، ثناء بوتين عليه وعلى قواته في المعارك.

يحظى الحسن باهتمام روسي خاص، حيث تحولت مرافقته منذ معركة دير الزور إلى ضباط روس، وهو الضابط السوري الوحيد الذي يملك اتصالا مباشرا مع الدفاع الروسية، وهو اتصال كان يقتصر على القصر الجمهوري، حتى بداية العام.

ترعى موسكو الحسن لسببين: الأول، أنها ترى فيه قائدا عسكريا محليا له شعبية واسعة بين مقاتليه وموالي النظام الذين يمجدون "بطولاته" بشكل يومي، ويتفاءلون بتحقيق "النصر" في كل معركة يخوضها، بغض النظر على القوة العسكرية المفرطة التي ترافق هذه العمليات، أو نوع الانتهاكات التي تقوم بها قواته؛

السبب الثاني أن موسكو ترغب في أن يكون النمر قائد فيلق عسكري نظامي جديد في سورية، لا ينافس كل التشكيلات الحالية كالحرس الجمهوري والفرقة الرابعة فقط، بل أن يكون نواة لشكل القوات النظامية في مستقبل البلاد كما تراه موسكو.

التعليقات