الركبان السوري: شهادات حيّة من "مخيّم الموت"

"إنه مخيّم الموت"، هكذا لخّص النازح السوري أبو نشوان، تجربة العيش في مخيّم "الركبان" لمدة ثلاث سنوات ونصف، مقيمًا مع نحو 50 ألف نازح يكافحون من أجل العيش فيه والحصول على أبسط مقوّمات الحياة.

الركبان السوري: شهادات حيّة من

من المخيم (أ ف ب)

"إنه مخيّم الموت"، هكذا لخّص النازح السوري أبو نشوان، تجربة العيش في مخيّم "الركبان" لمدة ثلاث سنوات ونصف، مقيمًا مع نحو 50 ألف نازح يكافحون من أجل العيش فيه والحصول على أبسط مقوّمات الحياة.

ويقع المخيم ضمن منطقة أمنية بقطر 55 كيلومترًا، أقامها التحالف الدولي بقيادة واشنطن عام 2016 حول قاعدته العسكرية في منطقة التنف شمال شرق المخيم، والقريبة من الحدود العراقية والأردنية، في عمق الصحراء السورية.

ويقول أبو نشوان إنّ "أهل المخيم بحاجة إلى كل أنواع المواد الغذائية، من طحين وسكر وأرز وزيت ودبس بندورة وبقوليات"، موضّحًا أنّ الغالبية العظمى من أهل المخيم غير قادرين حتى على شراء الخبز، جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وبحسب قاطنين في المخيم، فإن القلة المتوفرة من المواد الغذائية والمرتفعة الثمن أساسًا، تأتي عبر عمليات تهريب من مناطق تحت سيطرة قوات النظام السوري تقع غرب المخيم؛ إلّا وتيرة التهريب تراجعت خلال الأسابيع الماضية جراء إجراءات أمنيّة مشدّدة فرضتها قوات النظام.

ويصف مقيمون في المخيم تحدثت اليهم وكالة فرانس برس عبر تطبيق "واتساب"، وضعهم المأساوي. ويقيم النازحون، وغالبيتهم فروا من هجمات تنظيم الدولة الاسلامية على ريف حمص الشرقي خلال السنوات الماضية، في خيم متواضعة أو غرف صغيرة من الطين بالكاد تقيهم العواصف وأمطار الشتاء.

منذ تأسيسه في العام 2014، والظروف المعيشية داخل مخيم الركبان تزداد سوءًا، وأودت في بداية الشهر الحالي بحياة طفلين خلال أقل من 48 ساعة، أحدهما كان يبلغ خمسة أعوام، والثانية طفلة رضيعة لم يتجاوز عمرها بضعة أشهر، جراء إصابتهما بتعفن الدم وسوء التغذية.

ودفعت وفاة الطفلين الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر مجددًا، لتعلن أول أمس، الأربعاء، عن حصولها على موافقة الحكومة السورية لإيصال قافلة مساعدات "خلال الأيام القليلة المقبلة" إلى الركبان، قادمة للمرة الأولى من دمشق.

وترسل الأمم المتحدة عادة المساعدات إلى المخيم عبر الحدود الأردنية. وكانت آخر قافلة دخلت اليه في كانون الثاني/ يناير 2018، وتدهورت أوضاع العالقين في المخيم بعد إعلان الأردن حدوده مع سوريا والعراق منطقة عسكرية مغلقةوذلك في منتصف عام 2016، إثر هجوم بسيارة مفخخة تبناه تنظيم الدولة الإسلامية واستهدف موقعًا عسكريًا أردنيًا كان يقدّم خدمات للاجئين. وفي نهاية العام الماضي، طالب الأردن بإيصال المساعدات إلى الركبان عبر دمشق.

ويقول الناشط الإعلامي والمدرّس محمود أبو صلاح، البالغ من العمر 30 عامًا، إن الصعوبات لا تقتصر على "النقص الحاد في الطعام والأدوية وتضاعف الأسعار"، بل تطال صعوبة توفير الحفاضات للأطفال الرضع. مضيفًا أن كثيرين "يستخدمون قطع القماش بدلًا من الحفاضات، ويطعمون الرضع خليط المياه والسكر أو حتى الشاي كمتمم غذائي كونهم يعجزون عن شراء مستلزمات أطفالهم الأساسية".

صورة لحملة تضامن مع المخيم (تويتر)

وقال أبو صلاح إنّ كبار السن يأكلون ما يتوفر من خبز وأرز وبرغل، لكن كثيرين "لا يمكنهم الحصول حتى على هذه المواد"، وينتظر أبو صلاح بفارغ الصبر وصول المساعدات إلى المخيم الذي يرى أنه حان الوقت "للاعتراف به بشكل رسمي بما يتيح دخول المنظمات الإنسانية والأطباء وبناء المستشفيات"، ويتابع، "أو نقله إلى موقع أفضل حالاً تتوفر فيها مقومات العيش".

ويعاني المخيم من نقص حاد في الأدوية. أما النقاط الطبية الموجودة، فهي غير مجهزة إطلاقًا ويعمل فيها ممرضون من دون أطباء، وللحصول على حد أدنى من الرعاية الطبية، يعبر مرضى المخيم الحدود لمسافة كيلومتر واحد وصولاً الى عيادة تابعة للأمم المتحدة في الجهة الأردنية.

ويردد مسؤول إحدى النقاط الطبية في المخيم، شكري شهاب، وهو نازح من مدينة تدمر، عبارة باللهجة العامية "عايش من قلة الموت"، في إشارة إلى الوضع المزري؛ موضّحًا أنّ "لا أطباء في المخيم ولا مركزًا مجهزًا"، مشيرًا إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه النقاط الطبية في المخيم هي "الإسعافات الأولية والولادات الطبيعية".

ويعمل شهاب البالغ من العمر 45 عامًا، في هذه النقطة الطبية مع قابلتين ومتدربي تمريض، ويقول "نقوم بدور الممرض والطبيب والصيدلي معًا". ويشكل غياب المراكز الصحية مصدر قلق أساسي للأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة دايفيد سوانسون، لوكالة "أ ف ب" إنّ "الركبان ليس مخيمًا رسميًا، بل هو تجمع عشوائي للنازحين السوريين. وليس لدى الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية غير الرسمية إمكانية مباشرة للوصول إليه".

ويضيف سوانسون أنه "لا توجد منشآت صحية في الركبان"، في حين أن عيادة الأمم المتحدة لا تقدم "سوى الخدمات الأساسية". وتحيل العيادة التي تغلق أبوابها يوميًا عند الساعة الثالثة عصرًا الحالات الصعبة إلى مستشفيات في الأردن، وهو أمر صعب أساسًا، وفق ما يقول سكان في المخيم.

أما النازح من مدينة تدمر، محمد الخالدي، فهو أب لعشرة أطفال، ولم يجد سوى المخيم ملجأ له، ويقول: "سبق أن أعلننا مخيم الركبان منطقة منكوبة، ولكن لا من مجيب"، مضيفًا: " نشعر وكأننا نعيش خارج الكرة الأرضية".

 

التعليقات