الشمال السوري.. بين مصالح تركيا ونوايا المعارضة ومصير الأكراد وتفاعل النظام

تبدّل المشهد سريعًا في شمال شرق سورية، ليختصر في بقعة صغيرة من البلاد، شكل الصراع الدولي والقوى المتعاركة سياسية وميدانيًا، فيما تسببت المعركة الجديدة التي أعلنت عنها تركيا، بنزوح مليون سوري جديد خلال خمسة أيام فقط من المعارك

الشمال السوري.. بين مصالح تركيا ونوايا المعارضة ومصير الأكراد وتفاعل النظام

(أ ب)

قبل ساعات فقط من انطلاق العملية العسكرية التركية تجاه الأراضي السورية في شمال شرق سورية، كان موقع "عرب 48" يتحدث إلى الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطي (مسد) رياض درار، والذي كان يحذر من كارثة إنسانية في حال بدء العملية العسكرية التركية، قال ضرار: "نحن مستعدون للحوار مباشرة مع أنقرة، ولا نستبعد أيضًا الحوار مع حكومة النظام في دمشق، لأننا جزء من الوطن السوري، ويجب على الحكومة الدفاع عن جميع حدودها".


تبدّل المشهد سريعًا في شمال شرق سورية، ليختصر في بقعة صغيرة من البلاد، شكل الصراع الدولي والقوى المتعاركة سياسيًا وميدانيًا، فيما تسببت المعركة الجديدة التي أعلنت عنها تركيا، بنزوح مليون سوري جديد خلال خمسة أيام فقط من المعارك، وفق ما قالت الإدارة الذاتية الكردية، في حين أعلنت مفوضية اللاجئين في منظمة الأمم المتحدة عن نزوح 300 ألف مدني.

لا تفاوض

ساعات وأعلن الرئيس التركي انطلاق العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم "نبع السلام" (الأربعاء 9 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري)، ليتحرك أكبر حشد عسكري تركي منذ الحرب القبرصية (تموز / يوليو 1974) باتجاه الحدود السورية التركية، من منبج حتى الحدود العراقية السورية التركية، وفق ما  يقول الكاتب المقرب من حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو.

نزوح المدنيين على وقع المعارك (أ ب)

وأكد كاتب أوغلو في حديث خاص لـ"عرب 48"، أن أنقرة متأكدة مما تفعل ومصممة عليه؛ مدعيًا أن "هذه العملية ليست موجهة ضد الأكراد، بل هي ضد تنظيمات إرهابية تهدد السوريين قبل الأتراك".

في حين، رفض كاتب أوغلو حتى الخوض في إمكانية التفاوض مع "مسد"، معتبرًا أن أنقرة لا تدخل في حوار مع من وصفهم بـ"الإرهابيين"، وهو موقف تركي رسمي، أعلنت عنه أنقرة في أكثر من مناسبة.

"الجيش الوطني" يتقدم

يقول "الجيش الوطني السوري"، وهو تجمع فصائل معارضة سورية، مدعومة بشكل مباشر من تركيا، إنه يقاتل كتف بكتف مع الجيش التركي، في العملية العسكرية التي يصفها بـ"الضرورية، في هذه المرحلة من الثورة السورية".

توغل للقوات التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" (أ ب)

وليست هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها "الجيش الوطني" نفسه في قلب معركة يُعلن عنها من أنقرة، وتتوجه بنادقها نحو مناطق في سورية لا تتواجد فيها قوات النظام أو أي من حلفائه، لكن رئيس المكتب السياسي في "لواء المعتصم"، المنضوي ضمن صفوف "الجيش الوطني"، مصطفى سيجري، لا يجد غضاضة في المشاركة بتلك المعركة أو غيرها.

ويقول سيجري في حديث لـ"عرب 48"، إن تحرك "الجيش الوطني" إلى جانب القوات المسلحة التركية، جاء وفق المصلحة السورية العليا، فالحرب ضمن الأراضي السورية، ضد تنظيم "غير سوري"، وصاحب القرار في شمال شرق سورية برأي سيجري، هم قادة حزب العمال الكردستاني.

"هم يريدون تطبيق إقليم كردستان سورية، هم هجروا مئات الآلاف من السوريين واعتقلوا مثلهم، ونهبوا الثروات السورية، فكان لزامًا علينا أن نتحرك ضد هذا المشروع لطردهم إلى خارج سورية"، يقول سيجري.

ويستخدم سيجري تعبير "محاربة الإرهاب" أثناء حديثه معنا، ويقول إن النجاح في مدينتي عفرين وجرابلس بريف حلب، والتي سيطر عليها "الجيش الوطني" بدعم تركي، شجع "الجيش الوطني" على الاشتراك في عملية "نبع السلام" التركية.

قوات تابعة لـ"الجيش الوطني السوري" (أ ب)

وكان رئيس الحكومة السورية المؤقتة (انتخبتها الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري)، عبد الرحمن مصطفى، قد أعلن "استشهاد خمسة وسبعين مقاتلًا من الجيش الوطني السوري" خلال العملية العسكرية في شمال شرق سورية، وذلك يوم أمس، السبت.

إلى الجنوب "الصعب"

وفي القامشلي، يتابع الصحافي جوان عابو، المشهد بحذر، ويُردد مثله مثل الكثير من المثقفين الأكراد عبارات عدة، بعضها يصل إلى حد الشتائم بحق فصائل المعارضة السورية التي تشارك في العملية التركية.

ويعتبر عابو تلك الفصائل "أكثر من خائنة"، وقد "باعت نفسها للسلطان"، مذكرًا بما يقول إنها "مذبحة عفرين" بريف حلب، التي سبق وأن سيطر عليها "الجيش الوطني"، بالتعاون مع الجيش التركي، ولا تزال اتهامات التهجير بحق الأكراد، توجه إلى أنقرة من منظمات دولية وسورية.

معارك في رأس العين الحدودية (أ ب)

ويتنقل عابو من مدينة إلى مدينة في شمال شرق سورية، حيث ترك القامشلي مع آلاف غيره، واتجه إلى الحسكة، أي نحو العمق السوري، كي يبتعد أكثر عن المعارك التي تقترب أكثر فأكثر.

بدورها، تتهم المعارضة السورية "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بتهجير العرب السوريين من المناطق التي سيطرت عليها في المنطقة، وتحديدًا من مدينة الحسكة؛ ما يؤكده سيجري من جديد في حديثه معنا، وهو قول أكد عليه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي اعتبر أن عملية بلاده العسكرية، ستعيد "ملايين اللاجئين السوريين إلى أرضهم ووطنهم".

النار مستمرة، "المأساة" مستمرة

نعود للرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية"، رياض درار، بعد ثلاثة أيام من الاتفاق التركي الأميركي بوقف إطلاق النار في شمال شرق سورية، والذي تم التوصل إليه يوم الخميس 17 تشرين أول/ أكتوبر الماضي.

ويقول درار إنه ينتظر اتفاقًا حقيقيًا بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، ويعتبر أن لا وقف لإطلاق النار قد حدث، "العمليات مستمرة، لقد قتل عدد من المدنيين وعدد من المقاومين في منقطة باب الخير (ريف مدينة الرقة شمال شرق سورية) بعد إعلان وقف إطلاق النار، ما يعني أن الاتفاق بات لاغيًا وغير منفذ".

جيش النظام في عين العرب بموجب اتفاق مع الأكراد (أ ب)

يقول درار إن مدينة رأس العين لا تزال محاصرة، حتى الساعة التي يتحدث فيها معنا، ويشير إلى وجود قتلى تحت الأنقاض، فيما تعج المستشفيات بالمصابين الذين يحتاجون للإسعاف "المأساة كبيرة ولا زلنا بانتظار اتفاق حقيقي لوقف إطلاق النار، وإيجاد حل سياسي بدل أن ندخل في نزيف لا ينتهي".

كانت "قوات سورية الديمقراطية" قد سمحت لقوات النظام السوري بالدخول إلى بعض مناطقها، منها مدينة منبج بريف حلب، فيما تضاربت الأنباء حول مدى تمثيل قوات النظام الفعلي في المدينة، التي طالما رغبت تركيا بالسيطرة عليها، وخاضت مفاوضات شاقة مع واشنطن من أجل ذلك.

بدوره، ينفي المتحدث الرسمي باسم "الجيش الوطني"، الرائد يوسف حمود، سيطرة النظام على منبج، ويقول لـ"عرب 48"، إن جميع المؤشرات تقول إن النظام أبعد مقاتلي الفصائل الكردية وأرسلهم من ريف حلب إلى عين العرب (كوباني) ومنبج مرتدين ملابس النظام العسكرية ورافعين عمله".

"النظام متخوف من دخول منبج الآن، وهو لا يدخل أي منطقة إلا وفق سياسية الأرض المحروقة وبدعم روسي كامل، بعد أن يحرق المنطقة جوًا، هناك خلافات بين ‘قسد‘ ونظام الأسد، رغم التنسيق الأمني بينهما حول الجهة التي ستسيطر على المدينة"، وفق ما جاء على لسان حمود.

ويشدد حمود على أن نية "الجيش الوطني" السيطرة على منبج، ويقول إن المؤشرات العسكرية والسياسية تقول إن "الجيش الوطني" هو الجهة التي ستسيطر على المدينة وعلى عين العرب (كوباني)، في المرحلة اللاحقة.

من الأردن، يراقب المحلل السياسي عبد الرحمن عبارة، المعارك في شمال شرق سورية، ويرى أنه من المبكر الحكم على الاتفاق التركي الأمريكي الأخير، ويرى أن بعض البنود التي اتفق عليها قد تكون حمالة أوجه حين تفسيرها.

"على الرغم من أهمية الاتفاق بين أنقرة وواشنطن على أكثر من صعيد، وخصوصا لجهة تخفيف حدة التوتر بين البلدين، يمكن قراءتها (بنود الاتفاقية) من أكثر من زاوية. العبرة بما سيتم تطبيقه على الأرض؛ كيف ومتى، ومن سيطبق ذلك"، يقول عبارة.

واعتبر عبارة، في وقت سابق، أن توجه الإدارة الذاتية الكردية إلى الحوار مع النظام في دمشق، قد أثبت أن "من راهن على ‘قسد‘ من السوريين المعارضين للنظام، فتحالف سرا أو علنًا مع قياداتها، وتبنى شعاراتها ومظلوميات ادّعوها، لم يكُن ضيّق الأفق فحسب، بل كان لا يرى أبعد من أرنبة أنفه"، في إشارة إلى التوجه الجديد للقوات المعارضة نحو الحوار مع دمشق وموسكو.

التعليقات