تقرير: "داعش" يعود مجددا لشن هجمات في سورية والعراق

السكان في كلا البلدين يقولون إن هجمات "داعش" الأخيرة أكدت فقط ما عرفوه وخشوه منذ شهور: الانهيار الاقتصادي، والافتقار إلى حكم رشيد، والتوترات العرقية المتزايدة، التي تؤدي كلها إلى إزالة مكاسب مكافحة التنظيم

تقرير:

عناصر "داعش" اعتقلو بعد مهاجمة سجن في الحسكة، 21 كانون الثاني/يناير الحالي (أ.ب.)

عاد تنظيم "داعش" ليتصدر العناوين الرئيسية، الأسبوع الماضي، بعد هجوم كبير شنّه عناصره على سجن في سورية وآخر دامي على ثكنات الجيش في العراق، مذكرا بحرب انتهت رسميا قبل ثلاث سنوات ولكن التنظيم لا يزال يشن هجمات متقطعة.

واعتبر الهجومان من بين الأكثر جرأة، منذ أن فقد التنظيم المتطرف آخر المناطق التي استولى عليها، في العام 2019، بمساعدة تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، بعد حرب استمرت سنوات، خلفت خرابا في الكثير من أراضي العراق وسورية.

ويقول السكان في كلا البلدين إن هجمات "داعش" الأخيرة أكدت فقط ما عرفوه وخشوه منذ شهور: الانهيار الاقتصادي، والافتقار إلى حكم رشيد، والتوترات العرقية المتزايدة في المنطقة، التي تؤدي كلها إلى إزالة مكاسب مكافحة "داعش" ما يسمح للتنظيم بتهديد أجزاء مما يسمى "اراضي الخلافة" السابقة مرة أخرى.

وأشار مواطن سوري إلى أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، نفذ مسلحون هجمات متكررة في بلدته الشحيل، معقل "داعش" السابق في محافظة دير الزور شرقي سورية، واعتدوا بالضرب على أفراد من قوات الأمن التي يقودها الأكراد أو الإدارة المحلية، ثم اختفوا.

وأضاف أنه "اعتقدنا أن الأمر قد انتهى ولن يعودوا. ثم فجأة ، انقلب كل شيء رأسا على عقب مرة أخرى ". وأضاف "إنهم في كل مكان، وهم يوجهون ضربات سريعة، وفي الغالب في الظلام". وتحدث شريطة عدم هويته خوفا على سلامته.

قوات سورية الديمقراطية في الحسكة، الخميس الماضي (أ.ب.)

وحُررت آخر رقعة من الأراضي التي سيطر عليها "داعش" بالقرب من الباغوز في شرق سورية، في آذار/مارس 2019. ومنذ ذلك الحين وهو يشن تمردا منخفض المستوى، يتضمن تفجيرات على جوانب الطرق واغتيالات وهجمات كر وفر تستهدف في الغالب قوات الأمن.

ففي شرق سورية، نفذ المسلحون نحو 342 عملية العام الماضي، العديد منها هجمات على القوات التي يقودها الأكراد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وكان الهجوم الذي شنّه عناصر "داعش" على سجن في الحسكة السورية، في 20 كانون الثاني/يناير، أكثر الهجمات تعقيدا حتى الآن. وأسفر عن 332 قتيلا، بينهم 246 من التنظيم و79 من قوات الأمن الكردية وقوات سورية الديموقراطية، وسبعة مدنيين، وفق لمعطيات المرصد السوري اليوم، الأحد.

واقتحم مسلحو "داعش" السجن بهدف تهريب الآلاف من زملائهم، الذين قام بعضهم بأعمال شغب في الوقت ذاته. وسمح المهاجمون لبعض النزلاء بالفرار، واحتجزوا رهائن، بينهم أطفال معتقلون، وقاتلوا قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد لمدة أسبوع. ولم يتضح عدد المسلحين الذين تمكنوا من الفرار ولا يزال بعضهم مختبئا في السجن.

ونفذ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة غارات جوية ونشر جنودا في الموقع. كما أدى العنف إلى نزوح آلاف المدنيين هناك من منازلهم.

اقتحام ثكنات وقتل جنود عراقيين

بعد ساعات من بدء الهجوم على السجن في سورية، اقتحم مسلحو "داعش" في العراق ثكنات في الجبال شمالي بغداد، وقتلوا حارسا و11 جنديا بالرصاص أثناء نومهم، وذلك في إطار تصعيد للهجمات مؤخرا، أثار مخاوف من أن التنظيم يكتسب زخما في العراق أيضا.

مخيم الهول للاجئين السوريين، العام الماضي (أ.ب.)

وذكر مصدر استخباراتي عراقي إن "داعش" ليس لديه نفس مصادر التمويل كما في الماضي، وأنه لن يتمكن من الصمود. وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة معلومات أمنية، "إنهم يعملون كمنظمة لا مركزية للغاية".

من جانبه قال المتحدث باسم الجيش العراقي، اللواء يحيى رسول، إن أكبر عمليات التنظيم ينفذها ما بين 7 و 10 مسلحين. وأضاف أنه يعتقد أنه يستحيل على "داعش" حاليا السيطرة على قرية، ناهيك عن مدينة. ويذكر أنه في صيف العام 2014، انهارت القوات العراقية وتراجعت عندما اجتاح مسلحو التنظيم مساحات شاسعة من شمال العراق.

ونشر التنظيم على قناته "أعماق" على الإنترنت، مقاطع مسجلة مصورة من الهجوم على السجن، مجّد فيها عملياته الأخرى في حملة دعائية مكثفة، بهدف تجنيد أعضاء جدد و"إعادة تنشيط الشبكات النائمة في جميع أنحاء المنطقة"، وفق تحليل أجرته شركة صوفان غروب للاستشارات الأمنية.

استغلال الاستياء العرقي والطائفي وتدهور الاقتصاد

على جانبي الحدود السورية – العراقية، يستغل التنظيم الاستياء العرقي والطائفي وتدهور الاقتصاد. ففي العراق أدى التنافس بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال البلاد إلى ثغرات تسلل منها التنظيم. وساعد إحاطة السنة من السياسيين الشيعة التنظيم على جذب الشباب الي صفوفه.

وفي أفغانستان، صعد مسلحو داعش من هجماتهم على حكام البلاد الجدد من طالبان، وكذلك ضدالأقليات الدينية والعرقية.

أما في شرق سورية، فقد تصاعدت التوترات بين الإدارة التي يقودها الأكراد والسكان العرب. ويغذي "داعش" استياء العرب من هيمنة الأكراد على السلطة والتوظيف في وقت تنهار فيه العملة السورية.

وشنت السلطات الكردية حملات قمع ضد السكان العرب للاشتباه في تعاطفهم مع "داعش"، خاصة بعد موجة الاحتجاجات على الظروف المعيشية. وفي الوقت نفسه، وبهدف تهدئة التوترات، أطلقت السلطات الكردية سراح العرب المحتجزين وشجعت أفراد القبائل العربية على الانضمام إلى صفوف قوات سورية الديمقراطية ( قسد).

قوات سورية الديمقراطية في الحسكة، الإثنين الماضي (أ.ب.)

ولدى مسلحي التنظيم خلايا تمتد من الباغوز شرقا إلى ريف منبج بمحافظة حلب غربا، بحسب مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، رامي عبد الرحمن، الذي قال "إنهم يحاولون إعادة تأكيد وجودهم".

وشرق سورية منقسم أيضا بين عدة قوى متنافسة. وتسيطر الإدارة التي يقودها الأكراد على معظم الأراضي الواقعة شرقي نهر الفرات، بدعم من مئات من القوات الأميركية، بينما يقع مقر الحكومة السورية وحلفائها الروس والإيرانيين غربي الفرات. وتنظر تركيا والمقاتلون السوريون المتحالفون معها إلى الأكراد على أنهم أعداء وجوديين.

وقالت محللة شؤون سورية لدى مجموعة الأزمة الدولية ، دارين خليفة، إن اعتماد قوات سورية الديمقراطية على "وجود أميركي غير متوقع” في قتال المسلحين يمثل أحد أكبر تحدياتها.

وأضافت أن السكان المحليين يترددون في التعاون مع الغارات ضد "داعش" أو تقديم معلومات استخبارية عن خلايا داعش، لا سيما بعد أن هدد التنظيم الإرهابي أو قتل عددا من المتعاونين المشتبهين في السابق.

علاوة على ذلك ، قالت دارين إن ادعاء السلطات الكردية بأنها قادرة على الحكم وتقديم الخدمات للمنطقة وسكانها المختلطين، "تلقى ضربة في عام 2021 مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة".

ويقول السكان إن "داعش" لا يجمع الضرائب أو يجند الأفراد، مما يشير إلى أنهم لا يسعون إلى الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها، مثلما فعلوا في عام 2014، عندما أصبحوا حكاما فعليين لمنطقة امتدت عبر ما يقرب من ثلث سورية والعراق، بل يستغلون الفراغ الأمني ​​وغياب الحكم ويلجأون إلى التخويف والخطف.

وقال مواطن من الشحيل في دير الزور إنهم ينشطون في الغالب ليلا، في هجمات خاطفة على مواقع عسكرية أو عمليات قتل استهدافية يتم تنفيذها من دراجات نارية مسرعة.، مضيفا "أنها عمليات كر وفر".

كما وصف المنطقة بأن التوترات تسودها باستمرار، وأنها تقع تحت تهديد غير مرئي من مسلحين يندمجون في وسط السكان، وأن الخوف منهم يسود بين السكان، فلا أحد يتحدث عنهم بصراحة ، سواء بالإشادة او بالانتقاد. واختتم قائلا إن "الكل يخشى القتل. فلديهم سمعة ( سيئة)، وهم لن يرحلوا أبدا".

التعليقات