الأسد ووزير خارجية السعودية يبحثان عودة سورية إلى "محيطها العربي" وإنهاء النزاع

إثر اندلاع الاحتجاجات في سورية التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع دام في 2011، قطعت دول عربية عدة على رأسها السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

الأسد ووزير خارجية السعودية يبحثان عودة سورية إلى

الأسد ووزير خارجية السعودية

اعتبر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اليوم الثلاثاء، أنّ العلاقة "السليمة" مع الرياض هي "الحالة الطبيعية"، وذلك خلال لقائه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي قام بأول زيارة رسمية سعودية إلى دمشق منذ القطيعة بين الدولتين مع بدء النزاع في سورية.

وبحث المسؤولان، وفق الخارجية السعودية، "تسوية سياسية شاملة" لإنهاء الحرب في سورية.

وتتوّج هذه الزيارة استئناف علاقات سورية - السعودية والانفتاح العربي الذي تضاعف خلال الأسابيع الماضية تجاه دمشق التي قاطعتها دول عربية عدة وأبعدتها عن جامعة الدول العربية منذ نحو 12 عاما.

ويأتي الانفتاح السعودي على سورية في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران، حليفة دمشق، على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي.

واعتبر رئيس النظام، بشار الأسد، خلال اللقاء مع الوزير السعودي، وفق ما نقل الإعلام الرسمي السوري، أنّ "العلاقات السليمة بين سورية والمملكة هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون، وهذه العلاقات لا تشكّل مصلحة للبلدين فقط، وإنما تعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضا".

وأضاف أنّ "الأخوّة التي تجمع العرب تبقى الأعمق والأكثر تعبيرا عن الروابط بين الدول العربية"، معتبرا أنّ "السياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية تصبّ لصالح الدول العربية والمنطقة".

وشدّد الأسد على أنّ "الدور العربي الأخوي ضروري في دعم الشعب السوري لتجاوز كافة تداعيات الحرب على سورية".

وأعلنت وزارة الخارجية السعودية في بيان أنّ المسؤولَين بحثا "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها (...) وتساهم في عودة سورية إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي".

وأكّد الوزير السعودي، وفق البيان، للأسد "أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سورية، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين" و"اتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية".

وإثر اندلاع الاحتجاجات في سورية التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع دام في 2011، قطعت دول عربية عدة على رأسها السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

وقدّمت السعودية، التي أغلقت سفارتها في دمشق في آذار/مارس 2012، خلال سنوات النزاع الأولى خصوصا دعما للمعارضة السورية، واستقبلت شخصيات منها على أراضيها.

لكن خلال السنوات القليلة الماضية برزت مؤشرات انفتاح عربي تجاه سورية بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق العام 2018.

ويبدو أنّ الزلزال المدمّر في سورية وتركيا المجاورة في شباط/فبراير، سرّع عملية استئناف دمشق علاقتها مع محيطها الإقليمي مع تلقي الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربيّة.

وظهر الانفتاح السعودي تجاه دمشق للمرة الأولى بعد الزلزال مع هبوط طائرات مساعدات سعودية في مناطق سيطرة الحكومة، كانت الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.

وما هي سوى أسابيع قليلة حتى أعلنت الرياض الشهر الماضي أنّها تجري مباحثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصلية.

ومنذ بداية الشهر الحالي، يجري وزير خارجية النظام السوري جولة عربية. وقد زار القاهرة في الأول من الشهر الحالي في زيارة هي الأولى على هذا المستوى منذ بدء النزاع.

وفي 12 نيسان/ أبريل، التقى المقداد ببن فرحان في مدينة جدة في أول زيارة رسمية إلى السعودية منذ القطيعة، ثم توجه لاحقا إلى الجزائر، إحدى الدول العربية التي حافظت على علاقاتها مع دمشق.

سعيّد: حريصون على استئناف سير العلاقات مع سورية

وقي سياق ذي صلة، التقى المقداد اليوم في تونس الرئيس قيس سعيد، الذي أعلن الشهر الحالي استئناف العلاقات مع سورية.

وقال قيس سعيد، إن بلاده حريصة على استئناف السير الطبيعي للعلاقات والتعاون الثنائي مع سورية.

جاء ذلك خلال لقاء جمع سعيد مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد بقصر قرطاج قرب العاصمة تونس، في إطار زيارة رسمية يجريها الأخير للبلاد، حسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية التّونسية.

وأكد الرئيس سعيد على "حرص تونس الثابت على استئناف السير الطبيعي لروابط الأخوة والتعاون المتينة والتاريخية القائمة بين تونس وسورية".

وأشار إلى "ما يجمع تونس بسورية من قواسم حضارية وثقافية وإلى ما يحدوهما من عزم مشترك على إعطاء دفع جديد للعلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى أعلى المستويات ورفع كلّ التحديات من أجل تحقيق تطلعات الشعبين".

من جانبه، قال المقداد، إن "القرارات الجريئة والشجاعة التي اتخذها الرئيس سعيد لا تعبر فقط عن إصرار وعزيمة من أجل توحيد جهود الأمة العربية لمواجهة التحديات التي يتعرض لها الجميع لكنها تعبر بشكل دقيق عن الإيمان بالحاضر والمستقبل"، حسب البيان ذاته.

وأضاف: "نحن في سورية مرتاحون جدا للعلاقات التي ربطت بين البلدين".

وتابع: "هناك سفير سوري جديد (لدى تونس) وافقت عليه دمشق وسنقوم خلال الأيام القادمة بفتح سفارتنا (في تونس) بعد تفقدها وإرسال كادر دبلوماسي جديد".

والتقى المقداد بوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج، نبيل عمار، أعقبه جلسة مباحثات موسعة ضمت وفدي البلدين إذ تمحورت حول تكثيف التواصل بين البلدين في المرحلة المقبلة بهدف تعزيز التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والمسائل الثنائية وذات الاهتمام المشترك، والعمل على عقد اللجنة المشتركة واستئناف التعاون الاقتصادي بين البلدين ولا سيما في المجالات ذات الأولوية؛ حسبما جاء في بيان مشترك للبلدين.

كما بحث الطرفان تعزيز التعاون في المجال الأمني ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وشبكات الإتجار بالبشر، وتعزيز التعاون في المجال القنصلي والإنساني، والعمل على عقد اللجنة القنصلية المشتركة في أقرب الآجال الممكنة.

ووفقا للبيان المشترك، تؤكد تونس أن أمن واستقرار سورية هو دعامة لأمن واستقرار المنطقة بأكملها، كما تعرب عن تضامنها الكامل ووقوفها مع سورية إزاء اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على أراضيها ودعم حقها المشروع في استعادة الجولان المحتل.

والإثنين، وصل وزير خارجية النظام السوري في زيارة عمل إلى تونس تستمر 3 أيام.

وتعدّ زيارة المقداد أول زيارة يجريها مسؤول في النظام السوري إلى تونس منذ قطع العلاقات بين البلدين في شباط/ فبراير 2012، ضمن تحرك عربي على خلفية الأزمة السورية.

واستضافت السعودية، الجمعة، اجتماعا لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق لبحث عودة دمشق إلى محيطها العربي.

ولم يصدر المجتمعون قرارا يقضي بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، التي علّقت عضويتها فيها في 2011، لكنّهم أكّدوا على "أهمّية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة" في سورية، وعلى "تكثيف التشاور بين الدول العربيّة بما يكفل نجاح هذه الجهود".

ويبدو أنّ قطر لا تزال تعارض عودة سورية إلى الجامعة العربية، إذ اعتبر رئيس الوزراء محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني الأسبوع الماضي أن أسباب تعليق عضويّتها لا تزال قائمة.

لكن في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" الشهر الماضي، قال الأسد "لن نعود إلا اذا كان هناك توافق"، معتبرا أنّ "العودة إلى الجامعة العربية ليست هدفا بحدّ ذاته، الهدف هو العمل العربي المشترك".

ويتزامن الانفتاح العربي على دمشق مع تغيّر الخارطة السياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي - الإيراني الذي تُعلّق عليه آمال بعودة الاستقرار في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة.

وفي مقابلته مع "روسيا اليوم"، قال الأسد إنّ "الساحة السورية لم تعد مكان صراع إيراني سعودي كما كانت في بعض المراحل".

وبعد 12 عاما من الحرب، تتطلع دمشق اليوم إلى أموال إعادة الإعمار بعدما استعادت قواتها غالبية المناطق التي كانت خسرتها في بداية النزاع بدعم من حليفيها الأساسيين: روسيا وإيران.

وأودى النزاع بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشرّد أكثر من نصف سكان سورية داخل البلاد وخارجها. كما أنه حوّل البلاد إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية. وترك كل ذلك أثره على الاقتصاد المنهك جراء الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمصانع والإنتاج.

قد لا تغيّر عودة سورية إلى الحضن العربي الخارطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ هناك أطراف أخرى يجب أخذها بالحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التي تنشر قوات في سورية دعما للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية، والتي بدأت بدورها مباحثات مع سورية حول استئناف العلاقات.

التعليقات