ما فرص نجاح إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا؟

على الرغم من الترحيب الدولي والعربي الذي رافق الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا، إلا أن تحقيق القرار فعليا وفرضه على الأرض، لا يزال مرهونا باجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة

ما فرص نجاح إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا؟

قوات التابعة لحكومة طرابلس (أ ب)

على الرغم من الترحيب الدولي والعربي الذي رافق الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا، إلا أن تحقيق القرار فعليا وفرضه على الأرض، لا يزال مرهونا باجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، وسط تشكيك بقدرة اللجنة على التوصل لاتفاق بشأن إخلاء مدينتي سرت والجفرة وسط البلاد، من السلاح، حسبما جاء في المقترح الأميركي الذي لاقى تأييدا من قبل الدول الفاعلة في ليبيا.

وأعربت البعثة الأممية في ليبيا عن أملها بأن "تفضي دعوة البيانين لوقف إطلاق النار إلى الإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة، والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضي الليبية، علما بأن بياني رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، يتوافقان على الدعوة لوقف إطلاق النار.

يأتي ذلك فيما يتواصل غموض موقف اللواء خليفة حفتر من الدعوة لوقف إطلاق النار، وسط خلافات واسعة بين قادة من برلمان طبرق وضباط من الدائرة المقربة من حفتر حول الرضوخ للضغوط الدولية بشأن القبول بوقف إطلاق النار وإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح تمهيدا لعملية سياسية جديدة، بحسب ما نقلت صحيفة "العربي الجديد" اللندنية عن مصادر حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق.

وفي هذا السياق، شدد برلماني من طبرق على أن حفتر لا يزال يراهن على الإصرار الروسي على استمرار وجود مرتزقة فاغنر في منطقة الجفرة وحقول النفط وموانيه، وأوضح أن الإمارات لا تزال وراء موقف حفتر المتصلب من مستجدات الأوضاع وإصراره على دعم الوجود الروسي، الذي قد يشكل عامل عرقلة للتوصل إلى وقف إطلاق النار ونزع السلاح من سرت والجفرة.

الاتحاد الاوروبي يرى "أملا جديدا" بعد إعلان وقف النار في ليبيا

وأعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، اليوم السبت، في بيان باسم الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد أن إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا واستئناف العملية السياسية "يعطيان أملا جديدا" لإيجاد حل سلمي.

وأعلنت السلطتان المتحاربتان في ليبيا في بيانين منفصلين الجمعة وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل وتنظيم انتخابات في أنحاء البلاد.

وقال بوريل في البيان "إنه تقدم أولي بناء يدل على تصميم المسؤولين الليبيين على تخطي المأزق الحالي وإيجاد أمل جديد للتوصل إلى توافق لإيجاد حل سياسي سلمي للأزمة (...) ووقف أي تدخل أجنبي في البلاد". وأضاف "نؤكد التزامنا مع الشعب الليبي الجهود الرامية إلى تأسيس دولة ذات سيادة وموحدة ومستقرة ومزدهرة".

ودعم الاتحاد الأوروبي الاتفاق الذي سيؤدي إلى وقف فوري للأعمال العسكرية في ليبيا "ويتطلب مغادرة جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة الموجودين" واستئناف المفاوضات في إطار عملية تديرها الأمم المتحدة. ودعا بوريل إلى تطبيق الاتفاق على الأرض عبر "وقف دائم لإطلاق النار".

وشدد بوريل على وجوب أن تعقب الإعلان "تطورات ملموسة" كاستئناف تام لإنتاج النفط في كل البلاد و"تطبيق الإصلاحات الاقتصادية للاتفاق على آلية عادلة وشفافة لتوزيع إيرادات النفط وتحسين إدارة المؤسسات الاقتصادية والمالية الليبية".

ولفتت مصادر "العربي الجديد" في حكومة من طرابلس إلى أن الأمم المتحدة تستعد لاستضافة جولات جديدة لمحادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 في العاصمة السويسرية جنيف، التي اجتمعت فيها، الخميس الماضي، برئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، لبحث "سبل إعادة تفعيل المسار السياسي، إضافة إلى بحث الأوضاع العسكرية وملف الفساد والآثار المترتبة على استمراره"، وفق ما نشرته البعثة الأممية عبر صفحتها الرسمية. وكانت مصادر ليبية قد كشفت قبل أيام عن استعداد جنيف والعاصمة المغربية الرباط لاستضافة جولات جديدة بين الأطراف الليبية.

إشكالية الإخلاء في سرت والجفرة

في المقابل، شكك مراقبون ليبيون في قدرة اللجنة العسكرية المشتركة على التوصل لاتفاق بشأن إخلاء المنطقتين، وسط البلاد، من السلاح وفق مقترح أميركي مؤيد من عدد من الدول العربية والأوروبية.

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، إن المقترح الأميركي يبدو أنه الأقرب للتطبيق وحشدت له واشنطن دعما دوليا وإقليميا وأمميا أيضا، لكنه لا يهدف إلى حل الازمة الليبية بقدر ما يتوقف عند حل أزمة النفط وإعادة إنتاجه وتصديره.

وبينما رحبت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بدعوة بياني السراج وصالح لإعادة استئناف حركة التصدير والإنتاج، إلا أن مواقع النفط لا تزال على حالها دون أن يعلن حفتر عن إعادة تشغيلها وإخلائها من المسلحين، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ورجّح البرق أن ينجح المسؤولون الأميركيون بالضغط على حفتر من خلال حلفائه، لا سيما القاهرة التي يبدو أنها تؤيد المقترح الأميركي.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث الليبي أنه "إذا سحب حفتر ميلشياته القليلة من سرت والجفرة فسينكشف الوجود الروسي للرأي العام، وستضطر عندها موسكو لسحب قواتها، وخصوصًا من حقول النفط"، واعتبر أن فرض واشنطن لمقترحها إشارة لفشل المقاربات التي كانت تجريها أنقرة مع موسكو من أجل التوصل لصيغة للتفاهم بشأن الأوضاع في سرت ومناطق النفط.

واعتبر البرق أن تأخر حفتر في الإعلان عن وقف النار هو "موقف تعنت وتصلب لن يطول وسينصاع للإرادة الدولية قريبا، ويرسل ممثليه العسكريين للمشاركة في محادثات اللجنة العسكرية"، وشدد على أن الهدف الأميركي سيتوقف بعدها عند دعم عودة الجهود الأممية لحث الأطراف على الذهاب إلى مفاوضات سياسية.

المصالح الخارجية قد تحبط المحادثات

بالنسبة للخبير في مركز "المجلس الأطلسي" للأبحاث عماد بادي، سيكون تطبيق وقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات "مسارا شاقّا" لأن القوى المحلية "حذرة، ليس فقط من بعضها، بل كذلك من الأطراف الدولية المتورطة" في النزاع.

أما الباحث في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن" ولفرام لاخر، يرى أن "مصالح الفاعلين الخاصة يمكن بسهولة أن تحبط المحادثات مهما كانت المرحلة التي بلغتها".

وشدد السراج على ضرورة جعل سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح في سبيل تحقيق تقدم في الحوار، في حين لم يتحدث صالح عن هذه الفكرة.

لكن رئيس البرلمان في طبرق يقترح تشكيل مجلس رئاسي جديد للحكومة، يشكل بديلا من مجلس السراج، يكون مقر عمله سرت.

واعتبر الباحث في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن"، لاخر، أن هذه الخلافات وعدم الخوض في بعض المواضيع "يكشف" ما وراء الأكمة.

وفي هذا الصدد، أوضح الباحث أن المنطقة المنزوعة السلاح "خطة أميركية وبريطانية وألمانية تهدف لاحتواء التأثير التركي والروسي في الميدان". وأضاف أن روسيا تعارض إقامتها، وكذلك الإمارات "التي تدعم الحضور العسكري الروسي في ليبيا".

كما يرى بادي أن المنطقة المنزوعة السلاح ستكون "نقطة خلاف". ومن مصلحة روسيا التي تنشر عددا كبيرا من المرتزقة في المنطقتين أن تحافظ على حضور في الجفرة، وتقوّض المسار المدعوم من الولايات المتحدة والذي يرمي إلى تقليص النفوذ الروسي، وفق الباحث في "المجلس الأطلسي".

اقرأ/ي أيضًا | أردوغان يهاجم اتفاقية ترسيم الحدود اليونانيّة المصريّة: "لا قيمة لها"

التعليقات