الأحزاب العلمانية في مصر في سباق لإكتساب مصداقية

تسابق الجماعات السياسية ذات الرؤية العلمانية لمستقبل مصر الزمن لتشكيل ائتلاف ينافس الإسلاميين الأكثر تنظيمًا في الانتخابات البرلمانية التي تجري في أيلول (سبتمبر) المقبل.

الأحزاب العلمانية في مصر في سباق لإكتساب مصداقية

تسابق الجماعات السياسية ذات الرؤية العلمانية لمستقبل مصر الزمن لتشكيل ائتلاف ينافس الإسلاميين الأكثر تنظيمًا في الانتخابات البرلمانية التي تجري في أيلول (سبتمبر) المقبل.
والتحدي الذي تواجهه هو تشكيل جبهة موحدة تمثل الثورة التي قادها شبان اعتمدوا على الإنترنت والتي استثارت الكرامة الوطنية أكثر من الاعتبارات الدينية، مما دفع مئات الآلاف إلى النزول الى الشوارع في فبراير شباط وإنهاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي استمر نحو 30 عاما.
وتواجه الجماعات العلمانية منافسين أقوياء من بينهم جماعة الاخوان المسلمين. وخلال حكم مبارك كانت جماعة الاخوان محظورة رسميا لكنها حظت بمساحة للتحرك سياسيا وهي لذلك في وضع أفضل للاستفادة من انتخابات تجرى على عجل. وتقول إنها ربما تفوز بما بين 35 و40 في المئة من مقاعد البرلمان.
والجماعة الاسلامية التي ابتعدت عن الصدارة في الأيام الأولى من الثورة التي أطاحت بمبارك في 11 فبراير لديها تنظيمات على مستوى القاعدة العريضة وقوة مالية وقبول عام.
وقال عماد جاد، العضو البارز في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهو حزب ليبرالي يحاول تنظيم صفوفه إنّ "التحدي الأكبر بالطبع هو الأمية والجهل" وقدرة الجماعات التي تستغل الدين على تشويه صورة الأاحزاب المدنية ووصمها أانها ملحدة أو ضد الدين.
وصرح في مقابلة أن الحزب يحاول تشكيل ائتلاف واسع وقوي قبل الانتخابات، مضيفًا أن الائتلاف ينبغي أن يوحد جميع القوى التي تدعم الدولة المدنية على أساس المواطنة والمساواة.
ولا يعطي الجدول الزمني المضغوط للانتخابات -الذي وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد منذ تنحي مبارك- الاحزاب الجديدة وقتا كافيا لجمع المال أو حشد التأييد الشعبي لحملتها. وتقول الجماعات المدنية إن الجدول الزمني يقيد المنافسة.
وقال محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومرشح الرئاسة، في مقابلة مع صحيفة المصري اليوم: "أخشى ما أخشاه ان يكون هناك برلمان في سبتمبر المقبل غير ممثل للشعب تمثيلا حقيقيا."
وفي الاستفتاء الذي أجري في آذار (مارس) وافق 77 في المئة من الناخبين على تعديلات دستورية تتيح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة اجراء انتخابات برلمانية بسرعة في أيلول (سبتمبر) وانتخابات رئاسية قبل نهاية العام.
وأيد الاخوان المسلمون التعديلات الدستورية والجدول الزمني الذي وضعه المجلس الأعلى للانتخابات، فيما دعا العديد من الاحزاب الاصلاحية لرفض هذه التعديلات وطالبوا بوضع دستور جديد وأشاروا للحاجة لمزيد من الوقت قبل اجراء الانتخابات.
ولكن هؤلاء الاصلاحيين بحاجة لتوحيد كلمتهم والتحدث بصوت واحد. وخلال المفاوضات بين الاحزاب الليبرالية لم يعارض أحد فكرة الائتلاف وصرح جاد أن المسألة الآن هي "متى وكيف".
وقال إن حزبه الديمقراطي الاجتماعي يسعى لزيادة الوعي في القاهرة والاسكندرية وصعيد مصر ومناطق أخرى.
ولكن هذا الحزب وغيره من الجماعات المماثلة التي ظهرت في الاونة الأخيرة ليس لها الانتشار الواسع مثل جماعة الاخوان المسلمين، التي تأسست قبل عشرات الاعوام. وكانت الجماعة هدفا لحملة قمع ابان حكم مبارك ولكنها التفت حول الحظر المفروض على ممارستها العمل السياسي من خلال التقدم بمرشحين مستقلين في الانتخابات البرلمانية. كما كونت قاعدة تأييد في النقابات المهنية ومن خلال أنشطة خيرية ومجتمعية.
ويقول العلمانيون الذين يحاولون تشكيل أحزاب إنهم ليسوا ضد الدين ولكنهم يعارضون تسييسه. ويضيفون إن جماعة الاخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الاسلامية استخدمت شعارات دينية مضللة لاستمالة الناخبين في استفتاء مارس.
وقال نبيل عبد الفتاح، المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، إن مصطلح علماني تحول ليصبح مصطلحا مشوها ومذموما. وأضاف أنه جزء من إستراتيجية لتشويه اللغة والمصطلحات يستغلها التيار الاسلامي ببراعة لافساد الوعي العام.
وخلال الاستفتاء ظهرت ملصقات عليها شعار الاخوان المسلمين تصف إقرار التعديلات الدستورية والتصويت بـ"نعم" بأنه واجب ديني.
وجاء في منشورات أخرى وزعتها جماعات إسلامية إن الدولة العلمانية هي دولة لا دين لها.
وقالت جماعة الاخوان المسلمين إنها لا تستغل الدين في حملتها ولم تطلب من أعضائها توزيع مثل هذه الملصقات، ولكن نشطاء علمانيين يتهمونها وغيرها من الجماعات الاسلامية بالتشكيك في المصوغات الدينية لمن يطالبون بديمقراطية علمانية. وفي دعايتها استبدلت جماعات سياسية جديدة مصطلح "حكومة علمانية" بمصطلح "حكومة مدنية" لمحاولة تحسين موقفها.
ويخشى بعض الساسة العلمانيين أن يكون توقيت الانتخابات البرلمانية في سبتمبر لصالح الاسلاميين لأنها تأتي في أعقاب شهر رمضان الذي يشهد تناميا للمشاعر الدينية.
ويقولون إن التوقيت يلمح إلى أن المجلس الأعلى يفضل الاخوان المسلمين لأن العلمانيين ربما يكونون أكثر ميلا للتدقيق في شبكة المصالح وأنشطة الجيش في قطاع الأعمال.
وتقول مروة فاروق، مؤسسة حزب يساري جديد، إن الجيش يريد حماية مصالحه، وتضيف أنه ما من تعارض بين مصالح الاخوان المسلمين ومصالح الجيش وأن ثمة تحالفا بينهما.
وينفي المسؤولون العسكريون الانحياز لأي طرف، ويقولون إن همهم الوحيد نقل السلطة للمدنيين في أقرب وقت ممكن. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه لا يوجد مؤشر إلى أن الجيش يرغب في الاحتفاظ بالسلطة رغم أنه قد يظل في الخلفية كـحام لمصر.
وقال اللواء اسماعيل عتمان، أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في مؤتمر صحافي، الشهر الجاري، إن القوات المسلحة لا تساعد أو تدعم أية فئة بعينها في البلاد.
ويرى مراقبون للمشهد الحزبي المصري أنه ينبغي على الجماعات ذات التوجه العلماني الاستعانة بشبكة سياسية قائمة بالفعل، والاتصال بمرشحين على صلة بالحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه مبارك والذي أصدر القضاء حكمًا بحله.
ولا تزال الشبكة القديمة للحزب التي تضم شخصيات محلية معروفة وعصبيات ومصالح تجارية متماسكة.
وقال جمال جميع (27 عامًا)، وهو محلل مالي، إنه "ينبغي أن تبدأ الاحزاب السياسية الجديدة في اختيار وضم مرشحين صالحين سابقين من الحزب الوطني الديمقراطي الذين يملكون بالفعل شبكة علاقات قوية في مختلف الدوائر الانتخابية". وتابع أنه يجب على الاحزاب العلمانية القبول بهذا الخيار إذا ارادت منافسة الجماعات الاسلامية الصاعدة في مصر.
وربما يكون من الصعب على من خاطروا بكل شيء للاحتشاد في شوارع مصر احتجاجا على القمع والرأسمالية التي تقوم على المحاباة والفساد الجماعي لنظام مبارك قبول مثل هذا التحالف التكتيكي.

التعليقات