عبد الوهاب المسيري يكتب برنامجه الانتخابي للرئاسة

● لا بد أن يمنع النظام الجديد تسمية أى مؤسسة (مدرسة أو ميدان عام أو شارع.. إلخ) باسم رئيس جمهورية مصري على قيد الحياة، ولا أن تعلق صورته فى المؤسسات الحكومية أو في الأماكن العامة. كما يجب أن يمنع نشر الإعلانات المدفوعة الأجر التي يعلن فيها العاملون في مؤسسة ما تأييد الرئيس أو الوزير الفلاني أو المحافظ، وإعلانات التعزية لرئيس المصلحة أو وكيل الوزارة لوفاة أحد أقاربه! وتمنع المهرجانات التي تحتفل بمناسبات خاصة مثل عيد ميلاد الرئيس.

عبد الوهاب المسيري يكتب برنامجه الانتخابي للرئاسة

 

في ندوة بعنوان «المسيري الغائب الحاضر في الثورة المصرية»، نظمها موقع «مفكرون»، سأل أحد الشباب: ماذا لو كان الدكتور المسيري بيننا في ميدان التحرير وما هو رأيه فيما تمر به مصر الآن؟ وبمجرد أن انطلق هذا السؤال تذكر فضل عمران أحد تلامذة المسيري، والمشرف على مكتبه حتى الآن، أن الأستاذ الراحل قد حدثه أنه كتب برنامجا انتخابيا عام 2005، ومن ثم استطاع العثور عليه، وها نحن ننفرد فى «الشروق» بنشر هذا المقال المخلص والبديع والذي يكشف عن شفافية عقل هذا الرجل، الذى خسرناه حقا فى هذه الثورة المذهلة.

فى هذا المقال نكتشف بسهولة أننا لم نخسر عبد الوهاب المسيري، وأنه أكثر حضورا من كثيرين يملؤن الدنيا صخبا من حولنا بهزيل الكلام وبتوافه الأفكار، فهذا الرجل الذي رحل جسده يبدو شديد الحضور والتأثير بأفكاره.. المسيري يبدو موجودا.. وحاضرا وقويا وثوريا.. لا يتنازل عن الحق ولا يخشى فيه لومة لائم.. ولو كره كل أعداء الثورة.

رئيس التحرير "الشروق"
 


برنامجي الانتخابـي للرئاسة/ بقلم: د.عبد الوهاب المسيري

طلبت مني إحدى المجلات ـــ التي يقال لها «قومية» ـــ أن أكتب برنامجي الانتخابي لو انتخبت رئيسا للجمهورية. وقد وجدت أن الفكرة طريفة ومبدعة، فاتصلت ببعض الأصدقاء واستشرتهم في الموضوع وكتبت هذا البرنامج. مع العلم أنني لا أنوي ترشيح نفسي فى هذه الدورة، حيث إنني أعلنت في أحد المؤتمرات أنني سأذهب إلى فنزويلا مدة خمس سنوات لآخذ دورة تدريبية فى كيفية التصدى للولايات المتحدة. لأن فنزويلا دولة صغيرة، وتقع على بعد عدة أميال من الوحش الأمريكي الكاسر ومع هذا لها أولوياتها وتوجهاتها التي لا يوافق عليها الوحش، بينما ترتعد فرائص نخبنا العربية الحاكمة منه (انظر كيف امتنعوا عن الذهاب إلى القمة العربية اللاتينية بسبب الضغط الأمريكي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن تفلت بلاد الجنوب من قبضتها!) هل هذا يعود إلى أن جماهير الشعب تقف وراء شافيز، بينما تقف نخبنا الحاكمة عارية أمام الوحش الكاسر؟ وهل هو وحش كاسر بالفعل؟ أم أن موقف شافيز يدل على أنه يمكن تحطيم أسنانه وتقليم أظافره؟ الله أعلم.

وبالمناسبة بعد أن كتبت برنامجي الانتخابي التفصيلي، لم تتصل بي المجلة التى يقال لها «قومية»، وصدر العدد دون إسهامي وإسهام أصدقائي. المهم، في ما يلي البرنامج:

الدولة الديمقراطية الحقيقية لا بد أن تكون دولة مؤسسات، بمعنى أنه حتى لو انتخب رئيس الدولة بطريقة صحيحة، لا يزال من الضروري أن تكون هناك مؤسسات استشارية تحلل له الموقف وتعطيه تقديراتها بخصوص المستقبل. فالدولة الحديثة مركبة إلى أكبر حد ولا يمكن لفرد واحد (مع شلة محيطة به) أن يتخذ قرارا سليما دون مساعدة الخبراء والمتخصصين.

ومن هنا ضرورة أن تكون صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة، وتقيدها المؤسسات والمجالس النيابية المنتخبة. ولعله من المستحسن الابتعاد عن النظام الرئاسي تماماً، ليحل محله نظام برلماني، كما يجب تحديد المرات التي يسمح بها لشخص ما أن يتولى رئاسة الجمهورية بمرتين.

الدولة الديمقراطية الحقة تتوافر فيها الصفات التالية:

ــ الفصل بين السلطات.

ــ سيادة القانون.

ــ إلغاء قانون الطوارئ وكل القوانين السالبة للحريات.

ــ حرية تشكيل الأحزاب.

ــ إطلاق حرية النقابات المهنية والعمالية والنوادي الرياضية.

ــ إطلاق حرية الحركة الطلابية.

ــ إطلاق حرية التظاهر والإضراب السلمي والاجتماع دون قيود، طالما كانت سلمية وغير مسلحة، حتى تظل النخبة الحاكمة على صلة بالجماهير. 

ــ على كل كبار الموظفين (بما في ذلك رئيس الجمهورية) أن يقدموا كشفا بذمتهم المالية عند دخولهم الحكم ثم عند خروجهم منه.

ــ لا مركزية القرار مسألة مهمة، تساعد على أن يكون القرار مرتبطا بالجماهير ومشكلاتها. ومن ثم يجب إعطاء صلاحيات أكبر للمحافظين، كما يجب أن تكون كل المناصب القيادية بالانتخاب.

ــ لابد من إطلاق حرية تكوين الجمعيات الأهلية التي تسمى الآن جمعيات المجتمع المدني (غير الحكومية)، على أن يكون تمويلها من الداخل، حتى تكون أهلية بالفعل. ولعل إعادة مؤسسة الوقف التى تم إلغاؤها في أوائل الخمسينيات قد يساعد على حل مشكلة التمويل.

ــ سأؤكد أن العدو الاستراتيجي لمصر على وجه الخصوص، وللعرب والمسلمين على وجه العموم، هو الدولة الصهيونية وأن التوجه العام لمصر لتستعيد مكانتها التي فقدتها ولتحقق استقلالها واكتفاءها الذاتي هو أن تتوجه شرقا وجنوبا، ابتداء بالعالم العربي ثم العالم الإسلامى وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع عدم استبعاد إمكانية توثيق العلاقة مع بعض الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا وإسبانيا. وفى عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى (الولايات المتحدة ــ الاتحاد الأوروبي- الصين... إلخ) يصبح شكل من أشكال الوحدة العربية أمرا حتميا.

● من المسائل التى يجب أن أحددها هي علاقة الدين بالدولة، وسأطرح تصورا بأن القاعدة الأخلاقية المشتركة بين الإسلام والمسيحية تصلح كإطار لتوليد عقد اجتماعي جديد، وبذلك يمكن أن يكون الإسلام هو المرجعية النهائية للمجتمع، فهو إطار حضاري للمسلمين والمسيحيين، وهو إطار ديني بالنسبة للمسلمين، لا يستبعد الآخر طالما أنه ربط مصيره بمصير هذه الأمة، وطالما أنه يقبل القاعدة الأخلاقية المشتركة.

● التوجه العام على مستوى الداخل سيؤكد العدالة الاجتماعية ومعالجة الفجوة الهائلة بين قلة من الأغنياء والأغلبية الساحقة من الشعب. كما يجب أن تضمن الدولة حدا أدنى من الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية لكل المواطنين. وتأكيد أهمية القطاع العام مع الاعتراف بأهمية القطاع الخاص وما يسمى بالرأسمالية الوطنية. وإصلاح الخلل في البنية الاقتصادية وإعادة معدلات التنمية إلى ما كانت عليه، ومن ثم يمكن حل مشكلة البطالة.

من القضايا الأساسية التى سأثيرها وأحارب ضدها هي قضية النزعة الاستهلاكية الشرسة التي أمسكت بتلابيب المجتمع المصري. ويمكن الحرب ضدها داخل إطار قانوني من خلال إصدار تشريعات مثل حظر نشر الإعلانات المضللة وضرورة أن يحتوي الإعلان على المعلومات الحقيقية. كما يمكن أن تفرض الضرائب على السلع الاستهلاكية وعلى مظاهر الاستهلاك السفيه مثل حفلات الزواج وأعياد الميلاد. كما يمكن للإعلام أن يوعي الناس بالعواقب الوخيمة لتصاعد معدلات الاستهلاك وربط المكانة الاجتماعية والتقدم بالاستهلاك.

● ضمان نزاهة الانتخابات وعدالتها من خلال آليات معروفة، مثل إشراف السلطة القضائية ومندوبي الأحزاب، وتحديد المبالغ التي يمكن للمرشح إنفاقها على حملته الانتخابية.

● استقلال المؤسسات الإعلامية (بما فى ذلك الإذاعة والتليفزيون) عن الحكومة، حتى يمكنها أن تقوم بعملية المراقبة، وعلى الإعلام أن يفتح أبوابه لكل من ممثلي الحكومة والمعارضة، خاصة أثناء الانتخابات.

● مساءلة كل المؤسسات والأشخاص، على أن تقوم بعملية المساءلة جهات مسئولة مثل البرلمان، تساعده هيئة الرقابة الإدارية والإعلام.

● لا بد أن يمنع النظام الجديد تسمية أى مؤسسة (مدرسة أو ميدان عام أو شارع.. إلخ) باسم رئيس جمهورية مصري على قيد الحياة، ولا أن تعلق صورته فى المؤسسات الحكومية أو في الأماكن العامة. كما يجب أن يمنع نشر الإعلانات المدفوعة الأجر التي يعلن فيها العاملون في مؤسسة ما تأييد الرئيس أو الوزير الفلاني أو المحافظ، وإعلانات التعزية لرئيس المصلحة أو وكيل الوزارة لوفاة أحد أقاربه! وتمنع المهرجانات التي تحتفل بمناسبات خاصة مثل عيد ميلاد الرئيس.

والله أعلم

التعليقات