في الذكرى الـ6... الثورة المصرية "تلملم" وجوهها الأولى

مع حلول الذكرى السادسة لثورة 25 كانون الثاني/ يناير، كان لافتا عودة وجوه من المشهد الأول للاحتجاج الأبرز حديثا بمصر، إلى الأضواء مرة أخرى بعد أفول نجمها لفترة ليست بالقصيرة، مع ابتعادها عن الساحة السياسية.

في الذكرى الـ6... الثورة المصرية

مع حلول الذكرى السادسة لثورة 25 كانون الثاني/ يناير، كان لافتا عودة وجوه من المشهد الأول للاحتجاج الأبرز حديثا بمصر، إلى الأضواء مرة أخرى بعد أفول نجمها لفترة ليست بالقصيرة، مع ابتعادها عن الساحة السياسية.

تلك الوجوه عادة تارة مع خروج نائب الرئيس المصري السابق، محمد البرادعي، للحديث بعد 3 سنوات غياب، وأخرى مع تدشين حملة للوحدة بين فرقاء الثورة.

أحد المسؤولين في تلك التحركات الساعية لاستعادة مطالب الثورة وتجميع رموزها، رأى في حديث له، أن هذا التجمع "مرتبط بذكرى الثورة وسعى للعودة للمشهد التوافقي بين معارضي النظام المصري الحالي". 

فيما اعتبر خبيران سياسيان في حديثين منفصلين أن هذا التوجه يحتاج لتحقق شروط كي يثمر عن تغيير، بينها أفكار غير تقليدية، والنقد الذاتي والمصارحة وتنازل بعض التيارات عن بعض مطالبه، لتحقيق مطالب الثورة التي أسقطت الرئيس المخلوع حسني مبارك (1981- 2011) في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد حاليا. 

الخلافات القديمة

البرادعي، والحملة التي تعرف باسم "يناير يجمعنا" التي ظهرت مؤخرا، وتضم العشرات من الوجوه الإخوانية والليبرالية واليسارية والشبابية، هي وجوه قديمة تعود لما قبل ثورة 25 يناير.

وشاركت تلك الوجوه القديمة آنذاك ضمن الجبهة الوطنية للتغيير، جبهة تضم حركات وأحزاب معارضة وقتها، للمطالبة بإجراءات دستورية ينفذها نظام مبارك، قبل أن تتحول الأمور سريعا لثورة شعبية أسفرت عن الإطاحة بمبارك ذاته في شباط/ فبراير 2011، بعد 18 يوما من انطلاقها. 

ومن وقتها يعيش رفقاء ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، خلافات بارزة، لاسيما بين الإسلاميين والقوى الليبرالية واليسارية والشبابية، ويوجه كل منهم للآخر اتهامات بالسعي للاستحواذ أو الفشل شعبيا. 

الخلافات تطورت لرفض بعض تلك القوى محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا الذي فاز بانتخابات رئاسية في عام 2012، وتزعم معسكر الرافضين، البرادعي، الذي كان يوصف وقت الثورة في وسائل إعلامية عديدة بأنه "المخَلِّص". 

وبالفعل تمت الإطاحة بمرسي، بعد عام من حكمه في 3 تموز/ يوليو 2013، في خطوة يعتبرها الثوار ومؤيدوه "انقلابا"، بينما يراها قطاع آخر "ثورة شعبية" ساندها الجيش. وحظرت السلطات المصرية الجماعة بعدها بأشهر، واشتعل خلاف بين الإخوان وقوى في المعارضة المصرية حول هذه الخطوة. 

وفي السنوات الثلاثة الأخيرة، عقب تصدر الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن خطاب عزل مرسي إبان كان وزيرا للدفاع، توسعت الفجوة بين أطياف الشعب المصري في حالة تبادل تهم مستمرة وصلت إلى التخوين، قادتها أذرع السيسي الإعلامية لتطال كل الأصوات التي تشذ عن تغريد القطيع.

البرداعي كان أبرز من عاد للواجهة، قبل الذكرى السادسة لثورة يناير، بالحديث عبر سلسلة لقاءات على شبكة "التلفزيون العربي"، وعلى موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"،عن انتهاكات قام بها نظام السيسي تجاه اعتصامين للإخوان ورفض الانقسام بالبلاد، وهو ما لاقى استحسان الجماعة، وهجوما من مؤيدي النظام.

البرادعي الذي استقال من منصبه كنائب رئيس البلاد منتصف آب/ أغسطس 2013، احتجاجًا على فض السلطات اعتصامات مؤيدي مرسي بالقاهرة، بالقوة، ومقتل المئات، عاد أيضا لأول ظهور إعلامي، قبيل الذكري السادسة للثورة في لقاء إعلامي هو الأول له من 3 سنوات على شاشة التلفزيون العربي.

ويوم الجمعة الماضي، تحدث البرادعي في الجزء الثالث للحوار عن ثورة يناير ومطالبها التي لم تحقق وأخطائها، في وقت لم يمانع خلال الجزء الأول من الحوار الذي بث قبل أسبوعين في أن يكون له دور في تغيير الأوضاع في مصر خلال الفترة المقبلة مستدركا "لست وحدي"، دون تفاصيل. 

"يناير يجمعنا"

وليس ببعيد عن عودة البرادعي اللافتة قبل أيام من الذكرى السادسة للإطاحة بحكم مبارك، ظهرت حملة تم تدشينها مطلع الشهر الجاري، بعنوان "يناير يجمعنا"، ضمت بشكل بارز قوى إسلامية ويسارية وليبرالية وشبابية، ندر اجتماعها منذ سنوات تحت مظلة واحدة. 

الحملة التي جمعت صورة تأسيسها الناشط السياسي أيمن نور (ليبرالي)، ومحمود حسين (الإخوان)، ومحمد كمال (شباب يناير) وآخرين من مختلف القوى السياسية المشاركة بالثورة، رفعت شعار "مع بعض نقدر"، معلنة عن عدة مظاهرات خارج مصر في ذكرى الثورة رافضة الحديث باسم الداخل وتظاهراته، وفق تصريحات سابقة. 

ملامح الوجوه العائدة 

وعن أهداف وملامح أبرز الوجوه العائدة ومنها حملة "يناير يجمعنا"، قال قطب العربي، الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة (حكومي) والمتحدث باسم حملة "يناير يجمعنا"، إن "الحملة هدفها إعادة الثقة والاعتبار لثورة يناير بعد ما طالها من تشويه".

وذكر أن الحملة "مؤقتة تنتهي في 11 شباط/ فبراير المقبل، تاريخ الذكرى السادسة لتنحي مبارك".
واستدرك العربي "لكنها تمثل نموذجا ناجحا وإن كان رمزيا للعمل المشترك بين رفقاء الثورة الذين كانوا في حالة تنافر شديدة طيلة السنوات الماضية".

واعتبر أنه "من ميزات حملة يناير يجمعنا أنها جمعت رموزا إسلامية وليبرالية ويسارية لأول مرة منذ فترة طويلة كما أنها تجمع رموزا من الداخل المصري ومن المصريين في الخارج ويمكن أن تمهد لحملات مشتركة أخرى بين القوي الإسلامية والمدنية وصولا إلى اصطفاف تحت مظلة ثورية جامعة".

وأشار العربي إلى أن "الوصول لهذا الهدف من الوحدة، وانتصار شعارات الثورة سيحتاج وقتا، ولا ننتظره في الذكرى السادسة لكن المهم هو إعادة روح يناير".

ورأى أن "ظهور البرادعي يأتي في سياق عودة الكثيرين للثورة مجددا بعد أن اكتشفوا خديعة الثورة المضادة"، داعيا إياه لأن "يكون أكثر شجاعة في التعبير عن عودته للثورة وحمل شعاراتها ومطالبها وكشف المؤامرة عليها".

الابتعاد عن الخلافات... ضرورة 

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إن عودة الوجوه القديمة لثورة يناير سواء بالتجمع مرة ثانية في حملة أو ظهور جديد يجب أن تلازمه أمور عدة بينها النقد الذاتي لما تم من هذا التيار أو ذاك الشخص في الأعوام السابقة حتى يمكن النجاح. 

بخلاف النقد الذاتي، طالب نافعة، التيار الإسلامي ومنه جماعة الإخوان المسلمين، "بعدم جر الجهود لمربع الخلافات، بجانب أن يمارس كل شركاء ثورة يناير ومنهم البرادعي محاولات للم الشمل وتجميع القوى السياسية".

واعتبر نافعة أن حملة "يناير يجمعنا"، خطة "جادة ومخلصة تحتاج للابتعاد عن مناطق الخلافات"، نافيا إمكانية حدوث أي تغيير دون إتمام هذه الشروط. 

ومؤخرا، أعلن "المكتب العام للإخوان المسلمين"، المناهض لجبهة محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الإخوان أنه "سيعلن، خلال أيام، بكل شفافية للجميع عن جملة تقييمات شاملة، استمرت لعدة شهور، تناولت أداء الجماعة خلال السنوات الست الماضية".

هذا التيار من الإخوان، المختلف مع قيادة عزت منذ عامين، دعا إلى أن يكون الإعلان المرتقب "بمثابة أرضية تعاون مشتركة بين قوى ثورة يناير"، وفق بيان. 

الإبداع... من شروط التغيير 

ورأت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نادية مصطفي، في حديث له، أنه "كلما اقتربت المناسبات تظهر دعوات ومبادرات لا جديد فيها، ليس إنكارا أو تقليلا لجهودها المشكورة التي تسعي لمكانة أفضل لمصر، ولكن لأنها أضحت بلا إبداع". 

وأضافت نادية أن "المشهد في ظل التحديات الخطيرة لاسيما في المحيط الإقليمي يجب أن يواكبه تغير من القوى التقليدية والشبابية مما تعانيه من جفاف وتسعي لروح إبداعية في التفكير".

وحول مستقبل التغيير في ضوء تلك الوجوه القديمة، اعتبرت أن "التغيير سيفجره الناس، ولن يأتي من أعلى"، في إشارة للنخب السياسية. 

وتابعت: "لذا يجب أن تكون تلك القوى مستعدة هذه المرة بما يحقق للناس ما تريده بالكف عن التكالب عن السلطة والرغبة في الانفراد بها، وبث كراهية لبعض الفصائل، لاسيما الإسلامية، مع أهمية التركيز على مطالب الناس والاستعداد لتنفيذها".

ولم تشهد مصر دعوات للتظاهر والاحتجاج داخل البلاد لإحياء ذكري يناير هذا العام، وسط تشديدات أمنية في مختلف أنحاء مصر، غير أنه في العادة ما تخرج مظاهرات محدودة من معارضي النظام الحالي بقرى وأحياء في البلاد في يوم الجمعة من كل أسبوع الذي يمثل العطلة الرسمية، وفي المناسبات البارزة كذكرى احتجاجات 25 يناير/كانون الثاني.

التعليقات