الانتخابات المصرية: الترهيب والرشى لمواجهة ضعف الاقتراع

اتّجه المصريون، اليوم الثلاثاء، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم في ثاني أيام الانتخابات الرئاسية. وفي ظل غياب منافس حقيقي، يعوّل السيسي الرئيس المنتهية ولايته، بشكل أساسي على نسبة المشاركة، وشهدت الانتخابات تزويرا وترهيبا

الانتخابات المصرية: الترهيب والرشى لمواجهة ضعف الاقتراع

(أ ب)

اتّجه المصريون، اليوم الثلاثاء، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم في ثاني أيام الانتخابات الرئاسية. وفي ظل غياب منافس حقيقي، يعوّل السيسي الرئيس المنتهية ولايته، بشكل أساسي على نسبة المشاركة، التي وصفتها السلطات والصحف رسمية بالكثيفة في اليوم الأول، دون نشر أرقام رسمية، بيد أن الواقع مغاير لما تزعمهُ السّلطات، حيث لم تشهد مراكز الاقتراع، سوى إقبال عدد قليل من الناخبين.

وينافس السيسي مرشحا واحدا؛ هو سياسي مغمور يُدعى موسى مصطفى موسى، وهو من مؤيدي النظام الحالي.

وفي غياب منافسة فعلية، تُشكّل نسبة المشاركة التحدي الوحيد للسلطات، التي لم تنشر أية بيانات رسمية حول الموضوع.

تزوير وشراء ناخبين

بما يبدو تمهيدا لتزوير أعداد الناخبين في الانتخابات الرئاسية المصرية، الأشبه بمسرحية هزلية، حشدت السلطات الموالية لعبد الفتاح السيسي؛ أعدادا كبيرة من المواطنين أمام أغلب اللجان الانتخابية في المحافظات من دون تصويت، لإظهار حالة من الحضور "المزيف" في اليوم الثاني للتصويت، ردا على ضعف إقبال الناخبين في اليوم الأول.

وبدا المشهد واضحا على مدار اليوم، في لجان مدرسة قصر الدوبارة التجريبية بشارع قصر العيني في وسط العاصمة القاهرة، إذ تراص العشرات من المواطنين على أبواب لجان المدرسة منذ الصباح الباكر دون المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما يؤكد حشدهم من قبل السلطات الأمنية، أو ما يُعرف بـ"مقاولي الانتخابات"، الذين يستأجرهم رجال الأعمال التابعون للنظام، لجلب الناخبين مقابل مبالغ مالية.

ووثق "العربي الجديد" العديد من عمليات حشد المواطنين البسطاء بواسطة أعضاء مجلس النواب، مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 50 و100 جنيه للناخب الواحد، مع توفير "باصات" لنقلهم إلى مقار الانتخاب، ومنحهم المبلغ المتفق عليه بعد الإدلاء بأصواتهم، في محاولة أخيرة من النظام لإنقاذ المشهد الانتخابي، والذي قد يُنذر بمشاركة أقل بكثير من انتخابات الولاية الأولى للسيسي في العام 2014.

غير أن أداء الهيئة الوطنية للانتخابات، المُشكَّلة من رؤساء هيئات قضائية أشرف على اختيارهم السيسي، يدفع في اتجاه العبث بأعداد المشاركين في "مسرحية الرئاسيات"، باعتبار أن متحدثها الرسمي، المستشار محمود الشريف، يخرج في مؤتمرين صحافيين في اليوم الواحد، ليزعم بكثافة المشاركة من المواطنين في جميع المحافظات، إيذانا بإعلان نسبة مشاركة أعلى من الاستحقاقات الماضية، حفاظا على ماء وجه الرئيس المنتهية ولايته.

الهواجس الأمنية

أكد مسؤولون محليون وسكان، أن الإقبال كان ضعيفا جدا في مناطق من شمال سيناء في اليوم الأول من أيام التصويت الثلاثة، نظرا لخشية الناس من الخروج من منازلهم بسبب العمليات الأمنية.

وقال المستشار أحمد رؤوف، المشرف على لجنة انتخاب قرب الحدود مع قطاع غزة، إن شخصا واحدا فقط أدلى بصوته في اللجنة التي يشرف عليها حتى منتصف نهار اليوم الأول. وأضاف "الناس خايفة تنزل هنا بسبب العمليات العسكرية وتهديدات المسلحين باستهداف اللجان".

في المقابل، زعمت الهيئة الوطنية للانتخابات في ساعة متأخرة الليلة الماضية إن الإقبال على التصويت كان جيدا جدا في مناطق بشمال سيناء.

ومن المناطق القليلة في شمال سيناء التي شهدت إقبالا أكبرعلى التصويت، البلدة التي قتل فيها المتشددون مئات المصلين في تشرين الثاني/ نوفمبر. وقال مسؤول "عدد كبير من الأهالي أدلوا بأصواتهم هنا بسبب حضورهم مع رؤساء قبائلهم والذين يحضرون بشكل جماعي."

وقال أحد القضاة المشرفين على الانتخابات في المنطقة، إن توتر الوضع الأمني منع الكثيرين من الخروج من بيوتهم. وأضاف "الأمن يفتش الناخبين ذاتيا، وهناك حواجز أمنية أمام اللجان".

نظام السيسي يحرق آخر أوراقه

في سياق مواز، وفي وقت متزامن إلى حد كبير، نشرت الأذرع الإعلامية الموالية للسيسي، خبرا موحدا، بصياغة مشابهة، نقلا عن مصادر حكومية وقضائية، بشأن تطبيق غرامة قيمتها خمسمئة جنيه على المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، بعد فشل جميع محاولات الترهيب لحشد المواطنين، الذين ظهر عزوفهم الواضح عن "مسرحية الرئاسيات".

وأورد الخبر أن الحكومة ستعمل على تفعيل الغرامة، من دون بيان آلية تحصيلها، طبقاً لنص المادة (43) من قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية رقم (22) لسنة 2014، ونص القانون على الغرامة المحددة لكل من كان اسمه مقيدا بقاعدة بيانات الناخبين، وتخلف "بغير عذر" عن الإدلاء بصوته في انتخاب رئيس الجمهورية، علما باستحالة تحصيل هذه الغرامة، أو حصر الأسماء المتغيبة عن التصويت.

ويستهدف النظام المصري من بث هذه الشائعة تخويف المواطنين، ودفعهم للنزول إلى الانتخابات قسرا، وبخاصة من العاملين في جهاز الدولة الإداري، وأصحاب المعاشات من كبار السن، بدعوى أن الغرامة قد تُقتطع من رواتبهم أو معاشاتهم التي تتحكم بها الحكومة، بخلاف العاملين في القطاع الخاص، والسوق الحر، كون الحكومة لا تملك أي طريقة لاستقطاع الغرامة "المزعومة" منهم.

وأفاد الخبر، الذي بثته في البداية وكالة "أنباء الشرق الأوسط" الرسمية في البلاد، بأنه يُجرى حالياً حصر بقوائم المواطنين الذين لم يدلوا بأصواتهم في الرئاسيات، اعتماداً على قاعدة بيانات الناخبين، زاعماً أن هناك آليات عدة يمكن من خلالها تطبيقها على المتخلفين عن التصويت "كفرض غرامات أثناء تجديد بطاقة الرقم القومي، أو رخصة القيادة أو تسيير السيارة".

وفاة ناخبة وإصابة 104 آخرين

أعلنت وزارة الصحة المصرية، وفاة ناخبة جرّاء تعرضها لهبوط حاد بالدورة الدموية في أحد مراكز التصويت بمنطقة حلوان، جنوبي القاهرة، وإصابة 104 آخرين خلال عمليات التصويت في الانتخابات المحسومة نتائجها سلفا لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك نتيجة إجبار كبار السن على الذهاب للتصويت قسرا بواسطة أجهزة الدولة.

يُذكرُ أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة، لم تتجاوز 37 بالمئة بعد يومين من التصويت، ما حث السلطات على تمديد عمليات الاقتراع لـ24 ساعة حتى بلغت النسبة 47,5 بالمئة، الأمر الذي يجعل احتمال تمديد الانتخابات المُقرّرة لـ3 أيام، احتمالا واردا.

ويسعى السيسي للفوز بولاية رئاسية ثانية بأغلبية ساحقة، إيذانا بتعديل الدستور وتمديد فترة رئاسته، كونه لا يواجه سوى رئيس حزب "الغد"، موسى مصطفى موسى، الذي أعلن تأييده للسيسي قبل دفعه للترشح، لإكمال الشكل الديمقراطي الشكلي، بعدما اعتقل النظام أبرز المنافسين المحتملين، وهو رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، علاوة على وضع رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، قيد الإقامة الجبرية في منزله.

التعليقات