تحوّلات السعودية ستُعيد رسم المشهد السلفي في مصر

يتعامل سلفيو مصر، لاسيما "التيار العلمي"، في الآونة الأخيرة، بترقُّب وحذر، مع التغييرات المجتمعية والسياسية الواسعة في السعودية، التي تعد منذ عقود، وفق مراقبين، قبلة لهذا التيار في مصر.

 تحوّلات السعودية ستُعيد رسم المشهد السلفي في مصر

يتعامل سلفيو مصر، لاسيما "التيار العلمي"، في الآونة الأخيرة، بترقُّب وحذر، مع التغييرات المجتمعية والسياسية الواسعة في السعودية، التي تعد منذ عقود، وفق مراقبين، قبلة لهذا التيار في مصر.

ومنذ عقود، عُرِفت مصر، بتمسُّك تيارات، وُصفت بالسلفية، بالمظاهر الدينية كاللحى والنقاب، والامتناع عن حضور الحفلات الغنائية والسينمائية والمسرحية، وهو ما دعا تيارات علمانية إلى وصفها لسنوات بـ"الحركات المتشددة"، رغم نفي الأخيرة عادة.

وتشهد السعودية، في الآونة الأخيرة، تغييرات دينية واجتماعية وثقافية وسياسية متسارعة، ضمن رؤية يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، ظهرت لاسيما في تبني إقامة الحفلات والعروض الفنية، إلا أنّ التغييرات كانت في حقيقة الأمر أشبه بالقناع الذي يُحاول بن سلمان التستُّر خلفه، ليخفي الجوانب المظلمة التي تشهدها السعودية من اعتقالاتٍ وتجاوزات إنسانيّة، وحبس العلماء والمفكّرين.

ووفق مختصين، ذكرت "الأناضول" أنها تحدثت معهم، فإن التحولات السعودية الأخيرة "ستعيد رسم المشهد السلفي".

وقَصر المختصون تلك الانعكاسات على ما يُعرف باسم "السلفية "العلمية" في مصر، التي عادة ما يعتبرها مراقبون قريبة من نهج المؤسسة الدينية التقليدية بالسعودية. بينما لن يتأثر بها، بحسب المختصين، أصحاب السلفية الحركية والجهادية، الذين يعلنون بوضوح رفضهم لسياسات نظامي الحكم في مصر والسعودية.

وتمثل السلفية العلمية "الدعوة السلفية"، وهي كبرى الحركات السلفية بمصر، وذراعها السياسي "حزب النور"، الذي تم ترخيصه رسميًا في حزيران 2011. وتواجه السلفية العلمية تراجعًا في مكتسبات سياسية واجتماعية حصلت عليها في أعقاب الثورة الشعبية، التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك.

ومنذ بدء التغييرات في السعودية، لم يعلق عليها ذلك التيار، وهو ما رآه المختصون "تعبيرًا عن نهج السلفية في الابتعاد عن أي رأي قد يكون له كلفة".

وعادة ما تؤكد السعودية رفضها التدخل في شؤون الدول الأخرى، لكن مراقبين اعتبروا أن مركزيتها الإسلامية أحد أبرز أسباب الارتباط السلفي بمشايخها.

قبلة التيار السلفي

عرفت مصر النهج السلفي في مظاهره الحالية عام 1926، حين تأسست جمعية أنصار السنة المحمدية.

وبدأ في سبعينيات القرن الماضي بتأسيس نواة "الدعوة السلفية"، التي اختلفت آنذاك تنظيميًا وفكريًا مع جماعة الإخوان المسلمين (تأسست عام 1928). وتأثر هذا التيار السلفي، الذي يعرف بـ"العلمي"، كثيرًا بشيوخ سعوديين.

وبجانب التيار السابق، توجد "السلفية المدخلية"، وهي تؤيد السلطة وتؤصل لقراراتها شرعيًا، ويمثل ذلك التيار قطاعًا معتبرًا داخل الحركة السلفية بمصر.

والتيار السلفي المدخلي في مصر هو امتداد للتيار السلفي المدخلي في السعودية، ولقب بـ"المدخلية"، نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي، أحد أبرز رموز هذا التيار في السعودية.

ويقف على النقيض من التيار السابق تيارا "السلفية الحركية" و"السلفية الجهادية"، إذ يعارضان سياسات الأنظمة العربية عامة، ويريان وجوب الإطاحة بالحاكم الذي لا يطبق شرع الله.

انعكاسات التحول السعودي

وفق مختصين تحدثت إليهم "الأناضول"، فإن التحول الذي يجري داخل السعودية، في ظل توجهات الأمير محمد بن سلمان، سيكون له انعكاسات واضحة على شكل التصور السلفي في مصر.

ورأى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد بان، أن "الحركة السلفية في مصر مؤهلة للانحسار على مستوى الدعم، لاسيما المعنوي من سعوديين، وسينعكس ذلك على التفاعلات داخل الحركة".

وفسَّر ذلك باعتبار أن "المركز وبؤرة الحركة السلفية السعودية، وبالتالي كل التحولات التي تجري في القلب لابد أن يكون لها انعكاس على الأطراف". وربط بين تجاوب المؤسسة الدينية السعودية مع حركة تجديدية تبتعد عن مرتكزاتها الأصلية، وانعكاس ذلك بوضوح على شكل السلفية المصرية.

واستشهد بـ"الجنوح إلى مساحات أوسع في الحريات الشخصية، ومحاولة تقليص دور هيئات الحسبة الدينية (وظيفة دينية معنية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومباركة المؤسسة الدينية التقليدية لهذا التوجه بالسعودية".

ومُفسّرًا أسباب عدم تعليق السلفيين على انتقادات، محمد بن سلمان للحركات السلفية، في أكثر من مناسبة، قال بان إنه سلوك طبيعي للجماعات السلفية، فمن الصعب عليها الانخراط في أي رأي قد تكون له كلفة سياسية أو خصومة سياسية.

وأضاف: "هي (الحركة السلفية) لا تقترب دائما من هذه المساحات، وأتصور في معظم التوجهات الحركية الإسلامية الفعل يأتي قبل التنظير".

تيار متنوع

الباحث السلفي في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد مولانا، رأى أن التيار السلفي بمصر "ليس تنظيما أو جماعة واحدة لها موقف موحد يعبر عنها، وإنما هو تيار متنوع".

وأضاف أنه "لا يوجد ما يمكن توصيفه بالموقف السلفي في مصر من سياسات السعودية سواء سابقا أو حاليا".

وتوقع مولانا أن من سيتأثر سلبا بتطورات السعودية الحالية هم "السلفيون المرتبطون بالنمط السعودي، وعلى رأسهم حزب النور". وشدّد على أن "الإطار السلفي أوسع من حزب النور، وقطاعات واسعة منه في خصومة مع النظام السعودي وسياساته، مثل الجبهة السلفية".

واعتبر الباحث السياسي أن "حزب النور فقد أهميته لدى السعودية مع تبنيها سياسات علمانية، فضلا عن تلاشي دور الحزب وتأثيره في الواقع المصري عموما".

فرز سلفي

متفقًا قليلا مع الطرح السابق، قال المحلل والباحث السياسي السوداني، عباس محمد صالح، إن التحولات في مرحلة ما بعد "الربيع العربي" أحدثت حراكا كبيرا في خريطة التيارات السلفية بمصر وخارجها".

وأضاف صالح أن هذه التحولات "أسفرت عن فرز واضح بين التوجهات السلفية، وغدت التقسيمات المألوفة مجرد تاريخ إلى حد كبير".

وبشأن التوجهات الجديدة في السعودية، توقع الباحث السياسي أن "تُحدِث زلزالا في المشهد السلفي يقود إلى فرز كبير في الصفوف بين تيارين: سلفية السلطة والسلفية المعارضة للسلطة، وسيفرز ذلك تشظيات قد تُعيد رسم المشهد السلفي".

وبشأن تأثر السلفية المصرية بالتوجهات الجديدة في السعودية، قال إن سيكون "بشكل كبير خاصة في مسألة التمويل وأشكال الدعم السياسي، فالتيار المدخلي ورموزه سيكونون هم التيار المفضل وسيمارسون دورا وظيفيا".

وتوقع صالح أن "التيار المدخلي وحزب النور سيكونان مجبرين على السكوت أو عدم اتخاذ مواقف من السياسات والتحولات الدينية في السعودية، وفى كلا الحالتين سيكون هناك تمرد ضد السلفية المدخلية".

وعقِب ثورة 2011 استثمرت الجماعات والحركات السلفية في مصر الزخم الثوري في المعترك السياسي، وتصدرت المشهد السياسي والديني.

لكن بعد نحو 5 سنوات من الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد، شهدت الساحة السلفية انقسامًا كبيرًا بين مؤيد ومعارض للإطاحة بمرسي، المنتمي لجماعة الإخوان.

واتخذ حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية، موقفا داعمًا للنظام الحاكم، فيما تراجعت مقاعده البرلمانية في المجلس النيابي الحالي عن نظيرتها في 2011.

 

التعليقات