سياسة ترامب والدفع بإيران إلى الحضن الروسي

من غير الواضح، حتى الآن، ما الذي ستسفر عنه سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه إيران، التي تواجه تصعيدًا متزايدًا منذ انسحاب بلاده الأحادي من الاتفاق النووي، غير أن المؤكّد أن روسيا ستسعى إلى الاستفادة "من هذه السياسة الخاطئة".

سياسة ترامب والدفع بإيران إلى الحضن الروسي

بوتين وروحاني خلال اجتماع دول بريكس (أ ب)

من غير الواضح، حتى الآن، ما الذي ستسفر عنه سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه إيران، التي تواجه تصعيدًا متزايدًا منذ انسحاب بلاده الأحادي من الاتفاق النووي، غير أن المؤكّد أن روسيا ستسعى إلى الاستفادة "من هذه السياسة الخاطئة" لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، بحسب ما ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية المرموقة، هذا الأسبوع.

وبينما يجمع روسيا وإيران تحالف وثيق، تشير التقديرات الأميركيّة إلى أنه "سيكون من الصعب الحفاظ عليه على المدى الطويل"، وعدّد التقرير تباينات كبيرة بين البلدين، في عدد من المجالات.

وترى المجلّة أن الاعتقاد الروسي بأن التهديدات الأميركيّة العنيفة، مثل كتابة ترامب أن أي حرب مقبلة مع إيران ستشهد نهايتها، عادةً ما تليها عروض للتفاوض، يزيد من تشويه سياسة ترامب تجاه إيران.

سياسة ترامب تجاه إيران متناقضة (أ ب)
سياسة ترامب تجاه إيران متناقضة (أ ب)

ونقلت المجلّة عن عضو مجلس الشيوخ في الدوما الروسي، والحليف الوثيق للرئيس فلاديمير بوتين، أليكسي بوشكوف، إنه "من الطبيعي أن تتحالف روسيا مع دول مثل إيران تواجه ضغوطات من الحكومة الأميركيّة"، ووصف العلاقات الروسية الإيرانية بأنها "شراكة يمكن أن تتطور إلى علاقة إستراتيجية".

وعدّدت المجلّة المصالح الروسية في المنطقة بأنها "إبقاء قنوات النفط والغاز مفتوحة أمام التجارة الروسية، ومحاربة الإسلام السياسي المتطرف حتى لا يتفشّى في روسيا، وحماية قواعدها العسكرية في سورية". وعزّزت روسيا نفوذها في الشرق الأوسط من خلال التوقيع على الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015، مع الدول الكبرى، وسمح لإيران بتطوير طاقتها النووية مع توفير عمليات "تفتيش تدخلية" تحظر تصنيع الأسلحة النووية، الذي صادق عليه مجلس الأمن بالإجماع، قبل أن ينحسب منه ترامب، العام الماضي.

وفي هذا السياق، تتباين رؤيتا موسكو وواشنطن للمهلة الإيران للدول الأوروبيّة بزيادة تخصيب اليورانيوم وتخزين الماء المخصّب والثقيل، إن لم تحافظ على مصالح بلاده في الاتفاق النووي، خلال ستين يومًا.

فبينما تعتقد واشنطن أن مثل هذه الأعمال ستسرّع في إنتاج إيران ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية في نهاية المطاف، تنظر روسيا إلى القرارات من زاوية مختلفة تمامًا، هي زاوية السعي للضغط على أوروبا لرفع العقوبات والانخراط في التجارة مع إيران، لا لصنع قنبلة.

ويعتقد الباحث المتخصص في شؤون إيران بمعهد الدراسات الشرقية الحكومي، فلاديمير سازين، إنه إن قام الجيش الأميركي بمهاجمة إيران، حتى ولو بـ"ضربة محدودة" على المنشآت النووية الإيرانية، فإنه سيجمع الإيرانيين حول حكومتهم، ما يعني أنّ "النتائج ستكون عكس النوايا الأميركيّة"، بحسب ما نقلت عنه المجلّة.

روسيا ليست بوارد الدفاع عن إيران عسكريًا

ولفتت المجلّة إلى نقاط مهمّة، هي أن روسيا انتقدت التعزيزات الأميركية في الخليج العربي، وتعارض توجيه مهاجمة إيران، "غير أنّ لديها موارد محدودة ولا تخطط لرد عسكري إذا هاجمت الولايات المتحدة إيران". واستشهدت بقول بوتين في مؤتمر صحافي بأن بلاده ليست "فرقة إطفاء".

كما لفتت إلى أنه في حين تعارض موسكو خطابيا العقوبات الاقتصادية الأميركية أحادية الجانب ضد إيران، إلّا أنها لم تزد تجارتها أو استثماراتها في إيران بشكل كبير يتيح العقوبات، إذ فرضت العقوبات الأميركية قيودًا شديدة على المعاملات المصرفية الدولية مع إيران وجعلت التجارة صعبة. وقارنت المجلّة بين الاستثمارات الصينيّة في إيران، التي تبلغ سنويًا 33 مليار دولار سنويًا، في مقابل الاستثمارات الروسية التي لا تتعدَّ الملياري دولار سنويًا.

حاملات طائرات أميركية في الخليج العربي (أ ب)
حاملات طائرات أميركية في الخليج العربي (أ ب)

كما نقلت الصحيفة عن الصحافي الروسي الشهير، فلاديمير بوزنر، إن بلاده عمومًا "لم تفعل الكثير" لمحاربة العقوبات الأميركية، فـ"روسيا حذرة للغاية من نوايا إيران النووية".

ورغم أن روسيا تقرّ بأن إيران لا تملك برنامجًا نوويًا عسكريًا، لكنّها تعتقد، أن تغيير طهران توجهها وامتلاكها سلاحًا نوويًا سيساهم في مزاحمة روسيا "بفعاليّة أكبر على النفوذ الإقليمي".

تباين روسي إيراني: سورية كساحة للتنافس

ولا يثق المسؤولون الإيرانيون تمامًا في روسيا، إذ شدّد قادة الثورة الإيرانية عام 1979 على أن بلادهم "لا شرقيّة ولا غربيّة"، وعارضوا كل من الإمبريالية الأميركية والشيوعية على الطراز السوفيتي، وبحسب المجلّة، لم تتغيّر هذه المشاعر المعادية للسوفييت كثيرًا، "بل إنها تنطبق المشاعر الآن على روسيا، سواء بين الشعب الإيراني أو بعض القادة الإيرانيين".

ودلّلت المجلّة على هذه المشاعر بحادثة إطلاق روسيا لصواريخ وطلعات جويّة تجاه سورية من قاعدة عسكرية في همدان الإيرانيّة، ما سبّب جدلا في البرلمان الإيراني لأن الدستور يحظر القواعد العسكريّة الأجنبيّة، وهو ما أدّى، بعد أسبوع واحد فقط من ضغط الرأي العام، إلى أن يسحب الروس طائراتهم من البلاد.

كما يختلف البلدان حول إسرائيل ودورها العسكريّ في سورية، فكثيرًا ما تقصف إسرائيل أهدافاً في سورية تدّعي أنها خاضعة لسيطرة "حزب الله" اللبناني أو للحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي علّق عليه سازين بالقول "إننا نغمض أعيننا عندما يهاجم سلاح الجو الإسرائيلي سورية طالما لا يوجد أي هجوم على المنشآت الروسية"، وأضاف أنه "اتفاق بين نبلاء".

ويعكس هذا الاتفاق غير الرسمي خلافًا أوسع نطاقًا بشأن إسرائيل، التي لا تعترف إيران بوجودها، بينما تتمتع روسيا بعلاقات قوية معها، برزت في لقاء بوتين برئيس الحكومة الإسرائيليّة، فلاديمير بوتين، 11 مرّة منذ العام 2015، وهو أكثر زعيم أجنبي يلتقي به بوتين على الإطلاق.

بينما تتعرض إيران للقصف في سورية، تغضّ روسيا الطرف عن النشاط الإسرائيلي (أ ب)
بينما تتعرض إيران للقصف في سورية، تغضّ روسيا الطرف عن النشاط الإسرائيلي (أ ب)

ووصفت المجلّة بوتين بأنه "يتّبع نهجا واقعيا تماما في المنطقة، متحالفًا مع أي دولة ترغب في العمل معه. لقد تحالف مع القادة العسكريين في سورية، على سبيل المثال، بينما كان يسعى إلى الابتعاد عن النزاعات الطائفية في البلاد".

وعلى النقيض من روسيا، "تريد إيران توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي والديني، معتمدةً بشكل أساسي على الجماعات الشيعية"، بحسب المجلة، التي قالت إنّ "هذه الاختلافات وغيرها يمكن أن تؤدي إلى منافسة جدية في المستقبل. روسيا، في نهاية المطاف، دولة علمانية توسعية ذات قوة عالمية متنامية، بينما إيران قوة دينية وإقليمية لها علاقات قوية بسورية ولبنان واليمن والعراق".

لكن المجلة خلصت إلى أنه طالما استمرت الولايات المتحدة في سياساتها العدوانية وغير المدروسة في المنطقة، ستبقى إيران وروسيا حليفين مع عدو مشترك يمكن تحديده بسهولة، "تعتقد إدارة ترامب أنها تعزل إيران بالعقوبات الاقتصادية القاسية والتهديدات العسكرية. في الواقع، فإن تأثير العقوبات معاكس".

 

التعليقات