06/01/2023 - 17:35

الليلة التي انهار فيها كلّ شيء... الهجوم الروسي على أوكرانيا

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، قتل أكثر من 5000 شخص في ماريوبول فقط

الليلة التي انهار فيها كلّ شيء... الهجوم الروسي على أوكرانيا

getty

في فجر الرابع والعشرين من شباط/ فبراير 2022، تغيّر كلّ شيء! فجأة، تحوّلت هذه المدينة، من مدينة يعمّ فيها السلام، إلى ساحة للحرب... في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير 2022، نام المصوّر الصحافيّ دانيال ليلة بكامل ملابسه في فندق أوكرانيا، في العاصمة الأوكرانيّة كييف، حتّى دون أن يخلع نظّاراته. الكاميرا جاهزة في حقيبتها، والعدسات جاهزة. وقبل ساعات من هذه اللحظة، قال له أحد زملائه "إنّها الليلة".

دافني روسو، الصحافية التي وصلت من باريس إلى أوكرانيا لمساعدة زملائها في تغطية الأزمة الأوكرانية الروسية، كتبت في مذكراتها الشخصية في 20 شباط/فبراير 2022: "كيف ننام في وقت نتوقع الحرب؟... أدخن السجائر وأنا جالسة على شرفة غرفتي. أتأمل السماء وأراقب الحركة، أو بالأحرى غيابها. لقد تركت هاتفي تحت وسادتي وذهبت للاستماع إلى بودكاست عن رواية لدوستويفسكي. كلما شعرت بذبذبات الهاتف، كنت أقرأ الرسالة في الظلام".

أمّا الصحافيّ الأوكرانيّ "دميترو غورشكوف، لم يصدّق ما كان يجري. وقال: "الجميع يعتقد أننا سنتفادى من حصول الحرب". كان يمضي برفقة زوجته وابنه في ليلة وقوع الحدث، في منزله في حي سكني في شمال العاصمة الأوكرانية، وهو معهم في أمسية عاديّة". وعلى بعد 900 كيلومتر من مزل غورشكوف، بدأ يشعر مدير التحرير بالقلق والألم في معدته. كان مقتنعًا بأنّ الهجوم الروسيّ على أوكرانيا، قد يحصل في أيّ وقت.

ويروي لامبروسكيني أن شقيقه وعائلته الذين يعيشون منذ قرابة ستّ سنوات في أوكرانيا، كانوا قد غادروا كييف خوفا من هجوم وشيك. قبل بدء الغزو، "كنت مع زوجتي صوفيا وبعض الأصدقاء نتناول العشاء في أحد مطاعم موسكو، وكانت الأزمة الأوكرانية محور الحديث". وسأله أحدهم خلال السهرة "هل تعتقد ذلك فعلاً؟ هذا غير ممكن. ليس في عام 2022".

في وقت متأخر من تلك الليلة، بث خبر عاجل حول دعوة زعيمي المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاعتراف باستقلالهما وإقامة "تعاون دفاعي" معهما.

وبدأت ليلة طويلة. استعجل أنطوان لامبروسكيني في العودة إلى المنزل. بدأ مع زميلته أولا سيكوولاس، يكتبان ما حصل، كلّ من منزله... قبل أن يظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على شاشات التلفزة وهو يلقي خطاباً.

يروي لامبروسكيني أحداث الساعات الأولى من ذلك اليوم. ويقول "بصوت حازم وتعابير جادة وبكلمات مؤثرة، توجّه الرئيس الأوكراني لأول مرّة باللغة الروسيّة إلى الشعب الروسي، طالباً منهم الضغط على فلاديمير بوتين لتجنّب حصول مأساة تلوح في الأفق".

ويقول "كان الوضع خطيراً جداً. كانت أصواتنا ترتجف عندما نتحدث مع زملائنا. ترتجف من الخوف والتعب والتأثر". "فجر الرابع والعشرين من شباط/فبراير، قرابة الساعة 3,30 صباحاً، أصبح بإمكاننا الخلود إلى النوم بعد بثّ التقارير الأخيرة والمحدثّة. لكن بعد نحو ساعة ونصف الساعة، أيقظني الصحافي توم لوفيه من مكتب هونغ كونغ" (الذي يؤمن متابعة الأخبار ليلا). رصد توم، المسؤول عن الفترة التحريرية خلال فترة الليل في روسيا، عبر تويتر رسائل مقلقة.

"شيء ما يحدث عند الحدود الروسيّة الأوكرانيّة، ومواقع إلكترونية مختصّة بالطيران ترصد تغيّر في مسار الطائرات عند اقترابها من أوكرانيا، وتتحدث عن منطقة حظر جوي وشائعات عن سماع دويّ انفجارات".

أيقط لامبروسكيني المسؤولة في مكتب أوكرانيا أنيا تسوكانوفا، وقال لها "شيء ما يحدث"، أجابته "سأرى".

"عند الساعة 5,40 صباحاً بتوقيت موسكو، ظهر فجأة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الشاشات. كنتُ أتوقع ما الذي سيقوله، وكان قلبي ينبض بسرعة".

ويتابع لامبروسكيني "جلس وراء مكتبه بأبهة، استنكر في خطابه الإبادة الجماعيّة للروس على أيدي من سمّاهم "النازيين الأوكرانيين" بغضب شديد. أنا في غرفة الجلوس، مرتدياً ثياب النوم بينما زوجتي وأولادي نائمون على بعد أمتار قليلة مني، أترقّب بقلق وارتياب لحظة +الإعلان+ عن قرار روسي.

لم أتصلّ بأحد من مكتب موسكو، باستثناء زميلين اثنين في قسم الفيديو والصور الفوتوغرافية، خشيّة أن تفوتني الجملة، الخبر العاجل الذي سيُعلن لزبائننا والعالم التدخل الروسي في الجارة أوكرانيا، الصراع الأول في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية".

ويكمل "إنها الساعة 5:50 صباحاً بتوقيت موسكو: بوتين يعلن بدء عملية عسكرية في أوكرانيا".

وصل الخبر العاجل الذي نقله أنطوان، وبثّه مكتب هونغ كونغ، إلى مكاتب التحرير. سمع دوي انفجارات في مدن عدّة في أوكرانيا. الحرب بدأت فعلاً.

توجه كريم ميناسريا، لوجستي متخصص في الأحداث الكبرى، وكان عاد للتوّ من بكين بعد 44 يوماً من العمل ضمن الفقاعة الصحية، إلى أوكرانيا برفقة الصحافي إيمانويل دوبارك ومصور الفيديو كولان بيرتييه، في سيارة تم شراؤها في بولندا، وبحوزتهم سترات واقية من الرصاص وخوذات ومعدات معلوماتية.

تكمن الأولوّية بالنسبة إلى للصحافيين في إرسال فرق إلى الميدان، ولكن في ظروف أمنيّة مؤمنة. انضم إلى الصحافيين الذين تم إرسالهم إلى أوكرانيا في بداية شهر شباط/فبراير، أي قبل إعلان بوتين بدء الغزو الروسي، آخرون، وصار العدد أكثر من عشرين صحافياً بين مصوّري فيديو ومراسلين ومصوّري فوتو. جاؤوا من مكاتب فرانس برس في العالم: باريس، إسطنبول، بوخارست، أثينا، موسكو، الشرق الأوسط…

فجر الرابع والعشرين من شباط/فبراير، تبدّل الجوّ في كييف، من مدينة يعمّ فيها السلام إلى مدينة اندلعت فيها الحرب.

عند مغادرته الفندق الساعة 5,30 صباحاً، مرتدياً سترة واقية من الرصاص ومعتمرا خوذة، شاهد المصوّر دانيال ليل آلاف السكان يتجوّلون في أرجاء المكان وعلى وجوههم تعابير تعكس تساؤلات يطرحونها على أنفسهم حول مصير حياتهم.

مع تقدّم ساعات الصباح الأولى، بدأ سكان في التدفق إلى محطات المترو، برفقة أطفالهم وحيواناتهم الأليفة. يصف دانيال ليل، الأب لثلاثة أولاد، ملامح الناس في ذلك الصباح: لقد تغيّرت. العائلات في حالة يأس. الأطفال يبكون. الجميع في حالة من الصدمة. ويقول "لم أستطع ألا أتخيّل نفسي في وضعهم".

في هذا الوقت، زملاؤه الأوكرانيون في وسط العاصفة. تقول دافني روسو "هذه حياتهم. هؤلاء أطفالهم. تلك هي إنجازات حياة كاملة"، كلّ هذا أصبح مهدداً.

وتشعر الصحافية الأوكرانية أولغا شيلنكو في كييف، بذنب كبير، بعد وصولها إلى بروكسل لتعمل عن بُعد. وتقول "عبّرت نساء أوكرانيات خلال اجتماع شاركتُ فيه عن شعورهنّ بالذنب لتمتعهن بحياة مريحة وآمنة، حيث لا حاجة للعيش في كهوف وأقبية. نوّد أن نتواجد هناك (في أوكرانيا) ونشارك في الحرب، ولكننا في الوقت عينه أمهات".

وزار الصحافيون بولنت كيليتش ولوانا سارميني وسيسيل فوياتر مشرحة رئيسية مكتظة بجثث الأشخاص الذين قتلوا جراء الحرب، في ميناء ميكولايف في الجنوب. قدّرت السلطات الأوكرانية مقتل أكثر من 5000 شخص في ماريوبول فقط مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. فيما قتل عدد من الصحافيين أيضًا

التعليقات