21/05/2010 - 18:51

"هآرتس": ليس بمقدور اسرائيل تدمير المشروع النووي الإيراني أو تأخيره...

"واضح ان معضلة "القصف او عدم القصف" التي تقف أمامها القيادة الاسرائيلية هي من أشد المعضلات قسوة في تاريخ اسرائيل.."

أعد مراسل صحيفة "هآرتس" للشؤون الإستخبارية، يوسي ملمان، تقريراً موسعاً حول فرص نجاح عملية عسكرية ايرانية ضد المشروع النووي الإيراني.

وقال ملمان إن سياسة المعلنة هي منع ايران من الحصول على قنبلة نووية واحدة، وأن كافة الإحتمالات والوسائل متاحمة لهذه الغاية، لكن فحص الحقائق والتدقيق فيها يكشف صورة مختلفة كلياً، ويضيف أنه من الصعب جداً على اسرائيل تدمير المشروع النووي الإيراني أو حتى ابطاء عمله.

ويرى ملمان ان السياسة الإسرائيلية المتبعة وعدم نفيها إمكانية مهاجمة المشروع الإيراني له "سوابق تاريخية"، إذ قام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير مفاعل نووي في دولتين عربيتين، في اشارة الى العراق وسوريا. ففي المرة الأولى هاجمت 8 طائرات من طراز اف-16 برفقة طائرات من طراز اف-15 المفاعل النووي العراقي، واستطاعت تدميره خلال دقيقتين. ومنذاك الحين اطلق مصطلح عسكري جديد وهو "عقيدة بغين"، في اشارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي انذاك مناحيم بغين، والتي حددت بأن اسرائيل لن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بالحصول على سلاح نووي سواها.

وأضاف ملمان أن "عقيدة بغين" واجهت امتحانا مجدداً في العام 2007، عندما هاجمت اسرائيل ما زعمت انه مفاعل نووية سورية. ويرى ان هناك اختلاف بين العمليتين على الرغم من العقيدة المشتركة، والإختلاف هو ان في الأعتداء على العراق لم تشرك اسرائيل اية دولة في خططها ونواياها وأعلنت مسؤوليتها عن العملية، فيما اشركت الولايات المتحدة وأطلعتها على الخطط ساعات معدودة قبل تنفيذ العملية ولا تزال ترفض اعلان مسؤوليتها عن العملية رسمياً وتعتمد سياسة الضبابية.وكتب ملمان: صورة اسرائيل في الساحة الدولية يصممها بقدر كبير هذان الهجومان الناجحان. فقد خلقا الانطباع بأن سلاح الجو على نحو خاص والجيش الاسرائيلي على نحو عام قادرين على أن يخرجا الى حيز التنفيذ بنجاح كل أمر من هذا النوع تتخذه الحكومة. ثمة غير قليل من السياسيين في اسرائيل وكذا قادة عسكريون اصبحوا أسرى هذه الاسطورة. ولكن عمليا، الواقع أكثر تعقيدا بكثير. في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الوزراء الحديث علنا "ليس بعد اليوم أبدا" ووزير الدفاع يذكر بأن "كل الخيارات موضوعة على الطاولة"، ففي المحادثات خلف الكواليس تختلف لهجة اصحاب القرار في القيادة العسكرية والسياسية اختلافا تاما. وهم يفهمون المصاعب الاستراتيجية – العسكرية، السياسية والاقتصادية التي سيجلبها معه القرار بمهاجمة ايران.

ويشير ملمان أن اوائل من عبروا عن هذا النهج الواعي هو العميد احتياط اسرائيل (رليك) شبير، الذي تبوء قبل بضع سنوات المنصب الثالث في اهميته في سلاح الجو وشارك في الهجوم على المفاعل في العراق. وينقل عنه قوله بل نحو خمس سنوات الادعاء بأن سلاح الجو سيجد صعوبة في أن يعيد تمثيل نجاحه في العراق بنجاح في ايران.

وقال شبير لملمان حينذاك: "الايرانيون استخلصوا الدروس من الهجوم على المفاعل النووي في العراق. في العراق كل البرنامج النووي تركز في المفاعل. ولكن بالمقابل نثر الايرانيون المنشآت النووية في أرجاء الدولة. بعضها توجد في القسم الشرقي. وقد حصنوا منشآتهم بحيث أنهم بنوها تحت الأرض او أقاموها في الخنادق المحصنة. وبكل الاستقامة والصدق، ليس لسلاح الجو قدرة استراتيجية حقيقية على قصف أهداف بعيدة لفترة زمنية طويلة في ظل استخدام قدرة التسلح اللازمة لذلك".

ويستند ملمان الى بحوث أجرتها معاهد أبحاث أجنبية التي أكد أنها ستكون هناك حاجة الى تدمير المنشأة الكيماوية لتحويل اليورانيوم في أطراف مدينة اصفهان؛ المشروع لتخصيب اليورانيوم في نتناز؛ المنشأة لتخصيب اليورانيوم قرب قم؛ وربما مشروع آخر لتخصيب اليورانيوم لم ينكشف امام الجمهور. كما أنه كي ينجح الهجوم، سيتعين تدمير أهداف أخرى، عديدة ومتنوعة، حتى لو كانت معظمها معروفة لاجهزة الاستخبارات في اسرائيل وفي الغرب، وواضح ان قوة عظمى ذات قدرة استراتيجية كالولايات المتحدة فقط يمكنها ان تهاجمها بنجاح.

ويلفت إلى ما كتبه قائد سلاح الجو ورئيس الاركان السابق، دان حالوتس، مؤخرا في كتابه "بمستوى العيون". يقول حالوتس ان البرنامج النووي الايراني هو مشكلة عالمية، ووقوف اسرائيل في الجبهة لا يجدي في معالجة الموضوع. وحسب أقواله بسبب تعقيد المشكلة الايرانية، سيكون من الصحيح أن تعالجها دول أخرى.

ويشير ملمان إلى أن فوق كل شيء، فان الاعتبار المركزي لاسرائيل في كل قرار يرتبط بمواضيع الامن الوطني والمسائل الوجودية كان دوما موقف الولايات المتحدة: "تقريبا طالما ترددت في مسائل الحرب والسلام، فكرت اسرائيل قبل كل شيء ما الذي ستقوله وتفعله واشنطن. فقد انطلقت اسرائيل الى حرب الايام الستة فقط بعد ان اتضح لها بان الولايات المتحدة لن تعارض ذلك. وامتنعت اسرائيل عن الخروج في هجوم مبكر في تشرين الاول 1973 ضد المصريين، حتى عندما كان واضحا لها بأن في غضون ساعات ستبدأ الحرب، فقط خشية ان تتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن اندلاع المعركة. اسرائيل اجتاحت لبنان فقط بعد ان فهم وزير الدفاع اريئيل شارون من وزير الخارجية الامريكي اليكسندر هيغ بان ادارة بيغن ستسلم بذلك".ويستنج أن المعقول والمنطقي بان اسرائيل لن تخرج الى هجوم في ايران طالما تعارض ادارة اوباما ذلك بشدة. وكي لا يكون مجال لاخطاء، حرصت الادارة الأميركية على أن يصل الى اسرائيل العديد من كبار مسؤوليها وان يوضحوا موقفهم بلغة لا تقبل التأويل. في النصف سنة الاخيرة زار الاخير نائب الرئيس جو بايدن، رئيس السي ايه ايه ليئون بانتا، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري ورئيس الاركان مايك مالن – كي يقولوا لزعمائها: "لا تفعلوا ذلك".

ونقل التقرير عن بروس ريدل، الباحث الكبير السابق في الـ سي اي ايه والمستشار الخاص للرئيس اوباما: "انهم بالتأكيد قادرون على جعل حياة جنودنا هناك جحيما". ويضيف التقرير ان "مثل هذا الهجوم سيخلق عدم استقرار في الشرق الاوسط، سيزيد التأييد في العالم السني – الاسلامي لايراني الشيعية وسيعرض للخطر الانظمة المؤيدة للغرب في الاردن، في مصر، في السعودية، في العراق، في البحرين وفي باقي الامارات العربية. مثل هذا الهجوم سيؤدي ايضا الى ان تغلق ايران مضائق هرمز، التي عبرها تصدر من الخليج اكثر من ربع النفط العالمي. اغلاق ايراني كهذا، حتى لو اقتحمه في النهاية الاسطول الامريكي سيرفع اسعار النفط الى ذروة جديدة ويحدث اضطرابا اقتصاديا في العالم".

رغم كل ما تقدم، يعالج التقرير احتمال تغيير الإدارة الأميركية موقفها من قيام اسرائيل بعملية عسكرية ضد ايران، ويقول: "لنفترض انه في مرحلة معينة، كمخرج أخير، غيرت الادارة الامريكية رأيها وصادقت في اسرائيل على مهاجمة ايران. فهل سيكون لزعماء اسرائيل الجسارة لأن يأمروا بانطلاق مثل هذا الهجوم؟ هناك عدة اعتبارات سيتعين على اسرائيل ان تأخذها بالحسبان. الاعتبار الاول هو الاستخبارات. في السنوات الاخيرة ازدادت كمية ونوعية المعلومات التي تصل الى الغرب عن البرنامج النووي الايراني: تم تجنيد المزيد من العملاء، تم تطوير أساليب جمع المعلومات التكنولوجية، ترتب فرار علماء وضباط كبار صبوا ضوءا على البرنامج وتعزز التعاون بين وكالات الاستخبارات، بما في ذلك استخدام مشترك للوكلاء. وبالتوازي، احبطت محاولات ايرانية، بما في ذلك من خلال شركات وهمية، لان تشتري في الغرب معدات تطوير البرنامج. في نهاية 2008 تبين من محاكمة تاجر الالكترونيات في طهران، علي اشتري انه اتهم بأنه عمل في خدمة الموساد وباع لايران معدات مخلولة في محاولة "لتسميم" البرنامج النووي. وقد أعدم اشتري".

الصمت العربي

يقول ملمان "في السطر الاخير، رغم النجاحات التي ينبغي أن نعزيها للموساد ورئيسها، مئير دغان، فان الاخير لم يف بالوعد الذي قطعه للحكومة عندما تسلم مهام منصبه قبل ثمان سنوات – احباط البرنامج النووي الايراني. فهذا يواصل التقدم، وان كان ببطء، نحو هدفه. وعليه، واضح لكل من يشارك في عملية اتخاذ القرارات بأنه اذا كانت في نية اسرائيل احباط البرنامج النووي الايراني، فيتعين عليها ان تفعل ذلك من خلال هجوم من سلاح الجو، بالتداخل مع اطلاق صواريخ ارض ارض، حسب منشورات اجنبية تطلق من قواعد في اسرائيل وربما ايضا من ثلاث غواصات "دولفين" لسلاح البحرية".
"وحتى قبل فحص قدرة سلاح الجو على القيام بالمهمة – ويبدو ان هذه محدودة جدا، وبالتأكيد بالنسبة للولايات المتحدة – يثور السؤال أي مسار طيران سيتم اختياره. حسب بحوث نشرت في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة، هناك ثلاثة مسارات محتملة: الجنوبي والطويل، عبر السعودية؛ الوسط والقصير فوق الاردن والعراق؛ والشمالي في خط تماس الحدود السورية والتركية. لكل مسار يوجد فضائل ونواقص وجوانب يجب ان تؤخذ بالحسبان، تؤثر على كمية الذخيرة التي يمكن للطائرات ان تحملها (يتعلق الامر في الاختيار اذا كان الطيران سيكون على ارتفاع منخفض او أمن مرتفع)، على التزود بالوقود في الجو وبالاساس على الخطر في أن تنكشف وتطلق ضدها طائرات اعتراض معادية".

مسألة اخرى هي عدد الطائرات التي يمكنها ان تشارك في الهجوم. حسب تلك البحوث، يمكن لاسرائيل ان تطلق حتى 120 طائرة هجومية وقتالية (بما في ذلك لمهمات المرافقة، الاعتراض والتزويد بالوقود)، ستجد صعوبة في تنفيذ اكثر من طلعة واحدة. واضح ان مثل هذا العدد من الطائرات يملي ايضا كمية الذخيرة التي ستحملها.

ويرى ملمان أن احد الإعتبارات الاساسية لإتخاذ قرار هو أن "معظم الدول العربية قلقة بقدر لا يقل عن اسرائيل من امكانية ان تتسلح ايران بسلاح نووي. ولكن مصر، الاردن، السعودية واتحاد امارات الخليج لن تتجرأ على ان تؤيد علنا هجوما اسرائيليا على ايران، فما بالك ان تسمح لطائرات سلاح الجو بالتحليق في مجالها الجوي، حتى وان كان همسا وسرا تتمنى مثل هذا الهجوم. على اسرائيل ان تأخذ بالحسبان بأن هذه الانظمة، خشية من غضب الجماهير في دولها ستضطر ليس فقط الى شجب "العدوان الاسرائيلي" بل وان تتخذ ايضا خطوات عملية كقطع العلاقات الدبلوماسية معها".

العيش في ظل المظلة

يقول ملمان إن "لعل الاعتبار الاهم الذي يقف امامه اصحاب القرار في اسرائيل هو رد فعل ايران على الهجوم. ايران سترد، بل وسترد جدا. وهي ستطلق على الاقل بعضا من مائة صاروخ "شهاب" بحيازتها نحو اسرائيل. بعضها لن يصل الى اهدافها وبعضها سيعترض من منظومة "حيتس" ولكن بعضها سيضرب اهدافا في اسرائيل. اضافة الى ذلك، ستستخدم ايران حزب الله، بآلاف صواريخه ومقذوفاته الصاروخية التي تغطي كل الاراضي الاسرائيلية. كما ينبغي الاخذ بالحسبان ايضا امكانية ان سورية، التي مخزونها من الصواريخ اكبر بما لا يقدر من مخزون حزب الله ستنضم هي ايضا الى المعركة. من غير المستبعد ان تدخل حماس ايضا الى العمل وتهرع الى مساعدة الايرانيين الذين يحسنون اليها ويرعونها".

ويتابع: "ايران "ستوقظ" شبكات الارهاب النائمة خاصتها في ارجاء العالم، كي تحاول ضرب أهداف اسرائيلية ويهودية. ومع ان كل الوسائل التي توجد تحت تصرف ايران لا تشكل تهديدا وجوديا على اسرائيل، مشكوك جدا ان تكون الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي تظهر في السنوات الاخيرة عدم استعدادها لتقديم التضحيات والتي تحركها وسائل اعلام عطشى للفضائح – أن تكون قادرة على الصمود في مثل هذه المعركة، حتى لو كانت اضرارها محدودة".

ويخلص الى القول: "حيال المخاطر، انعدام اليقين، والمتغيرات الكثيرة جدا، فان الاستنتاج المعقول الذي يمكن استخلاصه هو ان زعماء اسرائيل سيجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف ايران. والمعنى هو ان اسرائيل سيتعين عليها ان تعيش في ظل المظلة النووية الايرانية بكل الاثار التي ستكون لذلك على مواطنيها، الذين قد يصل بعضهم الى الاستنتاج بأن ليس لهم ولابنائهم مستقبل هنا في مثل هذا الوضع وسيفضلون الهجرة. السلاح النووي في يد ايران سيشجع دولا عربية على تحقيقه لنفسها ايضا، وفي الشرق الاوسط سيبدأ عصر جديد من سباق التسلح النووي. مع مثل هذا الوضع ايضا سيتعين على القيادة الاسرائيلية ان تسلم".

ولكن من جهة اخرى، يتساءل ملمان، "ألا تستطيع القيادة الاسرائيلية حقا أن تتعايش مع مثل هذا الواقع الذي يكون فيه وجود دولة الشعب اليهودي خاضعا لرحمة زعيم ذي ميول مسيحانية يدعي المرة تلو الاخرى بأن ليس لاسرائيل الحق في الوجود وان عليها ان تشطب من الخريطة؟".

ويختم: "من كل ما قيل أعلاه، واضح ان معضلة "القصف او عدم القصف" التي تقف أمامها القيادة الاسرائيلية هي من أشد المعضلات قسوة في تاريخ اسرائيل. لا تقل قسوة عن قرار دافيد بن غوريون الاعلان في ايار 1948 عن اقامة الدولة".

التعليقات