31/10/2010 - 11:02

خطر جديد اسمه "الديوكسين"!!

خطر جديد اسمه
ربما لفت نظركم هذا الأسبوع موضوع تقرير "الفقر البيئي" السنوي الصادر عن جمعية "الإنسان، الطبيعة والقضاء"، الذي قُدّم للرئيس الاسرائيلي، موشيه كتساب. التقرير يستعرض تقاعس وإخفاق الحكومة، على مختلف وزاراتها، فيما يخص تعرض البيئة للتلوث من جانب القطاع الصناعي في البلاد، حيث تظهر نتائج الفحوصات العلمية أنّ 58% من المصانع في البلاد مُلوِّثة للبيئة، مما يجعل من هذه البلاد، كما ينص التقرير "جنة الملوّثين".

أخبار وأرقام ونسب مئوية نسمع عنها ونتجاهلها منشغلين بأمور حياتية، مُتكلين على أقدار غيبية وعلى مبدأ "لن يحدث هذا لي". النسب الئوية المذكورة ليست بدعة أو خيالاً، بل هي ترجمة لواقع خطر يحيط بنا- الآن أكثر من أي وقت.

الخطر الراهن يأتينا من مجمع النفايات "إفلايم"، الذي يقع على مقربة من مزارع تربية الخنازير سيئة السيط والرائحة، التي "يقطنها" 150 ألف خنزير!! و"إفلايم" هي التسمية المعبرنة لقرية عبلين، وما قد يجعل "إفلايم" إسمًا على مسمى (ليس "إيفل" واحد بل اثنان) المشروع الجديد القائم على أرض المزبلة، وهو منشأة تجريبية هي الأولى من نوعها في العالم، وهي مُعدّة لحرق النفايات الطبية والمشعة (راديو- أكتيف) بواسطة تقنية البلاسما.

جمعية البيئة في "مسجاف" هي واحدة من الجهات الناشطة في حملة التصدي لهذه المنشأة التي تحمل المزيد من احتمالات التلويث السام لمنطقة عبلين وشفاعمرو. النضال بدأ قبل حوالي السنة، تقول أورنيت بركتوفنيك، مُركّزة الجمعية: "نحن دخلنا إلى الصورة عندما علمنا من السكان بأنّ بناءً عملاقًا جديدًا مُعدًا لحرق النفايات المدينية أقامته شركة "أي أي آر" في مجمع دفن النفايات في "إفلايم". هذه المنشأة ستستخدم كمنشأة نموذجية تعرض فيها الشركة خدماتها على زبائن من جميع أنحاء العالم. والخدمة التي توفرها هذه الشركة هي حرق نفايات طبية ومواد مشعة وتحويلها الى طاقة بواسطة تقنية البلازما. ومن المفروض أن تُحرق النفايات بدرجة حرارة 7000 درجة مئوية، لكن الخطر لا يكمن هنا؛ المشكلة البيئية تبدأ عند محاولة استخراج الطاقة من النفايات بواسطة إعادة تبريدها. في درجة حرارة 300 تتّحد جميع العناصر التي زال مفعولها عند الحرق لتصبح مواد سامة وملوِّثة".

ما يزيد من مخاوف الجهات المعارضة لتفعيل هذه المنشأة هو أنّ هذه المنشأة بتقنيتها الحديثة لم تجرب أبدًا في أي مكان في العالم، وهذا يحوّل سكان المنطقة بل وسكان البلاد جميعًا إلى فئران تجارب. الخط الدعائي الرسمي للحملة الجارية ضد هذه المنشأة يعتمد على مقولة "إن التجارب لا تنفذ على الناس"، وفي زمن تكثر فيه الجهات المنادية بعدم إجراء التجارب على الحيوانات تحمل هذه المقولة في طياتها النقيضين اللذين لا يفترقان في بلادنا: الأسف والسخرية!

في الرسالة الرسمية الصادرة عن وزارة جودة البيئة- قضاء الشمال، والمُوقعة بتاريخ 11.2.2003 والموجهة لمهندس اللجنة المحلية للتخطيط والبناء- غفعات ألونيم، رياض خوري، تأكيد واعتراف من جانب الوزارة على أنّ احتمالات تلويث البيئة من هذه المنشأة واردة بدرجة عالية، "لكن هذا لم يمنع وزارة الداخلية ووزارة البيئة من إعطاء الرخص لهذه المنشأة الخطرة"- تقول أورنيت بركتوفنيك، وتضيف: "الوزارتان وافقتا على جميع الإجراءات الترخيصية للبناء مع أن البناء تم قبل ثمانية أشهر من حصول المبادر على الرخص المطلوبة، وفقًا لتقرير بيئي قدمه المبادر، متجاهلاً فيه أي تأثير بيئي قد تجلبه المنشأة على المنطقة وسكانها. نحن بدورنا طالبنا بالإطلاع على هذا التقرير وحصلنا عليه بأمر من المحكمة فقط!! كان ذلك في نيسان من هذه السنة، فعرضنا التقرير نفسه على د. غيل كاتس لتتمّ إعادة فحصه بشكل علمي ودقيق."

ردّ الناطق بلسان وزارة جودة البيئة: "المبادر قدّم الوثائق المطلوبة وحصل على الأذونات المطلوبة لإقامة المنشأة، بما فيها إذن بناء بحسب الخطة المصادقة عليها. وقد أصدرت وزارتنا مذكرة موقف بشأن طلب رخصة البناء ووثيقة بيئية حُوّلت إلينا من جانب اللجنة المحلية."

بحسب تخطيطات شركة "أي أي آر" المبادرة للمشروع سيتم تفعيل منشأة "إفناء النفايات المدينية" في مجمع نفايات عبلين 30 مرة في السنتين القريبتين، كلّ مرة لمدة 5 ايام، تعرض خلالها هذه التقنية الحديثة على زبائن محتملين من مختلف أنحاء العالم. فحص بسيط لنشاط الشركة المذكورة يُظهر أنّ جُلّ عملها يصبّ في إفناء النفايات المُشعة في منطقة المفاعل الذري "تشرنوبيل"، الذي انفجر سنة 1986 في أوكرانيا.

في تشرين الأول من هذه السنة قدم غيل كاتس (دكتور في موضوع الهندسة الكيماوية) تحليلاً بيئيًا وتكنولوجيًا وأمنيًا شاملاً عن منشأة البلاسما في مجمع نفايات عبلين. التقرير كان بمثابة قراءة ثانية أو تحليلية للتقرير البيئي التي قدمته شركة "أي أي آر" للوزارات المعنية.

يُظهر تقرير د. كاتس وبشكل قاطع خطورة هذه المنشأة التي ستكون مصدرًا فعالاً لتسريب الديوكسين (يُنظر إلى الإطار) وجزيئات صغيرة إلى الهواء بنسب عالية تفوق الحدّ المسموح به (من جانب وزارة البيئة) بـ (30-60) مرة! وفي حالات خاصة، كخلل أو كحادث عمل، من المتوقع أن يتسرب الديوكسين بنسبة تعادل 360 مرة ضعف النسبة المسموح بها! هذا ما يسميه د.كاتس "قنبلة ديوكسين". كما ويستبعد التقرير مقدرة وزارة جودة البيئة على فرض شروطها لتفعيل المنشأة.

الخطر يكمن كما جاء في تقرير كاتس من كون المنشأة تجريبية، وكون التخطيط الهندسي والتكنولوجي لها مشتقًا من تقديرات وحسابات نظرية بحتة. من هنا فالمنشأة بمثابة "مشروع مجهول" حتى للمبادرين لإقامته، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من احتمالات حدوث خلل فني قد تكون عواقبه كارثية على حياة السكان القاطنين في محيط 20 كم من المنشأة، أو على حياة سكان البلاد بشكل عام؛ فمادة الديوكسين المصنفة كأخطر المواد السامة في العالم تنتقل عبر النباتات والحيوانات الى السلسلة الغذائية لتصل الى موائد طعامنا.

التوصيات التي خرج بها هذا التقرير واضحة وجلية وتنص على المطالبة بعدم تفعيل المنشأة بمواصفاتها الحالية، لأنّ في هذا خطرًا على حياة 100 ألف إنسان جراء الإحتمال الكبير لتسرب مواد وغازات سامة.

وزارة جودة البيئة: "بحسب أنظمة التنظيم والبناء (استمارات التأثير على البيئة) 1982، البند 2، لا يسري على موقع نفايات صلبة واجب تقديم الاستمارة- والأمر خاضع لاعتبارات المؤسسة التنظيمية. لقد طلبت وزارتنا من المبادر إرفاق طلب الحصول على ترخيص البناء للمنشأة النموذجية، بوثيقة بيئية للمصادقة عليها. لم نطلب استمارة تأثير على البيئة لأن الحديث يدور عن منشأة عينية ومعرفة والوثائق التي قُدّمت بصدده حوت جميع المعطيات المطلوبة والتي تمكّن من بلورة موقف بشأن المشروع. أضف على ذلك أنّ الحديث عن منشأة نموذجية معدة لكميات قليلة من النفايات (9 أطنان في اليوم)، ونشاطها حُدد سلفًا بـ 75 يومًا خلال سنتين."

الجهات الفاعلة المعارضة لتفعيل منشأة البلاسما في عبلين كثيرة، وتضم العديد من الجمعيات والمؤسسات البيئية والعديد من المجالس المحلية في المنطقة، أبرزها بلدية طمرة وبلدية طبعون، التي تعدّ لتقديم التماس للمحكمة بخصوص الخلل الإجرائي فيما يخصّ اقامة المنشأة، حيث سيكون الإدعاء الرسمي بأنّ ثمة "اختصارات" تمّت أثناء منح الرخص والمصادقات على إقامة المنشاة.

أحد أشكال النضال ضد المشروع كان اجتماع "اللجنة الثانوية لأضرارجودة البيئة" في الكنيست، والتي تترأسها عضو الكنيست د. ليئه نِس. حضر الإجتماع الذي دعا اليه عضو الكنيست عصام مخول جميع الجهات المعنية، بما في ذلك مندوبون عن وزارة البيئة والداخلية ومدير عام شركة "أي أي آر"، والهيئات المعارضة. وطرحت في الإجتماع جميع التحفظات على تفعيل المنشأة من جهة، وجميع تصديقات الوزارتين والشركة من جهة أخرى.

زئيف بار غيل، مدير عام شركة "أي أي آر" قال في الإجتماع: "كل المعطيات حول تسرب الديوكسين غير صحيحة، وهدف تقرير د.كاتس تخويف الجماهير فقط". دوريت زيس، رئيسة قسم الصناعة في وزارة البيئة، استماتت في الدفاع عن إخفاقات وزارتها بقولها إنّ "هذه هي التقنية الأفضل لإفناء النفايات وليست هناك أية خطورة تذكر"..

ولخّصت عضوة الكنيست د. نيس الجلسة بما يلي: "هناك عدم وضوح تام فيما يخص المصادقة على الخريطة الهيكلية للمنشأة التجريبة، مما يحتم إعادة فحص وإجراء مسح شامل للتأثيرات البيئية المتوقعة وإجراء فحص دوري للديوكسين في المنشأة؛ صحة الجماهير فوق الجميع".


في مطلع شباط القادم ستعقد في محكمة الصلح في حيفا جلسة التماس لمنع تفعيل المنشأة، تقول أورنيت بركتوفنيك: "يجب أن نبني جسمًا مانعًا قويًا. نحن نعمل على ضم أكبر عدد من الجمعيات الفاعلة والمجالس المحلية في المنطقة لهذا الالتماس. حاليًا يضم الالتماس "التحالف من أجل صحة الجمهور" الذي يضم 22 منظمة بيئية وصحية، بلدية طبعون، بلديات الكريوت، جمعية الجليل، بلدية طمرة ومجلس عبلين المحلي. بلدية شفاعمرو وعدت أن تنضم أيضاً".

المحامي يوفال كينان من "عيادة العدل البيئي" في جامعة بار إيلان، والذي سيمثل الجهات المعارضة تطوعًا سيبني ادعاءه على أنّ التصديقات على إقامة المشروع لم تتضمن مسحًا للتأثيرات البيئية كما ينص القانون، وعلى أنّ تقريرًا علميًا أثبت خطورة المنشأة على البيئة والسكان. كما وستطالب المحكمة بتعيين لجنة تقصي حقائق على غرار اللجنة التي أقيمت في قضية "مزبلة الإطارات" في النقب.

لأورنيت ولغالبية الفاعلين في مجال جودة البيئة استياء وغضب واضحان وصريحان من وزارة جودة البيئة، التي تلجأ عادة إلى التلويح بقدرتها على إغلاق أيّ مصنع مُسبّب لخطر على البيئة والناس؛ لكن الوضع الحالي ليس كذلك تقول بركتوفنيك: "خذ مثلاً مصنع إتلاف جثث الحيوانات في "عين همفراتس" الذي خرق العديد من القوانين. فهو ملوث بشكل خاص، ويتم فيه حرق السموم التي تضبطها شرطة اسرائيل، من دون أي ترخيص لذلك، ويعمل منذ سنة من دون رخصة عمل. توجهنا لوزارة البيئة بهذا الصدد وكانت المماطلة جوابهم الوحيد. أما وزارة الصحة فلا ترى أية حاجة للتدخل، فهم يرون كما يبدو أنّ علاج "ما بعد التلوث" هو دورهم الوظيفي الوحيد، ولا شأن لهم بالعمل على مستوى الوقاية!!"

وزارة جودة البيئة: "هناك سابقة لإغلاق مصانع مثل مصنع الصناعات الألكتروكيماوية. إغلاق مصنع بشكل فوري ممكن بحسب قانون ترخيص المصالح التجارية فقط في حالة إثبات وجود خطر فوري على سلامة الجمهور. وليست هذه حالة مصنع الإفناء في عين همفراتس".

نعيم داوود من جمعية الجليل– الجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحية، والتي تساهم في الحملة وتشارك في تمويلها، يشدّد على دور الجمهور في الحملة النضالية ضد إقامة هذا المشروع: "هناك حاجة لإقامة لجان شعبية في جميع القرى والمدن المجاورة، لتكون جزءًا من النضال والتوعية الضروريتيْن في هذه الحالة؛ منطقة سهل عبلين وطمرة تتحول إلى منطقة فيها الشروط البيئية سيئة للغاية ولا مكان لتفعيل منشأة كهذه هنا".



الديوكسين (Dioxin) هو أحد أهمّ وأخطر المواد الكيماوية وأكثرها سمّيّة وخطورة وتأثيرًا على صحة الإنسان. ويُعتبر الديوكسين مسببًا للسرطان، كما صنّفته الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC). وتكمن خطورة الديوكسين في إمكانية تكوّنه في الجو أثناء عملية حرق القمامة والمخلفات، خاصة النفايات الطبية والكيماوية، والتخلص من هذه المواد السامة أسواءً عن طريق الماء (الصرف الصحي أو الأنهار والترع) أو الهواء، أو من خلال تلوث التربة الزراعية، التي تنقل هذه المادة شديدة السمية إلى الأسماك والحيوانات والماشية واللحوم والطيور ومنتجات الألبان.

وتُخزّن هذه المادة السامة في دهون هذه الكائنات، وعندما يأكلها الإنسان تنتقل إليه وتترسب في الدهون المختزنة في جسمه.

أين تكمن خطورة هذه المادة؟
تكمن الخطورة في أنها غير قابلة للتكسير أو الذوبان بأيّ شكل من الأشكال. والآثار الصحية التي تنجم عن التسمم بمادة "الديوكسين" عديدة، منها الأورام السرطانية المختلفة عند الجنسيْن، وفي أماكن متعددة من الجسم، خاصة الجهاز الهضمي والليمفاوي وسرطان الدم "اللوكيميا". كما تسبب مادة الديوكسين بعض التغيرات الجذرية في درجة ذكاء واستيعاب وتعلم الإنسان، خاصة الأطفال، وتغير من سلوكياتهم، وتؤدي إلى إصابتهم بأمراض نفسية وعصبية خطرة.

وتسبب مادة "الديوكسين" خللاً ونقصًا أو ضعفًا في كفاءة الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى تكرار الإصابة بالأمراض المعدية المختلفة، والحساسية وأمراض المناعة الذاتية، كما يؤدي إلى نقص هرمونات الذكورة عند الرجال ونقص عدد الحيوانات المنوية وتشوّهها.

أما عند النساء فيسبب ما يُسمى بـ "أندومتريوزيس"، الذي يسبب التصاقات الأنابيب التي تؤدي إلى العقم والتشوه عند الأمهات الحوامل.

الحل الوحيد لمقاومة أخطار "الديوكسين" هو منع تكوّنه من الأساس؛ لأنه لا سبيل للتخلص منه عندما يتكون. ويأتي ذلك من خلال الحرص على عدم تلوث البيئة وعدم إحراق القمامة، وخاصة المخلفات الطبية، في الهواء الطلق.

(عن "المدينة")

التعليقات