31/10/2010 - 11:02

منظمة اجتماعية: حرب الحكومة الإسرائيلية على الفقر هي "حرب لا ميزانية لها..."

-

منظمة اجتماعية: حرب الحكومة الإسرائيلية على الفقر هي
قالت منظمة إسرائيلية تهتم بالمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل إن "الحرب" التي تتبجح الحكومة الإسرائيلية بالنية في خوضها ضد الفقر هي "حرب لا ميزانية لها...".
أضافت هذه المنظمة (مركز "أدفا" للمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل)، في تقرير جديد صادر عنها، أن ميزانية الدولة (إسرائيل) للعام 2006 أعدت استناداً إلى ركيزتين أساسيتين هما: تقليص نفقات الحكومة، وخفض الضرائب.

وفيما يلي مقاطع رئيسة من هذا التقرير:

في العام 2004 قررت الحكومة الإسرائيلية بأن لا تزيد نفقاتها، بين العام 2006 والعام 2010، عن أكثر من 1% سنوياً. وقد أعد مشروع الموازنة العامة لسنة 2006 على هذا الأساس.
وحيث أن تعداد سكان إسرائيل ازداد مؤخراً بمعدل 1.7% في السنة تقريباً، فإن ما ذكر يعني أن الميزانية للفرد سوف تتقلص في كل سنة من السنوات الخمس المقبلة. ولماذا تريد الحكومة تقليص نفقاتها؟ الجواب: لأن تقليص الميزانية يُخَفِّض تكلفة رأس المال، وهذا يخدم ويفيد أصحاب رؤوس الأموال.
فالحكومة تفترض أن هؤلاء (الرأسماليون) سوف يستغلون بالفعل تكلفة رأس المال المنخفضة، ليتوجهوا نحو الاستثمار في السوق الإسرائيلية وبالتالي نحو إيجاد أماكن عمل جديدة.
والسؤال: هل ذلك هو ما يحدث بالفعل؟

في الأول من أيار من العام الجاري (2006) أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة إيهود أولمرت أنها تعتزم "رفع سقف الإنفاق اعتباراً من سنة الميزانية 2007 إلى نسبة زيادة 1.7% من الميزانية الأساسية للسنة السابقة".

إن إعلان النوايا هذا يَعِدُ، في الواقع، بأن لا تستمر الميزانية للفرد في الانخفاض بنسبة ثابتة، غير أنه (الإعلان ذاته) لا يضمن تحسناً للأفضل في التمويل والتعويض عن تقليصات سابقة. جدير بالذكر هنا أن النصف الأول من العقد الحالي شهد إجراء تقليصات كبيرة وشديدة الوطأة في الميزانية العامة ... ففي السنوات 2001-2004 جرى تقليص مبلغ متراكم بلغ حوالي 65 مليار شيكل. هذه التقليصات أضرت في شكل أساسي بمخصصات التأمين الوطني وبخدمات التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي.

لقد انخفضت مداخيل قطاع واسع من الإسرائيليين وفي الوقت ذاته أخذت الخدمات تشح وتتراجع أكثر فأكثر. واليوم فإن من يرغب في تلقي خدمات جيدة، لا بدّ له من أن يدفع زيادة من جيبه الخاص، علماً أن غالبية الإسرائيليين لا تتقاضى ما يكفي لتحمل هذا العبء الإضافي.

إذا جمعنا كل التقليصات التي جرت في سنوات 2001- 2006 (في العام 2006 تم زيادة ميزانية النفقات كما أشرنا بنسبة 1% فقط) فسنجد أن ميزانية النفقات الحكومية انخفضت، بحساب للفرد، بـ 12%.
أما بالنسبة للسنوات المقبلة (القريبة) فقد تعهدت الحكومة بملاءمة الميزانية مع الزيادة السكانية، ولكن ليس أكثر من ذلك.
ولكن حتى إذا رغبت الحكومة في تغيير الاتجاه لناحية زيادة ميزانيات التعليم والتعليم العالي والصحة والتأمين الوطني فإنها ستواجه مشكلة: فقد خفضت الضرائب وبناء عليه سوف تقل مدخولاتها. في العام 2003 شرعت الحكومة بخطوة نحو تحقيق خفض ضريبي خدم في شكل أساسي ذوي المداخيل العالية. في البداية تم التقليص بناء على توصيات لجنة رابينوفيتش؛
وفي العام 2004 صادقت الحكومة على خطوتين لتسريع تطبيق التوصيات؛ وفي العام 2005 أُقِرَّتْ تقليصات إضافية بموجب توصيات لجنة كابوتا- ماتسا.

في العام 2004 عاد الاقتصاد إلى النمو وذلك نتيجة للهدوء في المواجهة مع الفلسطينيين والانفصال عن قطاع غزة. وإذا استأنفت العملية السياسية فإن من المتوقع استمرار النمو في المستقبل المنظور أيضاً.

في ظل وجود النمو الاقتصادي تزداد مداخيل الدولة من الضرائب. هذه الزيادة يمكن أن تُستغل لتدعيم أجهزة الخدمات المختلفة. بيد أن الحكومة تخلت سلفاً عن هذا الجزء من تلك المداخيل وذلك عن طريق خفض الضرائب الذي تستفيد منه الأعشار العليا. والنتيجة أن ثمار النمو ستبقى في قسمها الأكبر في يد الكسور العشرية العليا في المجتمع، بدلاً من أن تعود بالمنفعة والفائدة على الجميع.

وتظهر عملية حسابية تستند إلى معطيات نشرتها وزارة المالية وبنك إسرائيل فيما يتعلق بحجم تخفيضات الضريبة أنه وفي العام 2010، أي بعد استكمال عملية الخفض الضريبي:
- ستحصل الكسور العشرية الثلاثة العليا على زيادة سنوية تبلغ 6 مليارات شيكل.
- سيحصل العُشر الأعلى وحده على زيادة تبلغ 78ر3 مليار شيكل.
- في حين ستحصل الأعشار السبعة الدنيا مجتمعة على 7ر1 مليار شيكل فقط.

أحد المبررات التي تطرح لخفض الضرائب هو زيادة الاستهلاك، الأمر الذي يفترض أن يؤدي إلى زيادة النمو. ولكن في العام 2004، نبع جزء كبير من الزيادة في الاستهلاك من شراء السيارات المستوردة (وهو ما سجل أيضاً في الربع الأول من العام 2006)؛ وفي العام 2005، نبع جزء كبير من الزيادة في الاستهلاك من شراء الأدوات الكهربائية المنزلية، الكثير منها مستوردة. وفي الحالتينْ كان الإنفاق من جانب الكسور العشرية العليا.
خفضت الحكومة ليس فقط الضرائب على الدخل وإنما خفضت أيضاً الضرائب المفروضة على أرباب العمل، مثلاً ضريبة الشركات. ففي الفترة الواقعة بين 1986 و 1996 انخفضت ضريبة الشركات من 61% إلى 36%.
في العام 2004 قررت الحكومة إجراء خفض تدريجي آخر في ضريبة الشركات إلى 25%.
(في العام 2004 أدخلت ضريبة الشركات إلى خزينة الدولة حوالي 20 مليار شيكل، تشكل نحو 13% من إجمالي مداخيل الدولة من الضرائب و الرسوم الإلزامية).

افترضت الحكومة، عندما قامت بتقليص الميزانية، أن أصحاب رؤوس الأموال سوف يستغلون الإمكانية المتاحة لتجنيد رأس مال بقيمة أقل تكلفة وأنهم سيستثمرون في الاقتصاد الإسرائيلي مما سيوفر بالتالي أماكن عمل جديدة.

السؤال الأول: هل سيفعلون ذلك حقاً؟ السؤال الثاني: أليس من الممكن أن يتبين بأن الثمن- المس بأجهزة التعليم، الصحة، الرفاه والأمان الاجتماعي- باهظ جداً؟

قبل مناقشة الثمن الاجتماعي، سنبحث في مسألة الاستثمارات. في العقد الأخير انخفضت الاستثمارات في الاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة خلال سنوات الانتفاضة. في العام 2004، لم تشهد الاستثمارات أي نمو أو ازدياد على الرغم من تجدّد النمو الاقتصادي، وفي العام 2005 عادت هذه الاستثمارات لتزداد مجدداً ولكن بنسبة غير عالية، ولم تسجل زيادة ملموسة (في الاستثمارات) سوى في الربع الأول من العام 2006.

الحكومة، التي تعتبر هي ذاتها مستثمراً كبيراً في الاقتصاد، تقوم طوال الوقت بتقليص جزء من استثماراتها. والأموال التي تستثمرها الحكومة تتركز في مجالات الـ "هاي تيك" والخدمات المالية والتجارية، ولهذا السبب فإن قلة من الإسرائيليين، وخاصة في وسط البلاد، هم الذين يستفيدون من هذه الاستثمارات.

منذ العام 1996، وبعد أن انتهت موجة الهجرة الكبيرة إلى إسرائيل، تسود حالة من الجمود بل وحتى الهبوط، في الاستثمارات، وقد تفاقم هذا الهبوط أكثر في فترة الانتفاضة.

الانخفاض في الاستثمارات عبّر عن نفسه أيضاً في فرع البناء، السكني وغير السكني. وقد بدأ هذا الانخفاض منذ العام 1997، مع انتهاء موجة الهجرة من دول رابطة الشعوب المستقلة (الاتحاد السوفياتي سابقاً) ومن أثيوبيا، واستمر أيضاً في العام 2005، على الرغم من عودة فروع أخرى في الاقتصاد إلى النمو.

إذا كانت الاستثمارات في إسرائيل قد اتسمت عموماً باتجاه من الانخفاض (مؤخراً فقط بدأ هذا الاتجاه بالتغير)، فأين تستثمر الأموال التي تحرص الحكومة كثيراً على خفض كلفتها؟ جزء من الإجابة: في الخارج. ففي العام 2005 (من كانون الثاني حتى تشرين الثاني) استثمر سكان إسرائيل في خارج البلاد 4ر13 مليار دولار (أكثر بـ 35 ضعفاً من العام 2002). استثمارات الإسرائيليين في الخارج تزيد عن استثمارات الأجانب في إسرائيل بـ 1ر9 مليار دولار.

أما الأموال التي استثمرت فعلاً في إسرائيل، فقد وُجِّهت بالأساس إلى فروع ربحية بوجه خاص، وفي مقدمتها صناعة الـ "هاي تيك".
تتبنى الحكومة ظاهرياً سياسة "السوق الحرة" مدعية أنها تترك القرار بشأن الاستثمارات لأصحاب رأس المال.

غير أن مثال صناعة الالكترونيات يدل على أن الحكومة تستطيع العمل والتدخل أكثر بكثير. وقد أشار "بنك إسرائيل" في تقريره لسنة 2004 إلى عدد من العوامل التي ساهمت في ازدياد وزن صادرات الصناعة الإلكترونية: "التدخل الحكومي، الذي ساعد فروع التصدير الغنية بالمعلومات عن طريق مِنَحِ العالِم الرئيسي وقانون تشجيع الاستثمارات المالية... والمشاركة في صناديق دولية للبحوث. إضافة إلى الاستثمار الحكومي المباشر في تطوير تقنيات عسكرية متقدمة، والذي أوجد تفوقاً نسبياً للصناعة الإسرائيلية في السلع المخصصة للسوق العسكرية والمدنية". بعبارة أخرى، تستطيع الحكومة، إذا رغبت، أن تلعب دوراً مركزياً في سياسة الاستثمارات، سواء عن طريق توجيه استثمارات أصحاب رؤوس أموال أو استثماراتها هي. وكانت الحكومة، التي تعد أكبر المستثمرين، قد قلصت من جهتها أيضاً استثماراتها في السنوات الأخيرة.
فقد قلصت الحكومة استثمارها في مجال البحث والتطوير، الذي يعتبر إحدى الوسائل الرئيسية المتاحة لها لغرض تشجيع التطوير الاقتصادي. ففي العام 2000 تم تخصيص مبلغ 675 مليون شيكل لتمويل البحوث حسب قانون البحث والتطوير، وفي ميزانية 2005 خصص لذلك حوالي 150 مليون شيكل فقط، ثم ارتفع هذا التخصيص في ميزانية العام 2006 إلى حوالي 310 مليون شيكل.
كذلك فقد انخفضت التسهيلات الحكومية لتشجيع الاستثمارات المالية من قرابة 4ر1 مليار شيكل في العام 2000 إلى حوالي 3ر0 مليار شيكل فقط في العام 2006.
الاستثمار الحكومي في الصحة، والذي هو بصورة أساسية استثمار في بناء مستشفيات ومبان أخرى، انخفض أيضاً بشكل مستمر وملموس من حوالي 400 مليون شيكل في العام 2000 إلى حوالي 140 مليون شيكل في العام 2005. وهذا ما ينسحب أيضاً على الاستثمار الحكومي في التعليم، والذي شهد انخفاضاً ملموساً بين العام 2000 والعام 2004.

المجال الوحيد الذي ارتفعت فيه استثمارات الحكومة بشكل ملموس هو مجال البنى التحتية.
فقد ارتفع الاستثمار في هذا المجال من حوالي 6ر3 مليار شيكل في العام 2000 إلى حوالي 9ر7 مليار شيكل في العام 2006.
هذا الاستثمار انصب في شكل أساسي على تطوير المواصلات: طرق وقطارات. في العام 2004 تقرر تخصيص 20 مليار شيكل حتى العام 2008 لتطوير شبكة القطارات، عدا عن الاستثمار في شبكة القطارات الخفيفة في القدس وتل أبيب. ويعتبر الاستثمار في المواصلات استثماراً مجدياً وملائماً، خاصة في شبكة القطارات. وتبرر الحكومة ذلك بالقول إن هذه الشبكة سَتُقرِّب الضواحي إلى المركز. ولكن من المشكوك فيه أن يشكل تطوير طرق المواصلات والقطارات تعويضاً عن تدني الاستثمار في التطوير الاقتصادي في منطقتي الجليل والنقب، أو التعويض عن إهمال الاستثمار في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي. وسيكون من الصعب على الإسرائيليين المعوزين وضعيفي الموارد الإفادة من ثمار الاستثمار الحكومي في شبكات النقل والمواصلات.

تقليصات الميزانية وخفض الضرائب يمكن أن يؤديا إلى زيادة الاستهلاك والاستثمارات وحفز عملية النمو. السؤال هو: هل سيكون هذا النمو مقتصراً على مركز (وسط) البلاد وفيه منفعة لأقلية فقط، أم أنه سيشمل كل فروع الاقتصاد وكل أنحاء البلاد؟

في هذه الأيام بالذات حيث تسجل نسب نمو ملائمة، ينبغي طرح السؤال: ألم يكن الثمن باهظاً أكثر من اللازم، وهو ما سيترتب عليه هبوط في التعليم والصحة وفي ظروف المعيشة لأغلبية الإسرائيليين؟.
بعبارة أخرى، ألن تُلحِق التقليصات الحالية ضرراً بعيد المدى بفرص المجتمع الإسرائيلي في تحقيق نموٍ دائم وقابل للحياة في المستقبل؟.

لعله يجدر التذكير أن الطبقة المتوسطة الإسرائيلية أخذت تؤول اليوم إلى الانكماش والتقلص أكثر فأكثر، في الوقت الذي أخذ فيه الثراء يتركز في أيدي أقليَّة.

كذلك فإن 30% فقط من أبناء الشبيبة في إسرائيل يمكن لهم الوصول إلى التعليم العالي، كما أن 5ر61% من المستخدمين يتقاضون أقل من 5500 شيكل شهرياً، وفي الظروف الراهنة فإن معظم هؤلاء لن يستطيعوا منح أبنائهم تعليماً يُتيح لهم الوصول إلى التعليم العالي.

والحال، فإذا كُنا نريد مجتمعاً ديمقراطياً ومتساوياً، يكون فيه الجميع شركاء في الإنتاج والنمو والازدهار فإنه لا بدّ من الاهتمام ليس فقط بخفض تكلفة رأس المال وإنما أيضاً بإثراء وتقوية عامة الإسرائيليين. وإن الحكومة التي تضطلع بدور مركزي في هذا المضمار، بوصفها المسؤولة عن السياسة الاقتصادية، مطالبة بتغيير سلم الأولويات فيما يتعلق بالميزانيات.

نحن نوصي بأن تعمل الحكومة، في نطاق ميزانية العام 2006، على بلورة سلة بقيمة 10 مليارات شيكل تقريباً، وأن تقر سلة مشابهة لصالح كل سنة من السنوات المقبلة، على أن يتم تخصيص هذه السلة للأهداف التالية:
- إجراء تحديثات وتطوير ملموس في جهاز التعليم.
- تشجيع الاستثمارات والعمل في الضواحي.
- إعادة بناء مخصصات الأولاد ومخصصات ضمان الدخل.

التعليقات