31/01/2016 - 16:40

التقارب الإسرائيلي - اليوناني - القبرصي: كتلة جيو-سياسية جديدة

يعتبر هذا اللقاء الثّلاثيّ الأوّل من نوعه، ويهدف إلى تحقيق تعاون إستراتيجيّ بين الدّول الثّلاث، إسرائيل، قبرص واليونان، إذ تحتوي المياه الإقليميّة التّابعة لإسرائيل وقبرص على احتياطيّ غاز هائل وكلا الدّولتين معنيّتان بتصدير الغاز لأوروبا

التقارب الإسرائيلي - اليوناني - القبرصي: كتلة جيو-سياسية جديدة

من اليمين: إليكسيس تسيبراس، نيكوس أناستاسيادس وبنيامين نتنياهو

عُقد، يوم الخميس الماضي، لقاء ثلاثيّ في قبرص جمع كلا من رئيس الحكومة الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، الرّئيس القبرصيّ، نيكوس أنستاديس ورئيس الوزراء اليونانيّ، أليكس تسيبراس، للإعلان عن تحالف أو محور جيو- سياسي جديد في حوض المتوسط الشرقي.

يعتبر هذا اللقاء الأوّل من نوعه، ويهدف إلى تحقيق تعاون إستراتيجيّ بين الدّول الثّلاث، إسرائيل، قبرص واليونان،  إذ تحتوي المياه الإقليميّة التّابعة لإسرائيل وقبرص على احتياطيّ غاز هائل وكلا الدّولتين معنيّتان بتصدير غازهما للقارّة الأوروبيّة. 'حلقة الوصل' لكلّ من إسرائيل وقبرص مع أوروبا، والتي يمكن لها أن تنقل الغاز الإسرائيليّ والقبرصيّ، هي الدّولة الجارة، والحليفة الإستراتيجيّة الأكبر لقبرص: اليونان.

ويُلحظ تجاذب قويّ بين الدّول الثّلاث، إذ كانت الزّيارة الأولى لبنيامين نتنياهو بعد انتخابه مجدّدًا لرئاسة الحكومة مطلع العام الماضي، إلى قبرص، ليزور لاحقا الرّئيس القبرصيّ، نيكوس أنستاديس إسرائيل، فيما شهدت الأشهر الأخيرة، زيارتين لرئيس الوزراء اليونانيّ، أليكس تسيبراس، كان أوّلهما شهر تشرين الثّاني/ نوفمبر الماضي، وثانيهما يوم الإثنين الماضي.

جاءت هذه التّقاربات والتّجاذبات تمهيدًا لبلورة تحالف إستراتيجيّ يهدف إلى إيصال الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا لكن له بعدا لا يقل أهمية وهو مواجهة 'العدو' المشترك وهو تركيا أردوغان.

آخر هذه المساعي كانت بزيارة لوزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، أثينا للقاء نظيره اليونانيّ، بانوس كامينوس، الذي وصل بدوره مصحوبًا بعشرة وزراء، ليس أقلّ!، والتي تكلّلت بلقاء ثلاثيّ جمع بين قيادات الدّول الثّلاث: إسرائيل، اليونان وقبرص، انعقد يوم الخميس الماضي.

وتلخصّ التّعاون بين الدّول الثّلاث بسبعة حقول ومجالات مختلفة، تمّ التّوقيع عليها: الطّاقة، السّياحة، البحث والّتكنولوجيا، جودة البيئة، المياه، الهجرة ومحاربة الإرهاب. هذا ما أُعلنَ عنه مع اختتام الاجتماع الثّلاثيّ غير المسبوق.

عدا عن هذه المجالات السّبعة، فقد أقرّ إقامة 'لجنة خبراء ومختصّين'، يرأسها كلّ من مدراء وزارات الطاقة للدول الثّلاث، من أجل فحص إمكانيّة مدّ أنبوب الغاز من إسرائيل لقبرص ولليونان.

وفي السّياق ذاته، علّق  السّفير الإسرائيليّ السّابق في اليونان، أرييه ميكيل، اليوم الأحد، بمقالة له في 'هآرتس' على هذا التّحالف الجديد: 'هذه المداولات الدّبلوماسيّة ليست مفهومة ضمنًا، وهي لا تدور في الفراغ. كلّ واحدة من الشّريكات في هذا الحكم الثّلاثيّ، تملك اعتبارات وأهدافًا خاصّة بها، بينما في الخلفيّة – علاقات كلّ واحدة منهنّ على حدة، بتركيا'.

ويضيف ميكيل: 'حلّق الظّلّ التّركيّ على كافّة الأحداث الخاصّة بالأسبوع الماضي'. ويشير إلى أنّ 'الأنباء التي جرى تداولها بشأن مفاوضات بين إسرائيل وأنقرة حول اتّفاق مصالحة، بتشجيع من مسؤولين أميركيّين رفيعي المستوى، هي التي حفّزت اليونانيّين والقبارصة على تعزيز التّعاون مع إسرائيل، على أوسع نطاق من العلنيّة'.

ويرى ميكيل أن التنافر بين أثينا ونيقوسيا لا يزال العائق الرّئيس بين البلدين منذ أكثر من أربعين عامًا، إلاّ أنّه قاسم مشترك بين البلدين اللذين يعتبران أنقرة 'عدوًّا'.

عدا عن الصّراع التّاريخيّ بين الجارتين، فإن اليونان 'تدّعي أن تركيا تسمح بعبور عدد هائل من اللاجئين إلى حدودها، عمدًا بهدف المساس بها، ناهيك عن كون قبرص تعيش جزئيًّا تحت احتلال تركيّ'.

ويشير ميكيل إلى أنّ تحسّن العلاقات والتّعاون بين اليونان وإسرائيل بدأ منذ العام 2010، والذي يُترجم عبر المناورات العسكريّة المشتركة.

'سيريزا': من اليسار نحو الوسط

أليكيس تسيبراس، رئيس الحكومة المنتخب مرّتين، غيّر من توجّه النّاقد نحو إسرائيل. وكما يقول ميكيل، فإنّ 'حزب تسيبراس اليساريّ، سيريزا، كان ناقدًا جدًا صوب إسرائيل، إلاّ أنّ تسيبراس يدير اليوم سياسة رجل وسط سياسيّ، سواء بالسّياسة الدّاخليّة أو في السّياسة الخارجيّة'.

إلاّ أنّ إسرائيل، يضيف ميكيل، تسعى جاهدة لطمأنة اليونان، القلقة جرّاء التّقارب الأخير بين إسرائيل وأنقرة، ضمن مساعي المصالحة، موضحًا أنّ إسرائيل أوضحت لأثينا أنّ العلاقات مع نيقوسيا لن تكون على حسابها.

أمّا الموقف القبرصيّ من إسرائيل، فيقول ميكيل إنّه آخذ في التّعزّز والتّقارب، الذي بدأ منذ أيّام الرّئيس الشيوعيّ السّابق، ديميتريس خريستوفياس، والذي يواصل خلفه، نيكوس أنستاديس (الرّئيس الحاليّ) السّياسة نفسها.

ويصف ميكيل التّقارب على أّنه وضع مُكسب لإسرائيل: 'تعزيز العلاقات مع اليونان وقبرص يخلق داخل الشّرق الأوسط كتلة جيو-سياسيّة جديدة، والذي من شأنه أن يشكّل وزنًا مضادًّا، نوعًا ما، للأتراك'، ويفسّر ادّعاءه: 'اليونان على استعداد اليوم، لأن تساعد إسرائيل داخل مؤسّسات الاتّحاد الأوروبيّ وقد أثبتت ذلك مؤخّرًا، حينما كانت أولى المعارضين لوسم المنتجات القادمة من المستوطنات'.

ويختتم ميكيل مقالته بادّعاء أنّ الأطراف الثّلاثة، روسيا-اليونان-قبرص، تفضّل إبراز التّعاون في مجال الطّاقة، وليس في المجال الأمنيّ، مشيرًا إلى أنّ أسئلة كثيرة لا تزال تلفّ موضوع الغاز، وكيفيّة ومدى ونجاعة مدّ أنبوب غاز من إسرائيل إلى قبرص، وهو مشروع يكلّف المليارات الكثيرة لتمويله. إلاّ أنّ الاهتمام التّركيّ بالغاز الإسرائيليّ، وفقًا لميكيل، سرّع وحفّز من اهتمام كلّ من نيقوسيا وأثينا بالغاز ذاته.

ووصف الصّحافيّ في جريدة 'مكور ريشون' من يوم الجمعة الأخير، المحسوبة على تيّار الصهيوني المتدين، أريئيل كهانا، التّحالف الثّلاثيّ على أنّه 'تكاتف ضدّ تركيا'.

وأضاف كهانا: 'لأوّل مرّة تتّخذ إسرائيل موقفًا من الصّراع التّركيّ-القبرصيّ، لتنضمّ للموقف التّاريخيّ الخاصّ بنيقوسيا وأثينا، والتي وفقًا لها يتوجّب السّعي نحو تحقيق حلّ عادل، شامل، قابل للتطبيق للأزمة القبرصيّة، استنادا إلى القانون الدّوليّ والقرارات ذات الصّلة النّابعة عن مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة، والتي ستؤدّي إلى لتوحيد مجدّد للجزيرة على أساس احترام الأسس الدّيمقراطيّة، حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة لكلّ القبارصة، عبر سياسة خارجيّة مستقلّة خاصّة بقبرص'.

ويذكر كهانا أنّ البيان المشترك الصّادر عن اللقاء لم يذكر ولو بكلمة واحدة، القضيّة الفلسطينيّة. وهو أمر مفاجئ جدًا، لأنّ هاتين الدّولتين كانت في السّابق: 'داعمتين صاخبتين لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة'.

ومن المقرر أن تعقد قمة ثلاثية جديدة  منتصف عام 2016، وهي التي وصفها نتنياهو بـ'الحدث التاريخي'.

وهذا التحالف الجديد يطرح تساؤلات عديدة عربيا وفلسطينيا، خصوصا وأن أثينا اعتبرت طيلة عقود مناصرا مثابرا للفلسطينيين فيما فتحت نيقوسيا أبوابها للفلسطينيين في أعقاب الخروج من بيروت خلال حرب لبنان الأولى، فكيف خسرنا هذه "المعاقل" إن جازت التسمية، خصوصا وأن المال العربي وفير وكان بمقدوره أن يلعب دورا في الحفاظ على هذه "المعاقل" التي تعاني من انهيارات مالية إقتصادية، دفعتها بالإضافة لأسباب أخرى للهرولة نحو إسرائيل.

التعليقات