21/08/2017 - 13:04

آفي غـباي.. اللغز المجهول بالمشهد السياسي الإسرائيلي

ما زال غباي يشكّل لغزًاً أمام الخبراء والمحللّ السياسيّ، وحتّىّ أمام الناخب. فنحن لا نعرف حتىّ الآن ما هو التغيير الذي يحمله غباي، عدا تهديداته أو وعوده بتغيير رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو. لا يملك غباي رصيدًا في العمل الاجتماعيّ

آفي غـباي..   اللغز المجهول بالمشهد السياسي الإسرائيلي

(أ.ف.ب)

أصدر برنامج دراسات إسرائيل في مدى الكرمل هوية جديدة من سلسلة "شخصيات في السياسة الإسرائيلية" تتناول هويّة الرئيس الجديد لحزب العمل، آفي غـباي. وقد عالجت الورقة بمزيج من السرد والتحليل سيرته الذاتية ومواقفه وسلوكه السياسيين، رغم عدم وضوحها بعد بسبب تجربته السياسية القصيرة.

وآفي غباي ونشأ في مخيّم سكن مؤقّت "معبراه" أطلق عليه "بقعه-مساكن الأكاديميّين" في مدينة القدس في العام 1967. هو السابع من بين ثمانية إخوة. وكانت أسرته قد هاجرت من المغرب إلى إسرائيل في ستّينيّات القرن العشرين. شُخِّص على أنّه تلميذ فائق الذكاء في مرحلة المدرسة الابتدائيّة. أنهى دراسته الثانويّة في إحدى مدارس القدس المرموقة "هـﭽـمناسيا هعڤريت -رحاڤيا"، وهي مدرسة خرّجت شخصيّات شكّلت لاحقًا جزءًا من النخَب السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة في إسرائيل. بدأ العمل في وزارة المالية عام 1995 في قسم الميزانيات. في العام 1999، انتقل للعمل في شركة "بيزك" حتّى وصل إلى منصب مدير عامّ للشركة في العام 2007، بعد أن شغل منصب مدير عامّ لشركة "بيزك بينلئومي" في الفترة الواقعة بين العامَيْن 2003 و2007. شغل غباي منصب وزير البيئة في حكومة نتنياهو (2015-2016)، ممثِّلًا عن حزب "كولانو".

وتبين الهوية أن مواقف غباي غير واضحة المعالم بشكل كامل، وما هو التغيير الذي يحمله الرجل، عدا وعوده بتغيير رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو. حيث لا يملك غباي رصيدًا في العمل الاجتماعيّ أو السياسيّ لنتنبأ بالجديد الذي يحمله في جعبته. فقد شكّل حزبًا جديدًا مع موشيه كحلون، ووقّع على اتّفاقيّة فائض أصوات مع ليبرمان، وجلس في حكومة نتنياهو كوزير ائتلاف، واستقال لأسباب "أخلاقيّة" (على حدّ تعبيره)، وعارض مخطّط الغاز لأسباب اجتماعيّة، وهو من أصحاب رؤوس المال وتقدَّر ثروته بعشرات ملايين الشواقل التي حصل عليها خلال عمله مديرًا عامًّا لشركة بيزك. ومن الناحية السياسيّة، يتوخّى غباي الحذر؛ فهو حتى الآن لم يأتِ بجديد، ملتزم بشعارات حزب العمل العريضة: دولتان لشعبين وعمليّة سياسيّة إقليميّة من أجل السلام وتجميد البناء خارج ما يسمى الكتل الاستيطانية.

حياته:

ولد غباي ونشأ في مخيّ م سكن مؤقتّ "معبراه" أطلق عليه "بقعه-مساكن الأكاديّ " في مدينة القدس في العام 1967. هو السابع من بين ثمانية إخوة.

وكانت أسرته قد هاجرت من المغرب إلى إسرائيل في ستيّنيّات القرن العشرين. عمل أبوه موشيه آنذاك في شركة "بيزك"، الشركة الحكوميّة للاتصّالات، وأمّه سارة كانت ربةّ منزل. شُخص على أنهّ تلميذ فائق الذكاء في مرحلة المدرسة الابتدائيّة. أنهى دراسته الثانويةّ في إحدى مدارس القدس المرموقة "هچـمناسيا هعڤريت -رحاڤيا"، وهي مدرسة خرجّت شخصيّات شكّلت لاحقًا جزءًا من النخَب السياسيّة والاقتصاديةّ والعسكريةّ في إسرائيل.

بعد إنهائه المرحلة الثانويةّ، التحق بصفوف الجيش الإسرائيليّ، عام 1985، لتأدية خدمته الإلزاميّة في وحدة الاستخبارات "موديع"؛ وسُرح من خدمته برتبة ملازم أوّل. التحق بعدها بالجامعة العبريةّ، وتخرّج فيها من قسم الاقتصاد بشهادة بكالوريوس، ومن ثمَّ حصل على شهادة ماجستير في إدارة الأعمال.

بدأ العمل في وزارة المالية عام 1995 في قسم الميزانيات. في العام 1999، انتقل للعمل في شركة "بيزك" حتىّ وصل إلى منصب مدير عامّ للشركة في العام 2007، بعد أن شغل منصب مدير عامّ لشركة "بيزك بينلئومي" (وهي شركة تحت سيطرة شركة "بيزك") في الفترة الواقعة ب العامَ 2003 و2007. قبل دخوله عالم السياسة، عام 2014، حاول جباي أن يشتري أسهم شركة "إل عالْ" للطان ليتملكّها، إّلّا أنّ الصفقة باءت بالفشل فتوجّه إلى السياسة من خلال الاستجابة لدعوة موشيه كحلون بتشكيل الحزب الجديد "كولانو" ("جميعنا")، وهناك من يزعم أنهّ لو نجحت صفقة "إل عال" لكان غباي سيقرب من عالَـم السياسة.

حصل حزب "كو لانو" على عشرة مقاعد في انتخابات الكنيست الَعشرين، وانضمّ إلى الحكومة التي شكّلها نتنياهو في أعقاب فوز الليكود في الانتخابات. شغل غباي منصب وزير البيئة في حكومة نتنياهو (2015-2016)، ممثِّلًا عن حزب "كولانو". قدّم استقالته من حكومة نتنياهو ومن حزب "كولانو" لينضمّ إلى حزب العمل.

تنافس هذا العام ،2017، على رئاسة الحزب، واستطاع في الجولة الثانية أن يتغلبّ على منافسه المخضرَمَ من حزب العمل، عمپر بيرتس. غباي متزوّج من أييلت، وهي ذات أصول أستراليّةّ، وتعمل معلمّة في مدرسة ثانويةّ في مدينة تل أبيب، وأب لثلاثة أبناء، يعيشون معا في مدينة تل أبيب.

دخوله الحياة السياسيّة:

عرف عن غباي اعتدال آرائه السياسيّة؛ فهو لم ينشأ في أحضان أحزاب سياسيّة، وعندما عرض عليه كحلون الانضمام إليه التزم ووقف إلى جانبه، على الرغم من أنّ كحلون كان للتوّ قد ترك صفوف الليكود.

وعند تشكيل حزب "كولانو"، كان كحلون القائدَ السياسيّ، وكان غباي بمثابة المستشار ا لاقتصاديّ.

الموقف المشترك من القضايا ا لاقتصاديةّ والاجتماعيّةّ هو الذي جمع الاثنين في الحزب. فقد طمح غباي أن يتمكّن بالشراكة مع كحلون من تفكيك وتقليص احتكار الشركات الكبة للسوق وتقليص الفجوات ا لاقتصاديةّ. وكان واضحًا منذ البداية أن غباي غير ملائم للعمل والنشاط الَّ سياسي في الميدان، وأنهّ لن يكون ضمن القائمة التي ستخوض الانتخابات. وهكذا لم يترشّ ح چ بّـ اي للكنيستْ ولم يشغل منصب عضو برلمان.

لكن كان واضحًا أنهّ في حالة انضم "كولانو" إلى الحكومة سيعن غباي وزيراً. وفي انتخابات الكنيست العشرين، أشغل منصب مدير حملة الانتخابات لحزب "كولانو"، وعندما شكّل وأصبح نتنياهو رئيسا للحكومة عين غباي وزيرًا لجودة البيئة.

انضمامه إلى حزب العمل:

بعد مضيّ نصف عام على استقالة غباي من حكومة نتنياهو، أعلن انضمامه إلى صفوف حزب العمل.

وحسب جاء على لسانه "فإنّ حزب العمل هو المكان الأكثر ملاءَمةً، من حيث القيم التي يؤمن بها أو من حيث مقدرته على أن يكون بديًلًا حقيقيًّا للحكم الحاليّ". وقد هاجم غباي رئيس الحكومة ا لإسرائيليّة، نتنياهو، ووزراءه واتهّمهم بالفساد من خلال مقابلة تلفزيونيّة أجرتها معه القناة الإسرائيلية الثانية.

تزامن اللقاء المتلفز والانضمام لحزب العمل مع اقتراب انتهاء المدّة المطلوبة لعرض طلب التنافس على رئاسة الحزب مستقبَلًا. وهذا ما اعتبر دليلًا على نيّة غباي المنافَسة على رئاسة حزب العمل. وفي رسالته التي وجّهها إلى ناخبي حزب العمل مطلع هذا العام يقول: "انضممت إلى حزب العمل لإعادة الدولة إلى المسار، وأنا بحاجة إليكم إلى جانبي. تسجّلوا! نطمح إلى الأعلى، وسننجح". ويتابع في هذه الرسالة ويهاجم حزب "كولانو" ورئيسه حيث يقول:" لم تكن لديّ أيّ قوّة سياسيّة للتأثير، تمامًا كما حصل معي عند التصويت على مخطط الغاز الذي جاء به نتنياهو".

انتخاب غباي لرئاسة حزب العمل:

قبل الانتخابات التي جرت يوم الرابع من تموّز، كان هنالك تسعة متنافس على رئاسة حزب العمل، وخمسون ألف عضو لكون حقّ التصويت واختيار رئيس الحزب. سوّق غباي رئاسته "أن هّا العنوان لمن يبحث عن جديد. حزب قديم بحاجة إلى رأس جديد."

يفز أيّ من المرّشّحين بغالبيّة الأصوات في الجولة الأولى. ولهذا تقرّرت جولة انتخابيّة ثانية، في العاشر من تموّز، بين المتنافسَ اللذَينْ حصلا على أعلى نسبة من الأصوات، وهما عمير بيرتس، الذي حصل على 32.7% من الأصوات؛ آفي غباي، الذي حصل على 27% من الأصوات. وهكذا ولأوّل مرّةّ في تاريخ حزب العمل َّ المصنف مع الشريحة الأشكنازيةّ الوسطى والعليا في إسرائيل، يتنافس شخصان على رئاسته من أصول شرقيّة -وكلاه من أصول مغربيّة-ونشآ في بيئة فقيرة.

غباي، السياسيّ الغضّ، برئاسة حزب العمل. وهو الذي دخل الساحة السياسيّة حديثاً، ولم يشغل منصب عضو كنيست. استطاع أن يهزم السياسيّ المخضرم عمير بيرتس. وكان الإشارة أنّ أعضاء حزب العمل وناخبيه أرادوا بهذا الاختيار رئيسًا جديدًا من خارج مخزن الشخصيّات القدة لإنقاذ الحزب من الغرق.

اتسّمت حملة غباي الانتخابيّة بالضبابيّة، ولا سيّما في المواضيع السياسيّة الملحّة، كعمليّة السلام والمستوطنات. ويمكننا التعرف على بعض آرائه من خلال تصريحات عابرة له. فمثلًا، يرى غباي خطورة في حالة التدني التي يمرّ بها المجتمع الإسرائيليّ نتيجة القرارات والقوانين التي تسنّها الحكومة الإسرائيليّةّ بتأثير الأحزاب الدينيّةّ، وبخاصّة حزب البيت اليهوديّ.

كذلك يعارض آفي غباي أيّ شراكة أو أيّ دعم لحكومة برئاسة نتنياهو. أمّا بالنسبة لموقفه من الائتلاف مع القائمة المشتركة، فمن جهة يرى أهمّيّة في وجود تمثيل عربيّ في السلطة، ومن جهة ثانية يشترط هذا التمثيل بتغيير تركيب القائمة المشتركة وإخراج مركبّ حزب التجمّع الوطنيّ الديمقراطي منها.

كذلك عبّر غباي عن أنّ فكرة الدولة الثنائيّة القوميّة كارثة فيها يخسر اليهود صفة الأغلبيّة، واتهّم نتنياهو وسياسته وانجراره وراء التيّارات الدينيّة بأنهّا تقود دولة إسرائيل إلى هذه الكارثة، بعكسه هو الذي يؤمن بحلّ الدولتين، ويؤمن أنّ على إسرائيل تقوية علاقاتها مع الدول العربيّةّ المعتدلة بمباركة الولايات المتحّدة؛ بالإضافة إلى أنهّ لا يؤمن بالانسحاب ا لأحادّي الجانب ولكن على إسرائيل أن تتخّذ خطوات جِدّيةّ مثل وقف البناء في المستوطنات لتعود إلى سابق عهدها دولة آمنة ودمقراطيّة.

أمّا فيما يتعلقّ بالكارثة التي تعيشها غزّةّ، فيقول غباي إنّ من مصلحة إسرائيل أن تسمح للدول الغربيّة أن تستثمر في بناء البنى التحتيّة وتعزيز الاقتصاد الفلسطينيّ في غزة، مع أنّ هذا لن يجعلهم محبّ لإسرائيل، ولكنّهّ سيقودهم إلى الاعتدال.

خلاصة

ما زال غباي يشكّل لغزًاً أمام الخبراء والمحللّ السياسيّ، وحتّىّ أمام الناخب. فنحن لا نعرف حتىّ الآن ما هو التغيير الذي يحمله غباي، عدا تهديداته أو وعوده بتغيير رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو. لا يملك غباي رصيدًا في العمل الاجتماعيّ أو السياسيّ لنستطيع أن نشتقّ منه أو نتنبّأ من خلاله ما هو الجديد الذي يحمله في جعبته.

فقد شكّل حزباً جديدًا مع موشيه كحلون، ووقعّ على اتفّاقيّة فائض أصوات مع ليبرمان، وجلس في حكومة نتنياهو كوزير ائتلاف، واستقال لأسباب " أخلاقيةّ" (على حدّ تعبه)، وعارض مخططّ الغاز لأسباب اجتماعيّة، وهو من أصحاب رؤوس المال وتقدر ثروته بملاي الشواقل التي حصل عليها خلال عمله مديرًاً عامًّا لشركة بيزك. ومن الناحية السياسيّة، يتوخّى غباي الحذر؛ فهو لم يأتِ بجديد، ملتزم بشعارات حزب العمل العريضة: دولتان لشعب وعمليّةّ سياسيّة إقليميّة من أجل السلام وتجميد البناء في المستوطنات.

هذا الاختيار َ وْضَعَ حزب العمل في المحور السياسيّ بجانب حزب "كولانو" وحزب "يش عتيد" على نحوٍ واضح أكثر. فحزب العمل حزب مركز مع نكهة يساريةّ نجح في أن يضمّ الصقور مع الحمائم، والمتنوّرين مع المحافظ، والاشتراكيّ مع الرأسماليّ، خاض حروباً كثة وشرّع بناء المستوطنات. ولهذا، إن لم يأتِ غباي بخطّة بديلة ومتميّزة، فلن يستطيع النهوض بحزب العمل والتغلبّ على نتنياهو أو حتىّ على لپيد أو ِبِنِتّ، ولن يكون بديلًا يسارياًّ لهذا اليمين.

التعليقات